[ 27 ]
(قلت): وابو الاعور السلمي هذا هو من انصار معاوية وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله (فقد اخرج أبو نعيم بسنده قال قنت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فقال اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله والعن أبا الاعور السلمي وأخرج ابن جرير عن بن عباس رضي الله عنهما انه قال لعن الله فلانا أنه كان ينهي عن التلبية في هذا اليوم يعني يوم عرفة لان عليا كان يلبي فيه وأخرج عنه أيضا انه قال ان الشيطان يأتي ابن آدم فيقول دع التلبية وهلل وكبر ليحيي البدعة ويميت السنة واخرج أيضا عن سعيد بن جبير قال أتيت ابن عباس بعرفة فقال لعن الله فلانا اعمدوا إلى أعظم ايام الحج فمحوا زينة الحج وانما زينة الحج التلبية (وجاء) بسند رجاله رجال الصحيح الا واحدا فمختلف فيه لكن قواه الذهبي بقوله انه احد الاثبات وما علمت فيه جرحا اصلا ان عمرو بن العاص صعد المنبر فوقع في علي ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة فقيل للحسن أصعد المنبر لترد عليهما فامتنع الا ان يعطوه عهدا انهم يصدقونه ان قال حقا ويكذبونه ان قال باطلا فأعطوه ذلك فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال انشدك الله يا عمرو ويا مغيرة اتعلمان ان رسول الله صلى الله عليه وآله لعن السائق والقائد (هما أبو سفيان ومعاوية) احدهما فلان قالا بلى ثم قال انشدك الله يا معاوية ويا مغيرة ألم تعلما ان النبي صلى الله عليه وآله لعن عمروا بكل قافية قالها لعنة فقالا اللهم بلى ثم قال انشدك الله يا عمرو ويا معاوية الم تعلما ان النبي صلى الله عليه وآله لعن قوم هذا قالا بلى قال الحسن فاني احمد الله الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا يعني عليا مع انه صلى الله عليه وآله وسلم لم يسببه قط وانما كان يذكره بغاية الجلالة والعظمة ذكر هذا ابن حجر في تطهير الجنان. ونقل ابن الاثير قال لما عزل معاوية سمرة عن ولاية البصرة قال سمرة لعن الله معاوية والله لو اطعت الله كما اطعته ما عذبني
---(1/27)


[ 28 ]
أبدا. قلت: يقول العزيز الجبار ان ذلك لحق تخاصم اهل النار. وأخرج بن عساكر عن قيس بن حازم قال سمعت علي بن أبي طالب على منبر الكوفة يقول الا لعن الله الا فجرين من قريش بني امية وبني المغيرة. واخرج بن أبي حاتم عن الاسود بن يزيد قال قلت: لعائشة رضي الله عنها الا تعجبين من رجل من الطلقاء ينازع اصحاب محمد في الخلافة قالت: وما تعجبك من سلطان الاله يؤتيه البر والفاجر وقد ملك فرعون مصر (انتهي من الدر المنثور). قلت: يشير كلام عائشة إلى ثلاثة امور الاول دلالة مفهوم الصفة مخالفة ان معاوية ليس من اصحاب محمد. الثاني الاشارة بالمثال إلى فجور معاوية. الثالث تشبيهها معاوية بفرعون الذي بين الله حاله بقوله تعالى وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيمة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة بئس الرفد المرفود. (تنبيه) صوب ابن المنير والغزالي رحمهما الله منع لعن الشخص المعين وان اتصف بما استحق به اللعن بما جاء في كتاب الله تعالى وحديث نبيه عليه وعلى آله السلام كلعن الله زيدا الشارب وجوزا لعن غير المعين كلعن الله السارق ونحوه مستدلين بما في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عن ان رجلا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله كان اسمه عبدالله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان النبي قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وآله لا تلعنوه فوالله ما علمت انه يحب الله ورسوله وزاد الغزالي انه لا يجوز لعن المعين ولو كان كافرا حتى يتيقن موته على الكفر وتبعهما كثير من متأخري الفقهاء. وقال كثير بجواز اللعن مطلقا محتجين بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن من يستحق اللعن كافرا كان أو مسلما فيستوي المعين
---(1/28)


