وقد ذكر أهل التفسير والنقل مثل ذلك، وروي عن ابن عباس، والبراء بن عازب(1)، ومحمد بن علي أنه لما نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده، وقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) فقال عمر: هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
__________
(1) البراء بن عازب الأنصاري الأوسي الحارثي أبو عمارة، صحابي جليل القدر استصغره النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر فلم يشهدها، وشهد أحداً وما بعدها، وشهد بيعة الرضوان، وشهد مع علي عليه السلام جميع مشاهده: الجمل، وصفين، والنهروان، نزل الكوفة وتوفي بها بعد السبعين في أيام مصعب بن الزبير.(1/104)


[تواتر حديث الموالاة والغدير]
وحديث المولاة وغدير خم قد رواه جماعة من الصحابة، وتواتر النقل به حتى دخل في حيز التواتر رواه: زيد بن أرقم، وأبو سعيد الخدري، وأبو أيوب(1) الأنصاري، وجابر بن عبدالله، واختلفت ألفاظهم، وزاد بعضهم ونقص بعض.
ففي حديث جابر وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما انصرف من حجة الوداع، ووافى الجحفة أمر بسمرات فقممن أو دوحات، وكان يوماً حاراً ما أتى علينا يوماً أشد منه، وإن أحدنا ليستظل بثوبه، ويبل الخرقة فيضعها على رأسه من شدة الحر، وأمر فوضع له شيء عالٍ فقام عليه هو وعلي، ثم قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)) يقولها ثلاثاً، فقام عمر، وقال: هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي، ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
قال جابر: وكنا اثني عشر ألفاً.
__________
(1) أبو أيوب الأنصاري: خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي النجاري من بني النجار، شهد العقبة وبدراً وما بعدها، ولما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة نزل عليه وأقام عنده شهراً، وكان شجاعاً صابراً براً تقياً محباً للغزو والجهاد، شهد مع الوصي عليه السلام مشاهده كلها، وكان من خيار أنصاره وأعوانه ومحبيه وممن يفضله ويقدمه وتخلف عن بيعة أبي بكر، عاش إلى أيام بني أمية، وكان يسكن المدينة، ثم رحل إلى الشام، غزا القسطنطينية فحضر الوقائع فمرض فأوصى أن يُوغل به في أرض العدو، فلما توفي دفن في حصن القسطنطينية، وكان موته سنة اثنتين وخمسين، رحمة الله عليه.(1/105)


وعن زيد بن أرقم، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع، ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم قال: ((كأني قد دعيت فأجبت إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال الله تعالى مولاي، وأنا ولي كل مؤمن ومؤمنة ثم أخذ بيد علي، وقال: من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)).
قال أبو الطفيل(1): قلت لزيد أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ماكان بالدوحات أحد إلا وقد رآءه بعينه وسمعه بإذنه.
[مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم الرحبة]
وعن أبي الطفيل(2)
__________
(1) أبو الطفيل : عامر بن واثلة بن عبدالله بن عمير الكناني، ولد عام أحد، أدرك ثمان سنين من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، له رؤية ورواية، صحب علياً عليه السلام وكان من وجوه شيعته ومن محبيه، وكان منه بمحل خاص، وشهد معه مشاهده كلها، خرج طالباً بدم الحسين مع المختار بن عبيد الثقفي، وأخرج محمد بن الحنفية من سجن عارم، وسكن الكوفة ثم سكن مكة وأقام بها حتى مات سنة (100هـ)، وقيل (102هـ)، وقيل (107هـ) وقيل (110هـ) على الصحيح، رحمة الله عليه ورضوانه.
(2) أما حديث المناشدة يوم الرحبة، فقد رواه الجم الغفير:
فقد رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن جماعة منهم:
عبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن وهب، وزياد بن أبي زياد، وزاذان بن عمرو، وزيد بن أرقم، وعن أبي الطفيل، ورياح بن الحارث، وبريدة وغيرهم.
ورواه النسائي في خصائصه عن زيد بن أرقم، وعمرو بن سعد روايتين، وسعيد بن وهب، ويزيد بن يثيغ، وعمرو ذي مر.
ورواه أبو نعيم عن عميرة بن سعد.
ورواه المحب الطبري في الرياض النضرة عن أبي أيوب الأنصاري، وفيها عن عمر.
ورواه صاحب كنز العمال عن زيد بن أرقم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعن جابر بن سمرة، وعن جرير بن عبدالله البجلي، وعن علي عليه السلام، وعن عمير بن سعد، وعن سعد بن وهب، وزيد بن يثيغ، ورواه ابن حجر في الإصابة عن زر بن حبيش عن حبة بن جوين العرني، وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، وعن الأصبغ بن نباتة البناني، وعن أبي الطفيل أيضاً.
ورواه ابن الأثير عن جندع بن عمرو بن مازن، وعن الأصبغ بن نباتة، وفيه:
فقام بضعة عشر رجلاً فيهم أبو أيوب الأنصاري، وأبو عمرة بن محصن، وأبو زينب، وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت، وعبدالله بن ثابت الأنصاري، والنعمان بن عجلان الأنصاري، وثابت بن وديعة الأنصاري، وأبو فضالة الأنصاري، وعبد الرحمن بن عبد ربه، فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ألا إن الله عز وجل وليي وأنا ولي المؤمنين، ألا فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وأعن من أعانه)).
ورواه الطبراني في الأوسط عن مالك بن الحويرث، وعن حميد بن عمارة، عن أبيه، وعن ابن عباس، وعن أبي سعيد الخدري.
ورواه الهيثمي عن عمار بن ياسر، وعن زيد بن أرقم، وعن أبي هريرة وغيرهم.(1/106)


