[ 232 ]
الآخر وحلل ما حرم مع انهم اطبقوا الا الاشعري وحده على ان افضلية ابي بكر رضي الله عنه انما هي ظنية وقد ردوا كما يرد كل ذي خبرة وبصيرة دعوى البعض الاجماع على افضلية ابي بكر رضي الله عنه. وقد قال ابن عبد البر في الاستيعاب ذكر عبد الرزاق عن معمر قال: لو ان رجلا قال عمر افضل من أبي بكر ما عنفته وكذلك لو قال علي عندي افضل من ابي بكر وعمر لم اعنفه إذا ذكر فضل الشيخين واحبهما واثني عليهما بما هو اهله فذكرت ذلك لوكيع فأحبه واشتهاه انتهى فلا يصنع اولئك المبدعون والمفسقون صنيع هذين الامامين على الاقل. فأنا نرى ان المتارك محسن * وان خليلا لا يضر وصول اننا اهل السنة نطالب غيرنا بالانصاف والمطالبة به من شأن طلاب الحق فينبغي لنا ان نتحلى به تماما حتى تقبل منا المطالبة به.
---
منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم وهذه المرأة والرجلان احدهما زوجها والاخر أبوها وان اباها يا امير المؤمنين زعم ان زوجها حلف بطلاقها ان علي بن ابي طالب خير هذه الامة واولاها برسول الله صلى الله عليه وآله وانه يزعم ان ابنته طلقت منه وانه لا يجوز له في دينه ان يتخذه صهرا وهو يعلم انها حرام عليه كامه وان الزوج يقول له كذبت واثمت لقد بر قسمي وصدق مقالي وانها امرأتي على رغم انفك وغيظ قلبك فأجتمعوا الي يختصمون في ذلك فسألت الرجل عن يمينه فقال نعم قد كان ذلك وقد حلفت بطلاقها ان عليا خير هذه الامة واولاها برسول الله صلى الله عليه وآله عرفه من عرفه وانكره من انكره فليغضب من غضب وليرض من رضى وتسامع الناس بذلك فأجتمعوا له وان كانت الالسن مجتمعة فالقلوب شتى وقد علمت يا امير المؤمنين اختلاف الناس في اهوائهم وتسرعهم إلى ما فيه الفتنة فأحجمنا عن الحكم لتحكم بما اراك الله وانهما تعلقا بها واقسم ابوها ان لا يدعها معه واقسم زوجها ان لا يفارقها ولو ضربت عنقه الا ان يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته والامتناع منه فرفعناهم اليك يا امير المؤمنين احسن الله توفيقك وارشدك قال: فجمع عمر بني هاشم وبني امية وافخاذ قريش ثم سأل ابا المراءة وزوجها عما قالا فأجاباه بمثل ما مر عنهما فأكب عمر مليا ينكت الارض بيده والقوم صامتون ينتظرون ما يقوله ثم رفع رأسه وقال: إذا ولى الحكومة بين قوم * اصاب الحق والتمس السدادا (*)
---(1/232)
[ 233 ]
ان بعض المؤلفين المتأخرين منا اهل السنة يقول في بعض كتبه انظر إلى انصافنا اهل السنة حيث لم نكفر من قال بأفضلية علي على ابي بكر (انتهى) كان هذا المؤلف - وامثاله كثيرون - يرى ان تفسيق وتبديع من فضل عليا من الانصاف المحمود لا ومن انزل الكتاب ان بين هذا القول وبين الانصاف مراحل مترامية المسافات ولو كنا في هذا من الانصاف في شئ لتركنا لكل قوله في هذه المسألة إذ هي اجتهادية محضة فللمجتهد فيها أجر ان اخطاء واجران ان اصاب إذا سلمنا انها من المسائل التكليفية والتوفيق بيد الله وحده. دع عنك مسألة التفضيل المطلق * وانظر إلى كتبهم وما حاولو غمطه فيها من فضائل علي الخاصة تجدهم انكروا علميته كرم الله وجهه وهو باب مدينة علم الرسول كما في الحديث الشريف وهو المؤتى تسعة اعشار الحكمة كما في حديث ابن مسعود والمؤتي تسعة اعشار العلم والمشارك في العاشر كما اقسم الحبر ابن عباس بذلك وهو الذي ما كان من الصحابة
