[ 227 ]
مطمئن بالايمان. ومنها انها انما تجوز فيما يتعلق بأظهار الدين فأما الذي يرجع ضرره كالقتل والزنا وغصب الاموال وشهادة الزو وقذف المحصنات واطلاع الكفار على عورات المسلمين فذلك غير جائز البتة (ومنها) ان الشافعي جوز التقية بين المسلمين كما جوزها بين الكافرين محاماة على النفس. ومنها انها جائزة لصون المال على الاصح كما انها جائزة لصون النفس لقوله صلى الله عليه وآله حرمة مال المسلم كحرمة دمه ومن قتل دون ماله فهو شهيد ولان الحاجة إلى المال شديدة ولهذا يسقط فرض الوضوء ويجوز الاقتصار على التيمم إذا بيع الماء بالغبن قال مجاهد كان هذا في اول الاسلام فقط لضعف المؤمنين وروى عوف عن الحسن انه قال التقية جائزة إلى يوم القيامة وهذا ارجح عند الائمة (انتهى حرفيا). قلت اتفق اصحابنا على جواز الكذب عند الضرورة بل وللمصلحة وهو عين التقية لكن ان عبرت عنه بلفظ التقية منعه كثير منهم لكونه من تعبيرات الشيعة فالخلاف فيما يظهر لفظي والله اعلم. (عظة وذكرى) اليك ايها القارئ نفثة مصدور مدادها الاسى ومرماها ترجي الخير بلعل وعسى. يدعي اقوام كثيرون حب اهل البيت عليهم وامتثال امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما اوصاهم به في حقهم ويتظاهرون بذلك وربما كتبوا فيه ما كتبوا ثم تراهم يتهافتون تهافت الفراش على استخراج وتأييد ما امكنهم ان يستنتجوا منه غمطا لفضيلة أو غضا من منقبة جاءت في حق
---(1/227)


[ 228 ]
احد من اهل البيت الطاهر اما بأنكار الصحة أو تأويل المعنى أو ادعاء وجود معارض أو ترجيح مرجوح أو دعوى اجماع لم يقع أو بلا مستند أو نحو ذلك تجد هذا كله في اكثر ما جاء في حقهم عليهم السلام. تأمل كل حديث ورد في فضل علي عليه السلام ولو كان في اعلى مراتب الصحة تجد التعليقات عليه والتأويلات لمعناه بما لا يطابق ظاهره في الغالب لكي يطابق ويوافق ما رسخ في اذهانهم مما اعتقدوه وجمدوا عليه هذا ان سلم من دعوى وضعه أو ضعفه ولا تجد شيئا من هذا في شئ من الاحاديث الواردة في حق غيره بل تجد الامر بالعكس مع انهم ان اولوا هذه فألى فوق ما يقتضيه ظاهر لفظها وان استنبطوا منها فالى افضل ما يستنبطه المستنبطون ومن تتبع الاحاديث وما علق عليها تحقق صحة ما قلناه. هاهم قد شحنوا كتبهم الكلامية بذكر طبقات الصحابة رضي الله عنهم وترتيبهم في الفضل فقالوا افضلهم بعد الخلفاء الاربعة باقي العشرة فأهل بدر فأحل احد فأهل بيعة الرضوان ثم عامة الصحابة ولم يذكر الا من ندر منهم الحسن ولا الحسين ولا حمزة ولا العباس ولا جعفر الطيار في هذا الترتيب ففي اي مرتبة نضعهم ؟ في عوام الصحابة واجلافهم ام كيف الحال ؟ ! نعم شكر الله سعي خطباء المنابر فأنهم لا يزالون يذكرونهم بعد ذكر الاربعة فجزاهم الله عن نبيهم واهل بيته خيرا. استطرد بعض اصحابنا بعد ذكر تفاضل الصحابة إلى ذكر تفاضل التابعين فقال بعضهم أفضل التابعين اويس القرنى وقال بعضهم الحسن البصري وقال آخرون هو سعيد بن المسيب ولم يقل احد بأفضلية الامام زين العابدين ابن الحسين عليهما السلام وهو والله افضلهم واعجب من هذا ان بعض علماء الشافعية افرد في مؤلف له فصلا في ذكر كبار التابعين وعد منهم نحو العشرة ولم يذكر فيهم زين العابدين ولا الحسن المثنى ولا محمد بن الحنفية ولا
