[الآية السادسة]: قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} ...الآية [آل عمران:13]، المروي عن ابن مسعود أنها نزلت في قصة بدر، وكان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب عليه السلامه، وبرز عتبة وشيبة والوليد وطلبوا البراز فخرج إليهم حمزة(1) وعلي وعبيدة بن الحارث فقتل حمزة شيبة، وقتل علي الوليد، واختلف الطعان بين عبيدة وعتبة فأعانه علي فقتلاه فذلك قوله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ} يعني في بدر.
__________
(1) حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، أبو عمارة، وأبو يعلى، أسد الله، وأسد رسوله، وعم الرسول وأخيه من الرضاعة، أسلم بمكة، وشهد بدراً وأحداً، وقتل في أحد بعد أن قتل واحداً وثلاثين نفساً، قتله وحشي، وبقرت هند بطنه، وأخرجت هند كبده فلاكتها، فلم تسغها، وكان في النصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة، وصلى عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكبر عليه سبعين تكبيرة، وكان عمره سبعاً وخمسين سنة، وله الكثير من البشائر والمناقب الطيبة، ومن جملتها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((خير إخوتي علي، وخير أعمامي حمزة))، وقوله: ((أول سبعة يدخلون الجنة: أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، وفاطمة، والحسن، والحسين))، وهو سيد الشهداء رحمة الله عليه ورضوانه.(1/46)


[الآية السابعة]: قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61]، المروي عن ابن عباس، والحسن(1)
__________
(1) الحسن بن أبي الحسن يسار، بفتح الياء تحتها نقطتان، وتخفيف السين المهملة، البصري، مولى زيد بن ثابت، وقيل: مولى جميل بن قطنة، وقيل: مولى أم سلمة، وقيل غير ذلك، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة، ولقي علياً عليه السلام بالمدينة والبصرة، قال ابن سعد في الطبقات: كان إماماً، عالماً، جامعاً، رفيعاً، ثقة، مأموناً، عابداً، ناسكاً، كثير العلم، فصيحاً، جميلاً، وسيماً، ما أرسله فليس بحجة، كان أشجع أهل زمانه عرض زنده شبر، انتهى.
وقد رمي بالقدر ولم يصح عنه ؛ لأنه تبرأ منه، ومكاتباته ورسالة الحجاج إليه تدل على خلاف ما رمي به، وقال فيه الذهبي: حافظ، علامة من بحور العلم، فقيه النفس، كبير الشأن، عديم النظير، مليح التذكير، بليغ الموعظة، رأس في أنواع الخير، انتهى. توفي سنة عشر ومائة، وله ثمان وثمانون سنة، وأينما ورد مطلقاً في كتب أئمتنا عليهم السلام فهو المراد.(1/47)


، والشعبي(1)، والسدي(2)، وابن إسحاق(3)، وغيرهم دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا جميعاً في حديث المباهلة:
__________
(1) الشعبي، هو: عامر بن شراحيل، بفتح الشين معجمة، والمهملة بعدها، وكسر المهملة بعد الألف، ثم تحتية مثناة ساكنة، ثم لام، بن عبدالله الهمداني، أبو عمر الشعبي بفتح المعجمة، وسكون العين مهملة، والباء موحدة، منسوب إلى شعب همدان، واشتهر به حتى غلب على اسمه، ولد لست خلت من خلافة عمر بن الخطاب، وروى عن الجم الغفير من الصحابة والتابعين، وروى عنه الجم الغفير أيضاً، وروي عنه أنه قال: أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أكثر، وهو من التابعين الأجلاء، الفقهاء، الثقات، وعده في الطبقات الزيدية من ثقات محدثي الشيعة، وعده الحاكم وغيره من القائلين بالعدل والتوحيد، وكان يقول: أحبب آل محمد ولا تكن رافضياً، واثبت وعيد الله ولا تكن مرجئياً، ولا تكفر الناس فتكن خارجياً، وألزم الحسنة ربك والسيئة نفسك، وتوفي سنة خمس ومائة أو أربع، وله إثنتين وثمانين سنة، وقال فيه الحسن البصري يوم توفي: كان والله كثير العلم، عظيم الحلم، قديم السلم بمكان، وقد ترجم له في الطبقات ترجمة طويلة مفيدة تدل على فضله، وغزارة علمه.
(2) السدي، هو: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة، أبو محمد، قال في جامع الأصول: سمي بالسدي ؛ لأنه كان يقعد في سدة الجامع، واشتهر بهذا اللقب عند أئمتنا عليهم السلام، وهو مولى قريش، الكوفي، ذكره في الطبقات، وذكر تعديل المحدثين له، وجرح بعضهم له بسبب التشيع، وهو أحد الذين أخذوا عن الإمام زيد بن علي عليه السلام، توفي سنة سبع وعشرين ومائة، وهو السدي الكبير، وأينما ورد مطلق في كتب أئمتنا فهو المراد، أما السدي الصغير فهو: محمد بن مروان، وكلاهما من الشيعة.
(3) ابن اسحاق : هو محمد بن إسحاق بن يسار، الإمام الحافظ أبو بكر المطلبي، مولى قيس بن مخرمة أبو عبدالله المدني، أحد الأعلام لا سيما في المغازي والسير، وثقه العجلي وابن سعد، قال في الكاشف : كان من بحور العلم صدوق، توفي سنة إحدى وخمسين ومائة، أخرج له الأربعة وأئمتنا الخمسة إلاَّ الجرجاني، وهو المراد أينما أطلق في كتب أئمتنا عليهم السلام.(1/48)


