[ 242 ]
فهم اشعريون بهذا المعنى وهم شافعيو المذهب في الفروع الفقهية الا ان لهم اختيارات وانظار خالفوا فيها الشافعية والاشعرية كقولهم بسنية الصلاة على الآل في التشهد الاول وترك الكثير التلفظ بالنية عند الاحرام وقول البعض بجواز الجمع بين الصلاتين في الحضر وكقولهم بعدم صحة تزويج الشريفة الحسنية أو الحسينية من غير بينهما وان رضيت ورضي وليها وعدم اعتبار خصال الكفاءة بينهم خاصة غير النسب وكقول الاكثر منهم بصحة بيع الوفا المعروف وكقولهم بجواز نقل الزكاة ودفعها إلى صنف واحد أو شخص واحد وبجواز المعاطاة في بعض البيوع و معاملة السفيه وكون الرشد اصلاح الدنيا فقط وكقولهم بجواز المزارعة والمخابرة والمناشرة ورد الباقي من التركه بعد ذوي الفروض عليهم غير الزوجين إذا لم ينتظم بيت المال فان فقدوا فلذوي الارحام وكقولهم بولاية الفاسق في النكاح والعمل بالقول القديم فيمن انقطع حيضها لغير علة بأن تتربص تسعة اشهر ثم تعتد بثلاثة اشهر والقول بجواز الفسخ لغائبة الزوج إذا تعذر تحصيل النفقة وكقولهم بصحة ايمان المقلد خلافا للاشعري ومخالفتهم له في قوله ان الوجود عين الذات وانكارهم عليه بعض مسائل التفضيل والقول بقطعيته وكقول الكثير منهم بأنتفاء عدالة معاوية واشباهه وبغضهم في الله ومنع تسويدهم والترضي عنهم (1) على انهم
---
(1) قال لي طالب علم من السادة العلوية يوما بعد ان اطلع على شئ من فصول هذه الرسالة ان القطب الحداد قدس سره يقول: وكن اشعريا في اعتقادك انه * هو المنهل الصافى عن الزيغ والكفر وهم نعم القدوة لنا فقلت له نعم وهل قرأت كتب الاشعري قال لا ولكني اسمع ان من مذهبه السكوت عن قبائح معاوية فقلت له ان الاشعري بكفر كل من لم يعرف وجود الله تعالى وجميع صفاته بدلائلها العقلية وايمان المقلدين عنده غير صحيح وانت واحد منهم فقال لعل هذه المسألة من مذهب الاشعري غير مرادة في كلام الحداد قلت له نعم وكما ان هذه غير مرادة في كلامه فكذلك مسألة تعديل معاوية والسكوت عن قبائحه فانها غير مقصودة في قوله رضي الله (*)
---(1/242)


[ 243 ]
لا يخوضون في هذه المسألة الا في مجالسهم الخاصة بهم ولقد ذاكرت منهم رجالا كثيرة من فضلاء من ادركناهم وتوفاهم الله إليه ومن الموجودين الآن فيما يقول الاشاعرة والماتريدية في هذه المسائل وكلهم يرفضه ويأباه ويشير إلى السكوت ان خيفت فتنة ولو كنت استأذنتهم لذكرت اسماءهم واحدا فواحدا فليس بيني وبينهم خلاف في العقيدة ولا افتراق في الطريقة وانما اسروا واعلنت واجملوا وبينت واشاروا واوضحوا وعرضوا وصرخت: وما انا الا من غزية ان غوت * غويت وان ترشد غزية ارشد (1) وعلى التنزيل والقول بأن الكثير منهم سكتوا عن ذكر موبقات معاوية وسيئاته فذلك اما لعذر ما أو لكونهم لم يسألوا عن ذلك ولم يناقشوا فيه ومع هذا فلا ينسب لساكت قول وقد سكتوا رضى الله عنهم ايضا عن امور كثيرة لقيام غيرهم بها كالرد على الخوارج والمعطلة والجهمية وغلاة الرافضة بل وسكتوا عن رد مفتريات اليهود والنصارى والدهرية واعداء الاسلام افيكون سكوتهم عن جميع ذلك تقريرا لهم ورضى بتلك البدع والمفتريات ونكون حينئذ ملزومين ان نسكت عنها كما سكتوا لا والله انهم انفسهم
---
عنه لانها ليست من عقائد الدين حتى يضل فيها المخالف ولانها مخالفة لاقوال آبائه واجداده العظام الذين اكثر رضي الله عنه من التحريض على سلوك طريقتهم والحث على اقتفاء آثارهم بل مخالفة لقول الله تعالى وقول رسوله عليه السلام وانما اراد الحداد قدس سره من العقيدة الاشعرية معظمها واكثرها تحذيرا من وقوعنا وامثالنا في ضلالات القدرية أو الجهمية أو المرجئة أو الجبرية أو غلاة الشيعة أو الخوارج وامثالهم وهو اجل مقاما وارفع قدرا من ان يدعوا إلى خلاف ما عليه آباؤه واجداده المطهرون رضوان الله عليهم اجمعين. (1) حضرت يوما مجلس احد علماء السادة العلوية وفضلائهم وكان القارئ رجلا من اهل اليمن واظنه زيدي المذهب فجاء ذكر معاوية عرضا في الكتاب فلعنه القارئ المذكور فقيل لذلك الفاضل الا تزجر هذا عن ما يرتكبه من لعن معاوية وهو صحابي فأجاب نفع الله به متمثلا. لا اذود الطير عن شجر * قد بلوت المر من ثمره (*)
---(1/243)


