[ 32 ]
نعم عورض مطلق اللعن بأحاديث في منعه لامنع التعيين بخصوصه كقولة عليه وعلى آله الصلاة والسلام ليس المؤمن بالسباب ولا بالطعان ولا باللعان وكقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام المؤمن لا يكون لعانا وهذه وما شاكلها بلا ريب هي في لعن من لا يستحق اللعن والا لم يندفع التعارض فيحصل الخلاف في كلام الله وكلام رسوله وهما منزهان عن ذلك.
وسأزيدك ايضاحا لتزداد اطمئنانا فقد اخرج مسلم في صحيحه والبخاري في الادب عن حفصة رضي الله عنها قول رسول الله صلى الله عليه وآله اني لم ابعث لعانا وانما بعثت رحمة (انتهى).
نفي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نفسه ان يكون لعانا من يوم بعث وهو الصادق المعصوم وقد ثبت انه لعن كثيرا بالوصف ولعن كثيرا بالعين ولا ريب في ان لعنه اياهم كان حقا ولولا اختلاف موضوع القضيتين لكان تناقضا وهو ممتنع في كلامه صلى الله عليه وآله قطعا فتعين ان اللعن المنفي صدوره عنه صلى الله عليه وآله هو ما كان عن غير استحقاق وان اللعن الذي ثبت وقوعه عنه عليه السلام هو لعن من استحق اللعن ولزم ان يكون اللعن الذي نهى عنه صلى الله عليه وآله امته كما تقدم هوما نفي صدوره عن نفسه لا ما فعله هو وهو الاسوة الحسنة للمؤمنين.
رزقنا الله الاتباع لسنته والانقياد لما جاء به آمين.
(تتمة) اطاق الغزالي رحمه الله في الاحياء في منع اللعن مطلقا فضلا عن لعن شخص معين واسترسل في ذلك حتى قال ابن في لعن يزيد فضلا عن أبيه خطرا على اللاعن بل منع ان يقال لعن الله قاتل الحسين بن علي عليهما السلام ثم قال ففي لعن الاشخاص خطر ولا خطر في السكوت عن لعن ابليس مثلا فضلا عن غيره وأستدل رحمه الله بعموم الاحاديث التي مرت بك في معارضة مطلق اللعن وامثالها في المعنى.

---(1/32)


[ 33 ]
والغزالي كما علمت وعلم الكل امام عظيم من علماء المسلمين ومحقق كامل من محققيهم ولنا به القدوة والاسوة الحسنة في سلوك طريقته واتباع ارشاداته غير ان الانسان - الا النبيين - وان جل شأنه وعظم مقداره ليس بمعصوم من هفوة أو حطاء في اجتهاد ولايجوز لمن عرف حقا بأدلته الواضحة ان يقلد غيره وان جل شأله في خلاف ما عرفه من الحق ولو كان التقليد المحض في كل شئ مجد عند الله تعالى شيئا لكان الامام الغزالي من أولى من تقلده في ذلك وحينئذ نقول ولا استحياء من الحق ولا هواة في الدين أن هذه هفوة منه رحمه الله لا يجوز لنا الاعتماد عليها ولا اتباعه فيها ولو جاز الاستدلال بهفوات العلماء والاكابر لعظم الخطب وانقلب الحق ظهرا لبطن وقد مر بك قريبا ما يخالف مدعاه ممما اوردناه من كلام الله تعالى وأقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وافعاله ومن أقوال الاكابر من الصحابة والتابعين وكثير بعدهم فأرجع إليه. قال الامام الشافعي رحمه الله تعالى اجمع الناس على ان من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن له ان يدعها لقول احد وقال صاحب الهداية سئل ابوحنفية رحمه الله إذا قلت: قولا وكتاب الله يخالفه قال أتركوا قولي بكتاب الله قيل إذا كان خبرا لرسول الله صلى الله عليه وآله يخالفه قال: اتركوا قولي بقول الصحابة فضلا عن قول الرسول صلى الله عليه وآله (اتنهي). اما قول الغزالي رحمه الله ففي لعن الاشخاص خطر فمبنى على جملة نهى النبي عليه وعلى آله الصلوة والسلام عن لعن حمار المحب لله ورسوله علي النهي عن لعن المعين وقد علمت مرجوحية هذا الحمل بل فساده مما قدمناه وأي خطر في لعن من استحق اللعن بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله سواء كان بالشخص أو الوصف إذ الذات الواقع عليها اللعن بكل منهما واحدة.
---(1/33)