---
وما خير الامام إذا تعدى * خلاف الحق واجتنب الرشادا ثم قال للقوم ما تقولون فسكتوا فقال سبحان الله قولوا وبعد اخذ ورد وكلام طويل استدل احد بني هاشم بحديث ذكره عن النبي صلى الله عليه وآله فقال عمر صدقت وبررت اشهد لقد سمعته ووعيته يارجل خذ بيد امرأتك فان عرض لك أبوها فاهشم انفه ثم قال يا بني عبد مناف والله ما نجهل ما يعلم غيرنا وما بنا عمى في ديننا ولكنا كما قال الاول. واعماهم حب الغنى واصمهم * فلم يدركوا الا الخسارة والوزرا تصيدت الدنيا رجالا بفخها * فلم يدركوا خيرا بل استحقبوا الشرا قيل فكأنما القم بني امية حجرا ومضى الرجل بأمرأته وكتب عمر إلى ميمون بن مهران عليك سلام فأني احمد اليك الله الذي لا اله الا هو اما بعد فأني قد فهمت كتابك وورد الرجلان والمرأة وقد صدق الله يمين الزوج وابر قسمه فأثبته على نكاحه فاستيقن ذلك واعمل عليه والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (انتهى). (*)
---(1/233)
[ 234 ]
من يقول سلوني غيره وهو الذي قال عمر فيه اعوذ بالله من معضلة ليس لها ابو الحسن وهو الذي لم ينقل انه استفتى احدا في مسألة دينية مع كثرة رجوع الصحابة إليه في المشكلات على ان خطبه ومواعظه وكلامه في العلوم الالهية بحر زاخر لا يقارب فيه ولا يدانى. استدلوا على انكار تلك الا علمية الباهرة بأثار يدل مجموعها على ان لابي بكر رضي الله عنه حظ عظيم من العلم وهو والله كذلك ولكن لا يدل شئ منها على انه اعلم من علي كرم الله وجهه كما يدعون. انكر معظمهم ايضا اشجعيته كرم الله وجهه التي ضربت بها الامثال ونقلت الرواة من اخبار وقائعه وخوضه معامع الحروب ومقارعته الابطال مع رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده ما شحنت به التواريخ وامتلات به الكتب وعلمه الخاص والعام واقربه العدو والصديق. قالوا ان ابا بكر رضي الله عنه اشجع منه واستدلوا على قولهم بمثل تصميمه رضى الله عنه على قتال اهل الردة ولو وحده وبقوله يوم الحديبية لسهيل بن عمرو امصص بظر اللات وبدفاعه عن النبي صلى الله عليه وآله في حرم مكة حين آذته قريش وامثال هذا وهذه لعمري دالة على شجاعة عظيمة في ابي بكر رضي الله عنه لكنها لا تماثل شجاعة علي كرم الله وجهه فضلا عن ان تفضلها ولا ينقص من مقداره رضي الله ان يكون علي اشجع منه. اننا اهل السنة بهذه الدعوى صرنا هزؤا لدى الشيعة بل وعند المطلعين من اهل الملل الاخرى على وقائع التأريخ وما جرياته وليسوا بملومين ومكابرة من يكابر في مثل هذا محض تعصب لا يرتاب فيه ذو تمييز. رأيت في غير واحد من كتب السير المتداولة بيننا ما صورته حرفيا قالوا: ومما استدل به على ان ابا بكر اشجع من علي ان عليا اخبره النبي صلى الله عليه وآله انه لا يقتله الا ابن ملجم فكان إذا دخل الحرب
---(1/234)
[ 235 ]