[ 244 ]
لا يرضون هذا منا ولا من غيرنا. ثم انا إذا وجدنا فيهم من سكت عن معاوية وفضائحه فلا نجد من علمائهم وكبارهم من يطريه ويمدحه ويسيده ويترضى عنه ويتمحل لتبريره ويؤول خطاياه كما يفعل اكثر الاشاعرة والما تريدية اللهم الا افرادا نشأوا بغير بلادهم وتلقوا اكثر علومهم عن الغير فشذوا عن قومهم في هذه المسألة كصحاب المشرع الروي واحاد غيره ولا عبرة بالشاذ وانما العبرة بالغالب والسواد الاعظم من كان على الحق. اخبرني الثقة منهم ان الامام الشافعي رحمه الله اسر إلى الربيع انه لا يحتج في دين الله بواحد من هؤلاء الاربعة معاوية وعمروبن لعاص والمغيرة بن شعبة ومروان بن الحكم وانه لا يفضل على علي احد (1) (انتهى) فسادتنا
---
(1) من نظر بأمعان إلى غوامض كلام الامام الشافعي رحمه الله عرف منها مذهبه في تفضيل علي عليه السلام على جميع الصحابة رضى الله عنهم انظر إلى ابيانه التي يقول: إذا نحن فضلنا عليا فأننا * روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل وفضل ابي بكر إذا ما ذكرته * رميت بنصب عند ذكري للفضل فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما * بحبهما حتى اوسد في الرمل فانه اتى في ذكر تفضيله عليا (ع) بصيغة الزيادة والتكرار حيث قال إذا نحن فضلنا عليا أي حكمنا بزيادة فضل علي فاننا بذلك التفضيل روافض عند الجهال فقط ويفهم منه ان القول بتفضيل علي مطلقا ليس في شئ من الرفض عند العلماء ثم قال رحمه الله وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته البيت جاءهنا بمجرد ذكر الفضل لا بصيغة التفضيل كما جاء بها في البيت الاول فمعناه إذا ذكرت فضل ابي بكر رميت بالنصب عند ذكرى فضله ولم يكن تعبيره رحمه الله بالتفضيل في الاول وبمجرد ذكر الفضل في الثاني عفوا من غير قصد أو تفننا في العبارة أو مراعاة للوزن كما يظنه من ظنه لا بل صنع ذلك عمدا لغرض مقصود عنده وذلك انه سيقسم بعد ذلك انه لا يزال بهاتين الحالتين اللتين ذكرهما من تفضيل علي وذكر فضل ابي بكر إلى الموت حيث قال فلا زلت ذا رفض أي بتفضيلي عليا ونصب اي بذكري فضل أبي بكر حتى اوسد في الرمل وانظر أيضا إلى قوله رحمه الله في الابيات الاخرى: (*)
---(1/244)


