[ 37 ]
عنه يدعوه إلى القيام معه في دم عثمان سلام عليك اما بعد فأن احق الناس بنصرة عثمان اهل الشورى من قريش الذين اثبتوا حقه واختاروه على غيره ونصره طلحة والزبير وهما شريكاك في الامر ونظيراك في الاسلام وخفت لذلك ام المؤمنين فلا تكره ما رضوا ولا ترد ما قالوا وانما تريد ان نردها شورى بين المسلمين والسلام. فأجابه سعد رضي الله عنه أما بعد فان عمر لم يدخل في الشورى الا من تحل له الخلافة فلم أجد أحدا اولى بها من صاحبه الا بأجتماعنا عليه غير ان عليا كان فيه ما فينا ولم يكن فينا ما فيه ولو لم يطلبها ولزم بيته لطلبته العرب ولو بأقصى اليمن وهذا الامر قد كرهنا أوله وكرهنا آخره وأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما لكان خيرا لهما والله يغفر لام المؤمنين ما أتت. وهكذا أخرجه المحدث ابن قتيبة في كتاب الامامة. وكتب معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة أما بعد فأنما أنت يهودي ابن يهودي ان ظفر احب الفريقين اليك عزلك واستبدل بك وان ظفر ابغض الفريقين اليك قتلك ونكل بك وقد كان ابوك اوتر قوسه ورمى غرضه فأكثر الحز واخطأ المفصل فخذله قومه وادركه يومه ثم مات طريدا بحوران. فأجابه قيس: أما بعد فأنت وثني ابن وثني دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا لم يقدم ايمانك ولم يحدث نفاقك ونحن انصار الدين الذى خرجت منه وأعداء الدين الذي دخلت فيه والسلام (انتهى). وفي ربيع الابرار للزمخشري رحمه الله دعا معاوية قيس بن سعد بن عبادة إلى مفارقة علي بن أبي طالب حين تفرقت الناس عنه فكتب إلى معاوية يا وثني ابن وثني تدعوني إلى مفارقة علي بن أبي طالب والدخول في طاعتك وتخوفني بتفرق اصحابه عنه وانثيال الناس عليك واجفالهم اليك فوالذي لا اله غيره لا سالمتك أبدا وانت حربه ولا دخلت في طاعتك وانت عدوه ولا
---(1/37)


[ 38 ]
أخترت عدوالله على وليه ولا حزب الشيطان على حزبه (انتهى). وأخرج الامام محمد بن اسمعيل البخاري في صحيحه عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس ولابنه علي انطلقا إلى أبي سعيد فأسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حانط يصلحه فأخذ رداءه فأحتبى ثم انشأ يحدثنا حتى اتى على ذكر بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وآله فجعل ينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. وأخرجه أيضا مسلم والطبراني والترمذي والحاكم والامام احمد في مسنده وغيرهم وعده الحفاظ جلال الدين السيوطي في الاخبار المتواترة وعزاه للشيخين عن أبي سعيد ولمسلم عن أبي قتادة وام سلمة وابي يعلي ولاحمد عن عمار وابنه وعمر بن حزم وخزيمة ذي الشهادتين وللطبراني عن عثمان وانس وابي هريرة وللحاكم عن حذيفة وابن مسعود وللرفاعي عن أبي رافع ولابن عساكر عن جابر بن عبدالله وجابر بن سمرة وابن عباس ومعاوية وزيد بن اوفى الاسلمي وأبي اليسر كعب بن عمرو وزياد وكعب بن مالك وأبي امامة وعائشة ولابن ابي شيبة عن عمرو بن العاص وابنه عبدالله بن عمرو قال: فهؤلاء سبعة وعشرون صحابيا فيهم خزيمة كصحابيين (انتهى). وقال حافظ المغرب ابن عبد البر تواترت الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: تقتل عمار الفئة الباغية وهذا من اخباره بالغيب واعلام نبوته وهومن أصح الاحاديث (انتهى). وقال ابن دحية لا مطعن في صحته ولو كان غير صحيح لرده معاوية وأنكره. وقال الحافظ ابن حجر رواه جمع من الصحابة فذكرهم وقال: وفيه علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار رضى الله عنهما. قلت لا يختلف اثنان في ان عمارا قتل بصفين وهوفي حزب الامام علي
---(1/38)


[ 39 ]
عليه السلام وان قتلته هم فئة معاوية صب بهذا ان معاوية باغ داع إلى النار كما ذكر في الحديث والدعي إلى النار مستحق اللعن في الدنيا والخذلان والقبح يوم القيامة كما جاء في كتاب الله عزوجل قال تعالى: " وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة هم من المقبوحين " والمقبوح هو الذي نحي عن الخير. وقد حاول معاوية التملص من هذا الحديث بالاحتيال لكيلا ينتقض عليه أحد من اصحابه حيث لم يقدر على انكاره فقال انما قتله من أخرجه. فأجابه الامام علي عليه السلام بأن رسول الله صلى الله عليه وآله يكون قاتل حمزة حيث أخرجه لقتال المشركين وهذا من الالزام الذي لاجواب عنه ثم رجع معاوية وتأوله بالطلب وقال نحن الفئة الباغية اي الطالبة لدم عثمان. من البغاء - بضم الباء الموحدة والمد - وهو الطلب ولا يخفى سقوط التأويلين وخطؤهما أما الاول فظاهر واما الثاني فان قول الرسول صلى الله عليه وآله دعوهم إلى الجنة ويدوعونه إلى النار كالنص الصريح في ان الباغية من البغي المذموم المنهي عنه كما في قوله تعالى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لامن البغاء الذي هو الطلب. وعندي ان معاوية أحذق من أن يقول ذلك عن اعتقاد فأنه أمر ظاهر الفساد للخاص والعام والذكي والبليد وكان الواجب عليه ان يرجع عن غيه وبغيه ويرفض المخالفة ولكن غلبت عليه شقوته واضله الله على علم فأحتال بهذه التأويلات الفاسدة حرصا على الدنيا وتعزيزا لاشياعه واتباعه وتسترا في الظاهر وفرارا عن الاقرار بحقيقة أمره وتربعه في كرسي امامة الدعاء إلى النار ومحاربة العزيز الجبار فأنه لم تبق بعد قتل عمار أدنى شبهة لعاقل ولا قول لقائل. الا ترى ان ابن عمر رضي الله عنه ندم اشد الندم على عدم قتاله معاوية واصحابه فقد روى أبو حنيفة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن
---(1/39)