ولاقي الخصم علم انه لا قدرة له على قتله فهو معه كالنائم على فراشه واما أبو بكر فلم يخبر بقاتله فكان إذا دخل الحرب لا يدري هل يقتل اولا ومن هذه حاله يقاسي من التعب مالا يقاسيه غيره (انتهى). واقول ما تهافت هؤلاء القوم على استنباط كل ما يتوصلون به إلى اهتضام حق لامير المؤمنين كرم الله وجهه في مقابلة من قبله وتسرعهم إلى تشويش كل منقبة خصه الله بها وتشبثهم بمثل هذه الاستدلالات العقيمة تأييدا منهم لما جمدوا عليه من معتقدهم وترويجا لما تمسكوا به من اقوال مقلديهم سيجر المتحرج عن الخوض فيما خاضوا فيه إلى تجشم البحث معهم مجبورا عليه وعلى الولوج معهم فيما يرى ولوجه غير مستحسن سعيا في حفظ قلوب القاصرين عن قبول ما روجوه وغالطوا به العامة مما يفسد عقيدتهم في كمال تلك المناقب الباهرة لعلي عليه السلام. وسعى الي بعيب عزة نسوة * جعل الاله خدودهن نعالها فنقول ان زعم المستدلين على نفي الاشجعية عن علي عليه السلام واثباتها لابي بكر رضي الله عنه بأن عليا انما يبارز الرجال ويقارع الابطال لا عن كمال شجاعة بل لان النبي عليه الصلاة والسلام اخبره بأنه لا يقتله الا ابن ملجم فهو مع مبارزه كالنائم على فراشه مردود مهدوم غير مستقيم لانه لا ملازمة ولا عناد بين علم الشخص انه لا يقتله الا فلان وبين الشجاعة أو عدمها إذ لا مانع من حصول العلم بذلك عن المعصوم لاشجع رجل في العالم أو لاجبن رجل فيه فلم اعرف حينئذ لاستدلالهم بما ذكر على جبن علي أو شجاعة ابي بكر وجها وغاية ما فيه احتمال ان عليا انما يقتحم الاهوال لا عن شجاعته بل لامنه من القتل والاحتمال انما يمنع قطعية دلالة آثار علي عليه السلام في الحروب على اشجعيته فقط لا ظنيتها الغالية ولا يثبت لغيره شجاعة كما زعموا ومع هذا فلا نسلك بهم الوعر بل نجاريهم فيما ذكروا ونقول لهم:
---(1/235)
[ 236 ]
اولا - ان الشجاعة ملكة نفسية والملكات النفسية انما تعرف بآثارها في الخارج وقد ظهرت آثار الشجاعة العظيمة من فعل علي كرم الله وجهه قبل ان يخبره النبي صلى الله عليه وآله بأن قاتله ابن ملجم كما ظهرت بعد ان اخبره ولم يظهر ما يماثلها من غيره. ثانيا - ماذا يؤمن عليا عليه السلام بعد ما اخبره النبي صلى الله عليه وآله بأنه لا يقتله الا ابن ملجم من اين يجرج من مبارزه أو تبتر يده أو رجله أو تفقأ عينه أو يؤسر فيعذب ثم يعيش بعاهته إلى ان يقتله ابن ملجم ولماذا كان يلبس البيضة والمغفر والدرع إذا كان مع خصمه كالنائم على فراشه كما زعموا. ثالثا - انهم بهذا الاستدلال خصوا ابا بكر رضي الله عنه فقط بأنه اشجع من علي ولا معنى للتخصيص الا حاجة في نفس يعقوب إذ يمكنهم ان يقولوا ان كل الصحابة اشجع من علي ودليلهم المزعوم يحتمله. رابعا - ان عليا وابا بكر رضي الله عنهما قد سمعا قول الله تعالى قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وقوله جل جلاله فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وقوله عز من قائل وما كان لنفس ان تموت الا بأذن الله كتابا مؤجلا وكلاهما يعلم ان المقتول يموت بأجله كما هو مذهب اهل السنة فكل منهما يعتقد إذا برز للقتال انه ان كان هذا يوم انتهاء اجله فهو لا محالة ميت اما في المعركة أو على فراشه وان لم يكن يوم انتهاء اجله فلا يقدر جميع اهل الارض على قتله اللهم الا ان زعموا نقصا في يقين احد منهما وحاشاهما من ذلك كيف وكل مؤمن يوقن بذلك هذا. اعرابي يقول: يخوفني بالقتل قومي وانما * اموت إذا جاء الكتاب المؤجل وحيث كان الامر كذلك فلم خصوا عليا رضي الله عنه باطمئنان القلب
---(1/236)