[ 22 ]
في فضله واتنحلوا له المناقب وبدلوا سيئاته حسنات يريدون ان يرفعوا له في الدين علما وضعه الله ويحاولون ان ينصبوا له من الحق لواء نكسه الله عنادا للحق ومغالاة في التعصب لا يلتفتون إلى دليل ولا يقبلون حجة يدفعون المتواتر في شأنه بالتأويل ويقابلون الآحاد بالتضعيف ليزهقوا روح الحق وينعشوا روح الباطل ولهم أتباع وأذناب منتشرون في نواحي الارض ملاوا البقاع نعيقا وافعموا اليفاع نهيقا لاتجد لديهم عند البحث الا الصخب والسباب والنفور عن سماع الحق والتعصب الصرف لقلديهم وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وان يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين افي قلوبهم مرض ام ارتابوا ام يخافون ان يحيف الله عليهم ورسوله بل اولئك هم الظالمون (وهؤلاء) لاكلام لنا معهم ولا التفات إلى هذرهم ولهذيانهم ولا اعتبار بخلافهم ولانظر إلى تمحلهم واتنحالهم ولاطمع في هدايتهم في آذانهم وقرعن سماع الحق وعلى أبصارهم غشاوة عن نور الهدى ارأيت من اتخذ الهه هواه افانت تكون عليه وكيلا ام تحسب ان اكثرهم يسمعون أو يعقلون ان هم الا كالانعام بل اضل سبيلا وليس جوابهم الا اهاتنهم بالاعراض عنهم والسكوت عند كلامهم فانما هم فئة الشقاق والعناد وعبيد العصبية والهوى ان يتبعون الا الظن وما تهوى الا نفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى يحسبون انهم على شئ الا انهم هم الكاذبون. وهؤلاء هم الذين قال فيهم الامام احمد رحمه الله لما سئل عن معاوية ان قوما ابغضوا عليا فتطلبوا له عيبا فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد ناصبه العداوة فأطروه كيدا لعلي ومن حيث انه لا غرض لنا في الكلام مع هذه الفرقة فلنجعل الكلام هنا في مقامين:
(المقام الاول)
في ايراد نبذة من أدلة الفرقة الاولى على جواز لعنه ووجوب بغضه وذكر ما يناسب ذلك من فعل اكابر الصحابة وافاضل أهل
---(1/22)


[ 23 ]
البيت الطاهر وأجلة التابعين.
(المقام الثاني)
في بيان فساد الشبه التي توقفت بها الفرقة الثانية عن استباحة لعنه واعلان بغضه كما سترى ذلك موضحا ان شاء الله.
مقدمة في حقيقة اللعن وأنواعه
ولنقدم هاهنا على ذلك كله بيان حقيقة اللعن وتفاوت مراتبه بأختلاف موجباته فاللعن لغة هو الطرد والابعاد قال المجد في القاموس: لعنه كمنعه طرده وأبعده فهو لعين وملعون وقال فيه: ابعده الله نحاه عن الخير ولعنه وفيه أيضا الطرد ويحرك الابعاد (انتهى).
ويفهم من هذا ان اللعن والطرد والابعاد مترادفة أو متقاربة جدا وهو ظاهر ثم هذا الطرد والابعاد لا يختص بوقوعه على الكفار فقط كما زعم ذلك طائفة من العلماء لان الله سبحانه وتعالى لعن كثيرا من أهل الذنوب التي ليست من المكفرات وقد لعن الله تعالى القاذفين للمحصنات الغافلات المؤمنات في قوله تعالى ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوافي الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم وافضل وأعف من قذف منهن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها ومن قاذفيها حسان بن ثابت وهو من قد علمت ومسطح بن اثاثة وهو بدري وقد حدهما النبي صلى الله عليه وآله ولو كان اللعن من الله أو من رسوله مدخلا للمسلم في زمرة الكفار لكان الواجب على القاذف القتل لا الحد وقد لعن النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله كثيرا من مرتكبي الصغائر التي لا توجب حدا ولا تعزيرا كلعنه الواشمة والمستوشمة وزوارات القبور ويظهر من ذلك جليا ان من اللعن ما هو مغلظ وشديد كاللعن بسبب الكفر والنفاق والكبائر من الذنوب كقتل المؤمن
---(1/23)