[حديث المباهلة]
إن وفد نجران خرجوا منه وهم بضعة عشر رجلاً من أشرافهم، وفيهم ثلاثة نفر يتولون أمورهم العاقب وهو أميرهم وصاحب مشورتهم، وعن رأيه يصدرون، وهو عبد المسيح رجل من كنده، وأبو الحارث بن علقمة، وهو رجل من ربيعة، ومعه أخوه كرز، وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم، وإمامهم، وصاحب مدارسهم، وله فيهم قدر ومنزلة قد شرفه ملك الروم، واتخذوا له الكنائس وولوه، والسيد وهو صاحب رحلتهم، وفصلوا من نجران وأخو أبو الحارث على بغلة له فعثرت به، فقال: تعس ألا بعد ـ يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقال له أخوه أبو الحارث: بل تعست أنت أتشتم رجلاً من المرسلين إنه النبي الذي كنا ننتظر، قال: فما يمنعك أن تتبعه، وأنت تعلم هذا منه، قال: شرفنا القوم وأكرمونا، وأبوا علينا إلا خلافه، ولو اتبعته لنزعوا كل ماترى فأعرض عنه أخوه وهو يقسم بالله لايثني لها عناناً حتى يقدم المدينة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسلم، فقال له أخوه أبو الحارث: مهلاً ياأخي فإنما كنت مازحاً، قال: وإن كنت مازحاً، ثم مر يضرب بطن راحلته وهو يقول:
إليك تعدوا قلقاً وضينها .... معترضاً في بطنها جنينها
مخالفاً دين النصارى دينها(1/49)


فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم ، قال: وأقبل القوم حتى مروا باليهود في بيت مدارسهم فنادوا: يابن صوريا، ياكعب بن الأشرف أنزلوا إخوة القردة والخنازير، فنزلوا فقالوا لهم: هذا الرجل عندكم منذ كذا وكذا، وقد غلبكم احضروا لنمتحنه غداً، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبركوا بين يديه، فتقدم الأسقف، فقال: يا أبا القاسم موسى من أبوه؟ قال: عمران، قال: فيوسف من أبوه؟ قال: يعقوب، قال: فأنت من أبوك؟ قال: عبدالله بن عبد المطلب، قال: فعيسى من أبوه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينتظر الوحي، فهبط جبريل عليه السلام بهذه الآيات: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران:60]، فقرأها عليهم، قال: فنزأ الأسقف، ثم دق به فغشي عليه، ثم رفع رأسه، فقال: تزعم أن الله أوحى إليك أن عيسى خلقه من تراب أتجد هذا فيما أوحي إليك، ولانجده نحن فيما أوحي إلينا، ولاتجده اليهود هؤلاء فيما أوحي إليهم قال : فهبط جبريل بهذه الآية: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} قالوا: أنصفت يا أبا القاسم فمتى نباهلك؟ قال: غداً إن شاء الله، فانصرفوا، فقال: رئيس اليهود لأصحابه انظروا هذا الرجل، فإن هو خرج غداً في عدة من أصحابه فباهلوه فإنه كذاب، وإن هو خرج في خاصة من أهل بيته، فلا تباهلوه، فإنه نبي، ولئن(1/50)

10 / 44
ع
En
A+
A-