---(1/228)


[ 229 ]
ادري ما الصادف له عن ذلك والحال انه من كبار العلماء المطلعين وتأليفه كان بعد انقضاء الدولتين الاموية والعباسية ان هذا والله لقريب من الجفاء ان لم يكن الجفاء بعينه. حاول البعض من اصحابنا وهم القليل تفضيل عائشة على خديجة رضى الله عنهما مع ان احاديث خيرية نساء الجنة شاهدة لخديجة بالفضل إذ لم تذكر عائشة رضي الله عنها في شئ من تلك الاحاديث ومع انه عليه السلام غضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب حين قالت له عائشة وقد ابدلك الله خيرا منها وقال لا والله ما ابدلني الله خيرا منها ومع ان خديجة أقرأها جبريل السلام عن ربها وعائشة اقرأها النبي السلام عن جبريل ومع ان خديجة اسبق جميع المسلمين إلى الاسلام إلى غير ذلك ولعائشة رضي الله عنها فضل لا ينكر من نشر العلم ومحبة النبي صلى الله عليه وآله لها وقوله عليه السلام فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام إلى غير ذلك وقد افرط الملا علي القاري واستدل بهذا الحديث على تفضيل عائشة مطلقا حتى على فاطمة رضي الله عنها وقارب الجمهور فقالوا عائشة افضل من فاطمة في بعض الخصال وليست الافضلية بهذا المعنى من موارد الخلاف اصلا ولسنا الآن في مجال بحث وتدقيق إذ الصبح مسفر لذي عينين ولكنا نبين لك تحامل البعض مهما امكنهم على اهل البيت عليهم السلام (1).
---
(1) ذهب اكثر فقهاء الشافعية إلى كراهة الصلاة على الال في التشهد الاول من الصلوات مع ان ترك الصلاة عليهم مع الصلاة عليه صلى الله عليه وآله منهي عنه بما صح من قوله صلى الله عليه وآله: لا تصلوا علي الصلاة البتراء الحديث وعللوا تلك الكراهة التي زعموها ببناء التشهد الاول على التخفيف وليت شعري اي اطالة تحصل بزيادة اربعة احرف أو سبعة نهى النبي عن تركها وإذا كانت علة الكراهة عندهم بناؤه على التخفيف فلم كرهوها للمأموم الذي فرغ من تشهده وجلس منتظرا لامامة فأنهم قالوا يدعوا بدعاء آخر أو يسكت ولا يصلي على الآل وليتهم وقفوا عند الكراهة فقط لابل قالوا بأستحباب سجود السهو في = (*)
---(1/229)


[ 230 ]
ثم لا اخالك تجهل ما وقع من الخلاف بين الصحابة ثم التابعين ثم من بعدهم في الافضلية بين ابي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وآله ولسنا لآن سواءا كان معتقدنا هذا ام ذاك بصدد تلك الاقوال أو نقدها ورد كل منها إلى دليله إذ المسألة ليست من فرائض الدين ولا مما يضل فيها المخالف عندنا كما ذكره اكثر الاصوليين مع ان حقيقة الفضل ما هو فضل عند الله تعالى ولا يطلع على ذلك الا بالوحي ولكنا نذكرك بأن كثيرا من متأخري اهل السنة يفسقون ويبدعون من يقول بتفضيل علي كرم الله وجهه على ابي بكر وعمر رضى الله عنهما ويشددون النكير عليه مع ان للمفضلين مستندات ودلائل يرجعون إليها واقوالهم بذلك مسبوقة بأقوال كثير من
---