[ 24 ]
تعمدا بغير حق ومنه ما هو اخف من ذلك بمراتب كلعن الواشمة ونحوها ومنه ما بين ذلك ومنه ما ترفعه التوبة ومنه ما يرفعه الحد كما دلت على جميع ذلك الآيات والحاديث فهو لعن دون لعن وطرد دون طرد وابعاد دون ابعاد.
ورب مبعد من درجة عالية إلى دونها هي قرب بالنسبة إلى مبعد آخر إذا أرتقى إليها وكل ذلك بحسب عظم الموجب وصغره فلا يذهب عن بالك ما ذكرناه وانما قدمنا ذلك لئلا يندفع بعض المتسرعين إلى الاعتراض قبل ان يستحضر الحقيقة في ذهنه اغترارا بالقول السابق عن بعض العلماء ان اللعن ملازم للكفر مع ان الحق خلافه والله الهادي إلى الصواب.
(مهمة) اعلم انك ستجد في هذه الرسالة كثيرا من أقوال العلماء موافقا ومخالفا فليكن منك على بال اننا لم نذكر شيئا منها للاستدلال بمجرده وانما هو تفسير واظهار لمعنى الكتاب والسنة فتحصل به غلبة الظن في الموافق والتنبيه على الخطأ فيما علمنا في المخالف فيزيده الطالب بحثا وتدقيقا وما نقلناه عن أهل المغازي والتاريخ فهو كذلك واكثره متواتر معنى لا يرتاب في وقوعه الا من لا اطلاع له عليها أو من جحده مكابرة ومع ذلك فأنالم نورده احتجاجا به بل تمهيدا وبيانا لا نطباق الحجج الشرعية على ما وردت به فيه.
وبالجملة فلا حجة الا الكتاب والسنة والله اعلم.
(المقام الاول) في ذكر نبذة من أدلة الفرقة القائلة بجواز لعن معاوية ووجوب بغضه في الله وما يناسب ذلك من ذكر بوائقه المثبتة فسوقه وبغية وجرأته على الله واتنهاكه حرماته مما يدخله تحت عمومات الآيات القرآنية والاحاديث النبوية المتضمنة للعن فاعليها والمشتملة على الوعيد الشديد لمرتكبيها قال الله تعالى وهو أصدق القائلين " فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم واعمى ابصارهم " وقال تبارك وتعالى " ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله
---(1/24)


[ 25 ]
في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذابا مهينا " وقال تعالى " يوم لا تنفع الظالمين معذرنهم ولهم اللعنة ولهم سواء الدار " وقال جل جلاله " فأذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين " وقال تعالى " لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " وقال تعالى شأنه ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما وقال تعالى فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه وفسوا حظا مما ذكروا به وقال جل جلاله والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار وقال عزو جل وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة هم من المقبوحين وقال سبحانه وتعالى ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا اولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الا لعنة الله على الظالمين.
(فقد لعن الله) جلت عظمته في هذه الآيات المفسدين في الارض والقاطعين ارحامهم ولعن المؤذين لله ورسوله ولعن الظالمين مكررا ولعن المعتدين والذين لا يتناهون عن المنكر ولعن من قتل مؤمنا متعمدا ولعن من نقض الميثاق ولعن الائمة الداعين إلى النار ولعن الكاذبين على ربهم.
(وقد لعن) رسول الله صلى الله عليه وآله من أحدث حدثا أو آوى محدثا ولعن من ضار بمسلم أو مكر به ولعن من سب أصحابه ولعن الراشي والمرتشي والرائش ولعن من غير منار الارض ولعن السارق ولعن شارب الخمر ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه.
وقال من يلعن عمارا لعنه الله ولعن من ولي من أمر المسلمين شيئا
---(1/25)


[ 26 ]
فأمر عليهم أحدا محاباة ولعن من أخاف اهل المدينة ظلما. (واي صفة) من هذه الصفات لم يتلبس بها ذلك الطاغية حتى يفلت من دخوله تحت عمومها والعمل بما جاء في كتاب الله تعالى والتأسى برسول الله صلى الله عليه وآله مطلوب ومشروع (قال الله تعالى) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآية وكذا التأسي بالملائكة لانهم معصومون (أ). (وقد لعن) معاوية مسمى وضمنا كثيرون تقريرا وتفسيرا لما جاء عن الله ورسوله واكبرهم وامامهم واحقهم بالاهتداء بهديه والاقتداء بفعله من جعل الله الحق دائرا معه حيث دار باب مدينة علم الرسول سيدنا امير المؤمنين ويعسوب الدين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقد كان إذا صلى الغداة يقنت فيقول اللهم العن معاوية وعمروا وأبا الاعور وحبيبا وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن يزيد والوليد نقله ابن الاثير وغيره واخرج ابن أبي شيبة والبيهقي ان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قنت في الوتر فدعا على ناس وعلى اشياعهم وأخرج ابن أبي شيبة عن عبدالرحمن بن معقل قال صليت مع علي صلاة الغداة فقنت فقال في قنوته اللهم عليك بمعاوية واشياعه وعمرو بن العاص واشياعه وأبي الاعور السلمي واشياعه وعبد الله بن قيس واشياعه (2)
---
(1) ويدل على انه طاعة فعله له صلى الله عليه وآله في الصلاة مرارا حتى لقد روى من طرق اوضح واصح من الطرق التي روى بها القنوت في الصبح وقد عمل بذلك سيد الاوصياء علي عليه السلام وواظب عليه واقتدى بهما كرام الشيعة المرضية رضى الله عنهم. (2) عن حكيم بن يحيى قال كنت جالسا مع عمار فجاء أبو موسى فقال له عمار أني سمعت رسول الله يلعنك ليلة الجمل قال انه استغفر لي قال عمار قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار. موضوع قال البلاء من العطار لامن حسين (قلت) العطار وثقه الخطيب في تاريخه والله اعلم انتهى ص 222 اللالئ المصنوعة للسيوطي ج 1. (*)
---(1/26)

5 / 54
ع
En
A+
A-