[ 245 ]
المذكورون سينون بمعنى ان السنة ما كان عليه محمد صلى الله عليه وآله وجلة اصحابه واكابر تابعيهم بالاحسان اشعريون بمعنى ان عقيدتهم في الغالب موافقة لما قرره ابو الحسن الاشعري رحمه الله في كتبه الكلامية اللهم الا في مسائل قليلة وفي هنات جاءت عن الاشعري عفا الله عنه في حق علي ومعاوية وما هي ببدع من الاشعريين (1). وخلاصة القول ان مذهبهم وطريقتهم هو الكتاب والسنة كما صرح به القطب الحداد قدس سره العزيز بقوله. والمذهب المستقيم نذهبه * نص الكتاب وصرح الخبر ذكرت هنا والشئ بالشئ يذكر مالهج به بعض من الف في الانتصار لمعاوية واعوانه وكرره مرارا من دعوة خصوص اهل البيت الطاهر والنسب الباهر إلى سماع نصيحته والانضمام إلى اهل طريقته ظنا منه ان الشريف إذا احب وتولى معاوية فقد انتظم في سلك الفئة الناجية.
---
قالوا ترفضت قلت كلا * ما الرفض ديني ولا اعتقادي لكن توليت دون شك * خير امام وخير هادي ان كان حب الوصي رفضا فأني ارفض العباد فان قوله في البيت الثاني خير امام وخير هادي يدل على تفضيله عليا على الاطلاق إذ خير بمعنى اخير وله رحمه الله كثير من اشباه هذا في مطاوي نظمه ونثره ولم يرد عنه ما يدل على انه يفضل ابا بكر على علي رضي الله عنهما الا الرواية التي نقلها البيهقي عنه على ما فيها من الاحتمال والطعن. (1) قال في كتاب الغارات روي عبدالرحمن بن جندب قال ابو بردة بن ابي موسى الاشعري لزياد اشهد ان حجر بن عدي قد كفر بالله كفرة صلعاء قال عبدالرحمن انما عنى ابو بردة بذلك نسبة الكفر إلى علي بن ابي طالب لانه كان اصلع وروى أبو نعيم عن هشام بن المغيرة بن الغضبان بن يزيد قال رايت ابا بردة قال لابي العادية الجهني قاتل عمار بن ياسر مرحبا بأخي إلى هاهنا فأجلسه إلى جانبه قال وقد روى عبدالرحمن المسعودي عن ابن عباس المنتوف قال رأيت ابا بردة الاشعري قال لابي العادية الجهني قاتل عمار بن ياسر أأنت قتلت عمارا قال نعم قال ناولني يدك فقبلها وقال لا تمسك النار أبدا. (*)
---(1/245)


[ 246 ]
انعق بضانك ياجرير فأنما * منتك نفسك في الخلاء محالا ليت شعري ايدعو هذا المغرور عالم اهل البيت ليهديه وكا الاحق ان يستهديه أو يدعو جاهلهم ليستهويه وكان الواجب ان يرقب جده فيه اما والله ان علماءهم قادة الامم والشموس التي تنجاب بها الظلم وجها لهم سالكون يضعون القدم على القدم ومن يشابه ابه فما ظلم. ان عداهل التقى كانوا ائمتهم * أو قيل من خير اهل الارض قيل هم هم والله اهل السبق في كل فضل وكمال وهم الذين لاتلهيهم عن الله تجارة ولا مال الم يقل النبي عليه الصلاة والسلام تعلموا منهم ولا تعلموهم وانكم حزب ابليس إذا خالفتموهم اما جاء عنه ان المتمسك بهم لا يضل ابدا وانهم لن يدخلوكم باب ضلالة ولن يخرجوكم عن باب هدى الم يخبر انهم امان هذه الامة وان الله قد جعل فيهم الحكمة اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وجعل منهم سراجا وقمرا منيرا من ناواهم فهو عن دين الله مارق ومن أبغضهم فهو بالنص منافق لا صلاة لاحد الا بذكرهم ولا ورود على الحوض الا بأذنهم يتصل اسناد طرائقهم بجبريل ويشهد بصحة عقائدهم محكم التنزيل اخبر النبي عليه وعليهم الصلاة والسلام انهم لا يفارقون كتاب الله حتى يجمعهم شاطئ الحوض واياه. لا يسكن الحق الا حيث ما سكنوا * وليس يذهب الا حيث ما ذهبوا والله ما يدعوهم ذلك المغرور الا ليخرجهم إلى الظلمات من النور يعدهم ويمنيهم دخول الجنة إذا سلكوا طريق اهل السنة ان كانت السنة سنة رسول الله فهم والله ائمتها الهداة وإذا كانت سنة محاد الله ورسوله معاوية وطريقة من يبرر عمل تلك الفئة القاسطة الباغية فأنهم وايم الله براء من ذلك الحوب براءة الذئب من دم ابن يعقوب وما اصدق ما قاله العلامة الحفظي رحمه الله في هذا المعنى من ارجوزته الشهيرة.
---(1/246)

49 / 54
ع
En
A+
A-