عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: ((إنك قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)) فلما بويع علي عليه السلام قام خزيمة بن ثابت على المنبر، وأنشأ يقول:
إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا .... أبو حسن مما نخاف من الفتن
وجدناه أولى الناس بالناس إنه .... أطب قريش بالكتاب وبالسنن
وإن قريشاً ماتشق غباره .... إذا ماجرى يوماً على الضمر البدن
وفيه الذي فيهم من الخير كله .... وما فيهم كل الذي فيه من حسن
وعن عبدالله بن سلمة(1) أنه قال: لقيت عماراً بصفين شيخاً آدم طويلاً، آخذاً الحربة بيده، وهو يقول: والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله ثلاث مرات، وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفان هجر لعرفنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، وأنهم على الضلال.
[الآية الرابعة والعشرون]: قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
نزلت الآية في الملأ من قريش لما اجتمعوا في دار الندوة، وهي دار قصي بن كلاب، وتشاوروا في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
فقال بعضهم: يحبس.
وقال بعضهم: ينفى من الأرض.
وأشار أبو جهل بالقتل، واتفقوا عليه، وأعدوا الرجال والسلاح.
__________
(1) عبدالله بن سلِمة - بكسر اللام - المرادي الكوفي ، قال العجلي : تابعي ثقة ، وقال عدي : أرجو أنه لا بأس به، وقال البخاري لا يتابع في حديثه، سمع علي بن أبي طالب ، وعمار بن ياسر ، وابن مسعود ، وسعد بن أبي وقاص ، وسلمان الفارسي ، وعنه عمرو بن مرة ، وأبو إسحاق السبيعي.(1/119)


وجاء جبريل: وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج إلى الغار، وأمر علياً فبات على فراشه، فلما أصبحوا فتشوا عن الفراش وجدوا علي بن أبي طالب، ونزلت الآية: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
ومعنى: {يَمْكُرُ اللَّهُ} أي: يدبر وتدبيره خير من تدبيرهم، عن أبي مسلم.
وقيل: احتالوا في أمرك من حيث لاتعلم، وأحل الله بهم العذاب من حيث لايشعرون.
وقيل: مكروا فجازاهم الله على مكرهم.
[الآية الخامسة والعشرون]: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
قيل: لما أسلم أربعون نفراً نزلت هذه الآية، وكان أمير المؤمنين أولهم.
وقيل: نزلت بالبيداء في وقعة بدر قبل القتال، وكان فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحب لوائه في بدر أمير المؤمنين، وهو الذي نزل أولاً مع عمه حمزة، وابن عمه عبيدة بن الحارث إلى قتال عتبة وشيبة، والوليد بن عتبة، فقتلوهم وقتل جماعة.
وكان في جميع غزوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كاشف الكرب عنه يقاتل بين يديه، فهذه الآية تليق به.
وقيل في معنى الآية وجهان:
أحدهما: حسبك الله ناصراً، والمؤمنون يعينونك.
وقيل: حسبك وحسب المؤمنين الله ناصراً.(1/120)


[الآية السادسة والعشرون]: قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
قيل: نزلت الآية في أسارى بدر لما أسروا واستشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه فيهم، فأشار علي وعمر بالقتل، وأبو بكر وعثمان بالبقية والفداء، ففاداهم، فعاتبه الله تعالى ونزلت الآية.
ومتى قيل: لم لا يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك؟
قلنا: كأن لم يوح إليه فيهم شيء ففاداهم، وكان ينبغي أن يصبر حتى ينزل الوحي فوقعت صغيرة، وقتل عقبة بن أبي معيط صبراً بعد الأسر قتله علي بن أبي طالب بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك كان عداوة الوليد بن عقبه لأمير المؤمنين عليه السلام.
ـــــــــــــــــــ(/)


سورة براءة أو التوبة
[الآية السابعة والعشرون]: قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:1].
أجمع المفسرون ونقلة الأخبار(1) أنه لما نزلت براءة دفعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بكر، وكان يحج بالناس هو تلك السنة، ثم أخذها منه ودفعها إلى أمير المؤمنين.
واختلفوا في تفصيل ذلك:
فقيل: بعثه ثم بعث علياً خلفه.
وقيل: بل أخذها قبل الخروج.
وقيل: رجع أبو بكر، وقال: هل نزل في شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا، إلا خيراً، لكن لايؤدي عني إلا أنا أو رجل مني)) فحج أبو بكر، وقرأ علي سورة براءة.
__________
(1) روى قصة تبليغ برآءة كثير من المحدثين، فمنهم:
محمد بن سليمان الكوفي عن أنس من روايتين، ورواه أيضاً عن جميع بن عمير، عن ابن عمر، وأخرجه النسائي في خصائصه عن سماك بن حرب عن انس، وعن زيد بن يثيغ، عن علي عليه السلام، وعن عبدالله بن رقيم عن سعد بن أبي وقاص، وعن أبي الزبير بن عبدالله الأنصاري.
وأخرجه أحمد بن حنبل عن زيد بن يثيغ، عن أبي بكر، وعن علي عليه السلام، وأبي هريرة، وعن أنس، وعن ابن عباس، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وغيرهم.(1/121)


وقيل: نزلت سورة براءة سنة تسع، وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر أميراً على الحاج ودفع إليه صدراً من براءة ليقرأها على الناس، وذهب ودعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وبعثه على أثره ليأخذ منه براءة ويقرأها على الناس فخرج علي على ناقة رسول الله العضبا حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة فأخذها منه فقدما مكة فحج أبو بكر بالناس، فلما كان يوم النحر قام علي وأذن بالناس وقرأ عليهم سورة براءة.
قيل: بل قرأ يوم عرفة، وبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت قريش: نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك.
وروي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن إسحاق، وجماعة: أن الذي قرأ براءة أمير المؤمنين عليه السلام.
وذكر الأصم(1) أنه دفع إلى أبي بكر فلما ولى دعاه وأخذها منه ودفعها إلى علي عليه السلام، وقال: ((لايبلغ عني إلا أنا أو رجل مني)).
ويروى أنه دفع براءة إلى أبي بكر، ثم أخذها منه ودفعها إلى علي، عن عروة بن الزبير(2)، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مايقوي ذلك، فقال: ((علي مني، وأنا منه، ولايقضي دِيني إلا أنا أو علي ـ بكسر الدال ـ)).
__________
(1) الأصم هو يوسف بن يعقوب الواسطي أبو بكر الأصم، إمام جامع واسط ومقرئها، ولد سنة ثمان عشرة ومائتين، وتوفي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، وقيل سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وله مائة وخمسون سنة .
(2) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبو عبدالله المدني ، قال ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث فقيهاً عالماً مأموناً، ولد سنة تسع وعشرين، توفي سنة أربع وتسعين ، وقيل : خمس وتسعين .(1/122)

25 / 44
ع
En
A+
A-