[خبر المنزلة]
وروى السيد أبو طالب بإسناده، عن أنس بن مالك، قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى غزوة تبوك استخلف علياً عليه السلام على المدينة، وما هناك، فقال المنافقون عند ذلك: إن محمداً قد شنى ابن عمه ومله، فبلغ ذلك علياً عليه السلام فشد رحله، وخرج من ساعته فهبط جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره بقول المنافقين في علي وخروج علي للحاق به، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منادياً فنادى بالتعريس في مكانهم ففعلوا، ثم جاءوا إليه فسألوه عن نزوله في غير وقت التعريس؟
فأخبرهم بما أتاه به جبريل عن الله تعالى، فأخبرهم بأن الله تعالى أمره أن يستخلف علياً على المدينة.
قال: فركب قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتلقوه فما راموا مواضعهم إلا وقد طلع عليٌ عليه السلام مقبلاً، قال: فتلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماشياً، وتبعه الناس، فعانقه رجل رجل، ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحوله الناس، فقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: ((ما أقبل بك إلينا يا ابن أبي طالب))، فقص عليه القصة من قول المنافقين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي ما خلفتك إلا بأمر الله، وما كان يصلح لما هناك غيري وغيرك، أما ترضى يا ابن أبي طالب أن أكون استخلفتك كما استخلف موسى هارون، أما والله إنك مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لانبي بعدي)).(1/66)


قال: فلما قَفَل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسم الغنائم بين الناس، ودفع إلى علي عليه السلام سهمين، فأنكر ذلك قوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أيها الناس، هل أحد أصدق مني؟ فقالوا: لا يارسول الله، قال: أيها الناس، أما رأيتم صاحب الفرس الأبلق أمام عسكرنا في الميمنة مرة وفي الميسرة مرة؟ قالوا: رأيناه يارسول الله صلى الله عليك، وماذا؟، قال: ذلك جبريل، قال لي: يا محمد إن لي سهماً في الغنيمة مما فتح الله عليك وقد جعلته لابن عمك علي بن أبي طالب، فسلمه إليه))، قال أنس: فكنت فيمن بشر علياً صلوات الله عليه بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد روى خبر المنزلة جماعة كثيرة (1)
__________
(1) وممن روى خبر المنزلة من الصحابة غير من ذكر أيضاً: علي عليه السلام، وعمر بن الخطاب، وأبو هريرة، وابن جعفر، ومعاوية، والبراء بن عازب، ومالك بن الحويرث، وأم سلمة، وابن مسعود، انتهى.
انظر لوامع الأنوار ج1 / 98، 99، وقال في اللوامع: [رواه ابن أبي شيبة، ورواه في مسند أحمد بعشرة أسانيد، ومسلم من فوق سبع طرق، ورواه البخاري في صحيحه، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم صاحب المستدرك، والطبراني، والخطيب، والعقيلي، والشيرازي، وابن النجار] انتهى.
ورواه أيضاً ابن عساكر عن عدد كثير من الصحابة، وذكر لكل واحد منهم طرقاً، ورواه النسائي في خصائصه عن سعد بن أبي وقاص من ثلاث عشرة طريقاً، وعلى العموم فإن الخبر مما علم ضرورة كما قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام، وقال الحاكم: هذا حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: خرجته بخمسة آلاف إسناد.(1/67)


: منهم: أبو سعيد الخدري، وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وجابر (1)، وأبو رافع، وأسماء بنت عميس (2)، وتلقته الأمة بالقبول، ورواه أصحاب الحديث في الصحاح.
وفي أمثاله كثيرة: إجراءه مرة مجرى نفسه، ومرة ذكر أنه أخوه، وأخرى أنه وارثه وخليفته، وكل ذلك يدل على أنه كان من مرشحه للخلافة، وينبه بذلك على الإمامة.
__________
(1) جابر بن عبدالله بن حرام الأنصاري الخزرجي: غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسع عشرة غزوة، ولم يشهد بدراً ولا أحداً، كان من سادات الصحابة، وفضلائهم، واستشهد والده بأحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من أهل الولاء الخالص والمحبة الصادقة لأمير المؤمنين، وأهل بيته، وشهد مع علي عليه السلام معركة صفين، توفي بالمدينة في عشر الثمانين سنة ثلاث وسبعين عن أربع وتسعين سنة، وهو آخر الصحابة موتاً بالمدينة.
(2) أسماء بنت عميس بضم المهملة الولى الخثعمية: أسلمت مع زوجها جعفر بن أبي طالب عليه السلام، وهاجرت الهجرتين، وولدت لجعفر: عبدالله، ومحمد، وعون، ثم قتل شهيداً، فتزوجها أبو بكر، فولدت له محمداً، ثم تزوجها أمير المؤمنين بعد وفاة فاطمة عليها السلام، فولدت له يحيى، وكانت من خواص أهل البيت عليهم السلام، توفيت بعد علي عليه السلام(1/68)


[بعض من فضائل فاطمة عليها السلام]
فأما فاطمة عليها السلام فالآية تقضي بفضلها، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها(1)))، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((سيدة نساء العالمين أربع: آسية ومريم وخديجة وفاطمة)).
وروى علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لفاطمة: ((إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك(2))).
وعن الصادق عليه السلام: لفاطمة عليها السلام ثمانية أسماء: الصديقة، والزهراء، والطاهرة، والزاكية، والرضية، والمرضية، والبتول، وفاطمة.
__________
(1) قال الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله في لوامع الأنوار: [وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها))، أخرجه البخاري ومسلم، وأحمد بزيادة: ((وينصبني ما أنصبها))، والترمذي، وقال: صحيح، والطبراني، والحاكم في المستدرك، والضياء المقدسي في المختارة، انتهى. انظر لوامع الأنوار 2/ 577].
(2) هذا الحدي أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا بسند آبائه عليهم السلام، وأخرجه الإمام المرشد بالله (ع) في أماليه الأنوار بسنده إلى الإمام الحسين بن زيد بن علي، وعلي بن عمر بن علي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، وأخرجه ابن المغازلي عن الإمام الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، وأخرجه الفقيه حميد الشهيد بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه، وأخرجه الكنجي عن الحسين بن علي، وأخرجه أبو سعيد، وأبو المثنى، والديلمي، والطبراني، والحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الفضائل، وابن عساكر وصححه المحدث أحمد بن سليمان الأوزري، والشيخ الحافظ محمد بن عبد العزيز العنسي، انتهى لوامع الأنوار 2/ 577.(1/69)


عن علي عليه السلام، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج كان آخر عهده بفاطمة، وإذا رجع كان أول عهده بفاطمة عليها السلام).
وروى السيد أبو طالب عليه السلام بإسناده، عن الكلبي(1)، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: ينادي مناد يوم القيامة يا أهل الجمع غضوا أبصاركم تمر فاطمة بنت محمد، فتخرج من قبرها، ومعها ثيابها تشخب بالدم حتى تنتهي إلى العرش فتقول يارب انتصف لولدي ممن قتلهم، ثم قال ابن عباس: فوالله لينتصفن الله ممن قتلهم.
__________
(1) الكلبي، هو: محمد بن السائب بن بسر بن عمر الكلبي أبو النضر بمعجمة، الكوفي، المفسر، النسابة، الأخباري، ترجمه في الطبقات، توفي سنة ست وأربعين ومائة.(1/70)

14 / 44
ع
En
A+
A-