[ 40 ]
عمر رضي الله عنهما قال ما آسى على شئ الا أن اكون قاتلت الفئة الباغية وعلى صوم الهواجر وقال ابن عبدالبريروي من وجوه عن حبيب عن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال: حين حضرته الوفاة ما اجدني آسى على شئ فاتني من الدنيا الا اني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية ورواها الحاكم بسند صحيح فالبيهقي عنه قال ما وجدت في نفسي من شئ ما وجدت من هذه الآية اني اقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله يعني قوله تعالى: فان بغت أحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى امر الله. قال الحاكم هذا باب كبير قد رواه عن ابن عمر جماعة من كبار التابعين وكان خزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين رضي الله عنه كانا سلاحه حتى قتل عمار بصفين فسل سيفه وذكر حديث عمار ثم قاتل عسكر معاوية حتى قتل وقد نقل ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابراهيم النخعي ان مسروق بن الاجدع لم يمت حتى تاب من تخلفه عن علي كرم الله وجهه. ومن كتاب من الامام علي كرم الله وجهه إلى معاوية كما في نهج البلاغة قال: فسبحان الله ما أشد لزومك للاهواء المبتدعة والحيرة المتبعة مع تضييع الحقائق وأطراح الوثائق التي هي لله طلبة وعلى عباده حجة فاما اكثارك الحجاج في عثمان وقتلته فانك انما نصرت عثمان حين كان النصر لك وخذلته حيث كان النصر له (انتهى). يشير كرم الله وجهه إلى ان معاوية انما زعم نصرة عثمان بعد موته حيث كانت المصلحة عائدة إليه بالولاية التي يطلبها وخذله في حياته حيث كانت المصلحة عائدة على عثمان فقد ذكر اهل السير - واللفظ للبلاذري - ان معاية لما استصرخه عثمان تثاقل عنه وهو في ذلك يعده حتى إذا أشتد به الحصار بعث إليه يزيد بن اسد القشيري وقال له: إذا أتيت ذا خشب فاقم بها ولا تقل الشاهديرى ما لا يرى الغائب فأنا الشاهد وانت الغائب قالوا فأقام بذي خشب حتى
---(1/40)


[ 41 ]
قتل عثمان فأستقدمه حينئذ معاوية فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان معه فكان في الظاهر نصرة لعثمان ببعث الجيش وهو في الحقيقة خذلان له لحبسه الجيش كي يقتل عثمان فيدعو إلى نفسه كما وقع بالفعل. وأخرج ابن عساكر عن الفضل بن سويد قال وفد جارية بن قدامة على معاوية فقال له معاوية أنت الساعي مع علي بن أبي طالب والموقد النار في شيعتك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم. قال جارية يا معاوية دع عنك عليا فما ابغضنا عليا منذ احببناه ولا غششناه منذ نصحناه. قال ويحك يا جارية ما كان اهونك على أهلك إذ سموك جارية قال انت يا معاوية أهون على اهلك إذ سموك معاوية. قال لا ام لك. قال ام ما ولدتني ان قوالم السيوف التي لقيناك بها بصفين في ايدينا قال انك لتهددني قال انك لم تملكنا قسرة ولم تفتحنا عنوة ولكن اعطيتننا عهودا وموانيق فان وفيت لنا وفينا وان ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالا مدادا وأدرعا شدادا والسنة حدادا فان بسطت الينا فترا من غدر دلفنا اليك بباع من ختر قال: معاوية لانثر الله في الناس امثالك وأخرج أيضا عن أبي الطفيل عامر بن واثلة انه دخل على معاوية فقال له معاوية الست من قتلة عثمان قال لا ولكني ممن حضره ولم ينصره قال وما منعك من نصره قال لم ينصره المهاجرون والانصار فقال معاوية اما لقد كان حقه واجبا عليهم ان ينصروه قال: فما منعك يا امير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام فقال معاوية أما طلبي بدمه نصرة له فضحك أبو الطفيل ثم قال انت وعثمان كما قال الشاعر: لا الفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي انتهى من تاريخ الخلفاء للسيوطي. وقد شافه شبث بن ربعي معاوية في صفين بما بين به حقيقة أمره ويحمله على التوبة لو وجد اذنا واعية إذ قال له: يا معاوية انه والله لا يخفى علينا
---(1/41)

8 / 54
ع
En
A+
A-