[ 29 ]
وغيره. واجابوا عن الحديث بأجوبة متعددة قال بعضهم ان المنع في الحديث خاص بما يقع في حضرة النبي صلى عليه وآله وسلم لئلا يتوهم الشارب عند عدم الانكار انه مستحق لذلك فربما اوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فتنته والى ذلك الاشارة بقوله في رواية ابي هريرة لا تكونوا عون الشيطان على أحيكم. وقال بعضهم ان المنع مطلقا في حق من اقيم عليه الحد لان الحد قد كفر هذا الذنب المذكور والجواز مطلقا في حق من لم يقم عليه كما جاء في حديث عبادة بن الصامت فمن اصاب من ذلك (اي الزنا والسرقة) شيئا فعوقب فهو كفارته. وقال بعضهم ان المنع مطلقا في حق ذوي الزلة والجواز مطلقا في حق المجاهرين. واحتج البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح والحديث في الصحيح (انتهى من فتح الباري). قال النووي في الاذكار واما الدعاء على انسان بعينه ممن اتصف بشئ من المعاصي فظاهر الحديث انه لا يحرم واشار الغزالي إلى تحريمه انتهى. قال ابن حجرفي الفتح والاحاديث تدل على الجواز كما ذكره النووي في قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم للذي قال له كل بيمينك فقال لا استطيع فقال لا استطعت. فيه دليل عا جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي ومال هنا إلى الجواز قبل اقامة الحد والمنع بعده (اتنهى). قلت كيف حمل ابن المنير والغزالي ومن تبعهما نهي النبي صلى عليه وآله وسلم اصحابه عن لعن حمار المحب لله ولرسوله على منع التعيين والنهي في الحديث معلل بمحبة الله ورسوله واقع بعد اقامة الحد ولا يفهم للتعيين وعدمه معنى من متن الحديث مع ان عمل النبي عليه الصلاة والسلام وعلى آله وعمل كثير من اصحابه وكثير من اكابر السلف بعدهم في مواطن كثيرة يخالف ما حملا عليه الحديث. وأقوى حجة في مشروعية لعن المسلم المعين كتاب الله تعالى حيث قال
---(1/29)


[ 30 ]
في يمين الملاعن والخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين وقد حلف النبي صلى الله عليه وآله الملاعن مكررا وجعل ذلك شرعة باقية في امة محمد صلى الله عليه وآله يوم القيامة والتعيين هنا بضمير المتكلم أقوى من التعيين بالاسم العلم كما هو مذكور في محله من كتب العربية ولم يقل أحد من الامة اصلا بكفر الكاذب من المتلاعنين حتى يوجه قول الغزالي ومن تبعه ان اللعن بالتعيين لا يجوز الا على الكافر. وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله اشخاصا سماهم وماتوا على الاسلام كأبي سفيان ابن حرب وسهيل بن عمروو عمرو بن العاص وأبي الاعور السلمي والحكم بن أبي العاص وابنه مروان وغيرهم. ولعن كثير من أجلة الصحابة اناسا سموهم بأسمائهم كمعاوية وعمرو بن العاص وحبيب وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن يزيد وبسر بن اطاة والوليد وزياد والحجاج بن يوسف وغيرهم ممن يعسر عدهم وسردهم وقد لعن حسان بن ثابت هندا بنت عتبة وزوجها أبا سفيان وهو إذ ذاك يكافح عن النبي صلى الله عليه وآله بأمره ولم ينكر عليه بل أقره عليه. قال من أبيات له: لعن الآله وزوجها معها * هند الهنود عظيمة البظر وقد لعن عمر بن الخطاب خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويره ولعن علي عليه السلام عبدالله بن الزبير يوم قتل عثمان إذ لم يدافع عنه (وقد لعن) عبدالله بن عمر رضى الله عنهما ابنه بلا لا ثلاثا كما ذكره ابن عبد البرفي كتاب العلم قال عن عبدالله بن هبيرة السبائي قال حدثنا بلال بن عبدالله بن عمران أباه عبدالله ابن عمر قال يوما قال رسول الله صلى الله وآله وسلم لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد فقلت: أما انا فسأمنع اهلي فمن شاء فليسرح اهله فالتفت إلى وقال لعنك الله لعنك الله لعنك الله تسمعني أقول ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر ان لا يمنعن وقام مغضبا (اتنهى).
---(1/30)


[ 31 ]
وصح عن الامام مالك رحمه الله انه قال لعن عمرو بن عبيد (يعني الزاهد المشهور) وقال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهما الله سمعت أبا حنفية يقول لعن الله عمرو بن عبيد. ونقل ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلي بأسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال قلت: لابي ان قوما ينسبونا إلى تولى يزيد فقال يا بني وهل يتولى يزيد احد يؤمن بالله ولم لا نلعن من لعنه الله في كتابه فقلت واين لعن الله يزيد في كتابه فقال في قوله تعالى فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم واعمى ابصارهم فهل يكون فساد اعظم من هذا القتل وفي رواية يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه. ونقل البخاري رحمه الله في خلق افعال العباد قال قال وكيع على بشر المريسي لعنه الله يهودي أو نصراني فقال: له رجل كان ابوه اوجده نصرانيا قال وكيع عليه وعلى أصحابه لعنة الله وقد لعن بكر بن حماد والقاضي أبو الطيب وابو المظفر الاسفرائيني وكثير غيرهم عمران بن حطان في ردهم المشهور على أبياته التي امتدح بها اشقى الآخرين ابن ملجم لعنه الله ولعن يحيى بن معين الحسين بن علي الكرابيسي الشافعي البغدادي كما ذكره في تهذيب التهذيب وما زال اللعن فاشيا بين المسلمين إذا عرفوا من الانسان معصية تقتضي لعنه وإذا تنبعت كتب الحديث والسير والتاريخ وجدتها مشحونة بذلك (ولهذا اقول) لطالب التحقيق لا يهولنك ما تظافر هؤلاء عليه من منع التعيين مع انه قد ورد عن نبيهم وكثير من اصحابه ومن أكابر السلف ما يخالفه فليفرخ روعك فان الهدي هدى محمد واصحابه. العلم قال الله قال رسوله * ان صح والاجماع فأجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالة * بين الرسول وبين قول فقيه
---(1/31)

6 / 54
ع
En
A+
A-