أن قوماً من اليمن جاءوا إلى علي بن أبي طالب، فقالوا: يامولانا، فقال: أنا مولاكم عتاقة؟ قالوا: لا نحن قوم من العرب سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) قال: فهاجه ذلك فنادى في الناس فاجتمعوا حتى امتلأت الرحبة، فقام، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: أنشد الله من شهد يوم غدير خم إلا قام، ولايقوم إلا رجل سمعت أذناه ووعا قلبه، فقام اثني عشر رجلاً ثمانية من الأنصار، ورجلان من قريش، ورجل من خزاعة، والآخر لاأدري ممن هو، ثم قال لهم: اصطفوا، فقال: هاتوا ماسمعتم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: نشهد أنا قفلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع حتى إذا كان بغدير خم، نزل ونزلنا وصلينا الظهر معه، ثم قام فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني أوشك أن أدعا فأجيب، وإني مسؤل وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نقول اللهم قد بلغت، قال: اللهم اشهد ثلاث مرات، ثم قال: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض سألت الله ذلك لهما فأعطانيه)) ثم قال: ((أيها الناس أتعلمون أن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بكم من أنفسكم)) قال ذلك ثلاث مرات، قالوا: قلنا نعم، قالوا: وهو آخذ يدك بيده حتى عرفناك باسمك، وعرفناك بيدك، وهو يقول: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) قال أيضاً ذلك ثلاث مرات.
وقد روى حديث غدير خم ابن عباس، وسعد بن أبي وقاص في حديث طويل، ورواه أبو هريرة أيضاً.(1/107)


وعن ابن عباس قال: ((علي ولي كل مؤمن من بعدي)).
وعن عمران بن حصين(1) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي(2))).
وعن علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: ((سألت الله تعالى فيك خمساً فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً، سألته: أن يجمع عليك أمتي فأبى عليّ، وأعطاني فيك: أنك أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأنت معي ومعك لواء الحمد فأنت تحمله بين يدي أسبق الأولين والآخرين، وأعطاني أنك أخي في الدنيا والآخرة، وأعطاني أن بيتك مقابل بيتي في الجنة، وأعطاني أنك ولي المؤمنين بعدي)).
والخيرة في علي إمامته، وأنه كان معصوم الظاهر والباطن ولا يتغير، ويدل أن الإمامة له وفي عترته على مانقوله.
__________
(1) عمران بن الحصين، أبو نُجَيْد - بضم النون وفتح الجيم - الخزاعي البصري، أسلم عام خيبر وشهد ما بعدها، وكان من فضلاء الصحابة، وكان مجاب الدعوة، بعثه عمر إلى البصرة يفتيهم وبها مات سنة اثنتين وخمسين.
(2) رواه من قصة بريدة الجم الغفير بزيادة ونقصان كلها تدل على قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي مني وأنا منه)) فمن مَنْ رواه بلفظ ما ذكره الحاكم هنا: أحمد بن حنبل ج4 ص437، والحاكم في مستدرك الصحيحين ج3 ص110، وأبو داود الطيالسي في مسنده ج3 ص111، وأبو نعيم في حليته ج6 ص294، والمتقي في كنز العمال ج6 ص399 نقلاً عن ابن جرير، وعن ابن أبي شيبة، ورواه النسائي في خصائصه ص23.(1/108)

22 / 44
ع
En
A+
A-