[ 34 ]
وأما قوله رحمه الله ولا خطر في السكوت عن لعن ابليس مثلا فضلا عن غيره فمسلم عند الكل لان لعن ابليس وغيره ممن يستحق اللعن لم يكن من الفرائض التي افترضها الله على عباده حتى يكون تركها خطرا لكن تركه مفوت للتأسي بما جاء عن الله ورسوله وملائكته في لعنهم من استحق اللعن والتأسي بهم مشروع وهو نافلة من النوافل ولاخطر في ترك النافلة كما لو ترك الانسان الترضي عن أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي بل لو ترك الاذان والاقامة وصلاة التراويح مثلا فلا خطر عليه في ذلك اما إذا ترك لعن ابليس شكافي استحقاقه اللعن أو عنادا فهو كافر لرده المنصوص في القرآن و مراغمته ومثله التارك لعن القاتل والشارب مثلا شكا في استحقاقه اما التارك لغير الشك بل للعصبية والهوى فموكول أمره إلى الله تعالى وهذه الجملة لو لم تكن صادرة عن هذا الامام العظيم لقلنا ان قائلها أراد بها المغالطة والمشاغبة ولكنا ننزهه عن ذلك ونجريها على ظاهرها وهذه المقالات من الامام الغزالي جرأت كثيرا من أنصار معاوية على مقالات بشعة شنيعة فقال بعضهم لو ان يزيد باشر قتل الحسين بيده واستحله أيضا لم يجز لعنه وقال: آخر لا أبالي ان اقول لو اطلع مطلع على الغيب فعلم ان معاوية مات على غير الاسلام لما جاز له ان يلعنه وقال ثالث ان اللعن من السفه المذموم مع ان كتاب الله تعالى وحديث رسوله صلى الله عليه وآله مشحونان بذلك فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. أما قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام لا تسبوا الاموات فأنهم قد افضوا إلى ما قدموا وقوله: صلى الله عليه وآله لاتسبوا. الاموات فتؤذوا الاحياء فقد قال الحافظ الشوكاني رحمه الله في نيل الاوطار هو مخصوص بما جاء في حديث أنس وغيره أنه صلى الله عليه (وآله) وسلم قال عند ثنائهم بالخير والشر وجبت اتنم شهداء الله في أرضه ولم ينكر عليهم قال: ولان الكفار مما
---(1/34)


[ 35 ]
يتقرب إلى الله بسبهم ولا غيبة لفاسق والسب يكون في حق الكافر والمسلم اما في حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحي المسلم واما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك يصير من قبيل الشهادة عليه وقد يجب في بعض المواضع (انتهى) ثم قال والوجه تبقية الحديث على عمومه الا ما خصه دليل كالثناء على الميت بالشر وجرح المجروحين من الرواة احياء وأمواتا لاجماع العلماء على جواز ذلك وذكر مساوي الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم (انتهى) والله الموفق للصواب. ولنذكر هنا نبذة من بوالق معاوية العظيمة المدخلة في زمرة من استحق لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله تعالى والملتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل الله ويذل من أعز الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي اخرجه الترمذي عن عائشة وابن عساكر عن ابن عمر قال: الحسن البصري رحمه الله. اربع خصال في معاوية لو لم تكن فيه الا واحدة منها لكانت موبقة: اتنزاؤه على هذه الامة بالسيف حتى اخذ الامر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة واستخلافه من بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير وادعاؤه زيادا وقد قال: رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجرا واصحاب حجر ويا ويلا. له من حجر واصحاب حجر (انتهى بحروفه) من الكامل. ولنقدم منها أم موبقاته واعظمها شرا على المسلمين في الدنيا واكثرها وبالا عليه وعلى أشياعه في الآخرة وهي بغيه على الامام الحق ومناصبة العداوة والبغضاء لمن عداوته لله ولرسوله وبغضه نفاق كما دلت
---(1/35)


[ 36 ]
عليه الاحاديث الصحيحة المتعددة التي لم يبق معها ريبة للمنصف في سوء حال معاوية وفسادنيته واستخفافه بالدين وجرأته على الله وعلى رسوله ثم نتبعها بما ثبت بالتواتر والنقل الصحيح من موبقاته العظيمة وفظالعه الجسيمة جازاه الله بما هو أهله. والبغي كما في القاموس وغيره هو التعدي والظلم والعدول عن الحق والاستطالة الكذب وقال الابي: البغي عرفا الخروج عن طاعة الامام مغالبة له (انتهي). وقد بايع المسلمون عليا عليه السلام بعد مقتل عثمان رضى الله عنه وفيهم أهل الحل والعقد من المهاجرين الاولين والانصار وذوي السوابق وتأخر معاوية بأهل الشام وحبس عنده رسول علي كرم الله وجهه إليه مدة حتى انتهت وقعة الجمل ثم تستر عن بغيه بالطلب بدم عثمان وغر أهل الشام واستغواهم وكذب عليهم فأخبرهم ان عليا قتل عثمان وأقام لهم شهود الزور بذلك ونشر قميص عثمان على المنبر مخضبا بالدم حتى خرج علي عليه السلام إليه في أهل العراق وخرج هو بأهل الشام إلى ان التقيا بصفين وكان من أمر وقائعها ما هو مشروح في كتب السير والتواريخ وقتل في تلك الوقائع من المسلمين سبعون الفا خمسون الفا من أهل الشام وعشرون الفا من أهل العراق قال: العلامة الزرقايي في نهج المسالك اتى علي رضي الله عنه في اهل العراق في سبعين الفا فيهم تسعون بدريا وسبعمائة من أهل بيعة الرضوان واربعمائة من سائر المهاجرين والانصار وخرج معاوية في أهل الشام في خمسة وثمانين الفا ليس فيهم من الانصار الا النعمان ابن بشير ومسلمة بن مخلد انتهى. وفي العقد الفريد عن أبي الحسن قال لم يبايع اهل الشام معاوية بالخلافة حين خرج وانما بايعوا على الطلب بدم عثمان فلما كان من أمر الحكمين ما كان بايعوه بالخلافة فكتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله
---(1/36)

7 / 54
ع
En
A+
A-