= آخر الصلاة ان اتى بها جبرا للخلل الواقع في صلاته بالاتيان بها. ويقابل هذا ما ذكره الشيخ بن حجر في شرح المنهاج في باب سجود السهو وكثير غيره قالوا يستحب للمصلي ان يسجد للسهو إذا ترك الصلاة على الصحب في القنوت جبرا للخلل الواقع في الصلاة بتركها واظن ان الشيخ كغيره لا يجهلون انه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله ولا عن احد من اصحابه رضي الله عنهم انه صلى على الصحب تبعا للصلاة عليه صلى الله عليه وآله أوامر بها لا في الصلاة ولا خارجها وانما قاسها من بعدهم على الصلاة على الآل والقياس الذي ذكروه فاسد لعدم الاطراد ولوجود الفارق ولنفرض صحة القياس وسنية الصلاة على الصحب لكن كيف يتصور اختلال صلاة تاركها حتى تجبر بسجود السهو مع خلو صلاة النبي صلى الله عليه وآله عنها إلى ان لقى الله تعالى فما لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله ولو مرة قالوا بسنيته واستحبوا سجود السهو لتركه جبرا للخلل المزعوم وما نهى النبي صلى الله عليه وآله عن تركه كرهوا فعله واستحبوا السجود لمن اتى به جبرا للخلل كما قالوا فليمعن طالب الحق نظره في ذلك اما انا فأقطع ببراءة الامام الشافعي مما ذكروه إذ لم يرد عنه نص في شئ من ذلك ولا قاعدة يتخرج عليها ما زعموا بل هو القائل. يا اهل بيت رسول اله حبكم * فرض من الله في القرآن انزله يكفيكم من عظيم القدر انكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له واكاد اجزم بأن سجود السهو في كلتي المسألتين مبطل للصلاة لانه زيادة ركن غير مشروع. (*)
---(1/230)


[ 231 ]
ائمة اهل البيت ومن الصحابة رضوان الله عليهم كالمقداد وزيد بن ارقم وسلمان وابي ذر وخباب وجابر وابي سعيد الخدري وغيرهم كما نقله عنهم ابن عبد البر وكعمار وابي بن كعب وحذيفة وبريدة وابي ايوب وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وابي الهيثم ابن التيهان وخزيمة بن ثابت وابي الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبدالمطلب وبنيه وبني هاشم كافة وبني المطلب كافة كما نقل ذلك كثير من العلماء ومن التابعين ايضا كثير كاويس القرني وزيد بن صوحان واخيه صعصعة وجندب الخير وعطية بن سعيد العوفي (1) وعبيدة السلماني وبني هاشم كافة وكخالد بن سعيد بن العاص وعمر بن عبد العزيز من بني امية (2) وغير هؤلاء خلق كثير ولهؤلاء من الاحاديث الصحيحة ما يسوغ لهم الاستدلال بها على ما قالوه من تفضيل علي كرم الله وجهه كما ان لمفضلي ابي بكر رضي الله عنه مستندات وادلة كذلك. وحيث ثبت ان المسألة خلافية فهلا سكت اولئك المفسقون والمبدعون عن مخالفيهم في ذلك جريا على القاعدة المرعية عندهم انه لا يجوز الانكار على من ارتكب مختلفا فيه كما سكتوا في المسائل الاجتهادية عمن حرم ما احل
---
(1) قال الحافظ بن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب قال ابن سعد كتب الحجاج إلى محمد بن القاسم ابن يعرضه (يعني عطية بن سعيد) على سب علي فان لم يفعل فأضربه اربعمائة سوط واحلق لحيته فأستدعاه فأبى ان يسب فأمضى حكم الحجاج فيه قال وكان يقدم عليا على الكل. انتهى (2) ذكر ابن الكلبي في التاريخ واقعة نذكرها ملخصة. قال بينا عمر بن بعد العزيز جالس في مجلسه دخل حاجبه ومعه امرأة ادماء طويلة حسنة الجسم والقامة ومعها رجلان متعلقان بها ومعهم كتاب من ميمون بن مهران إلى عمر فدفعوا إليه الكتاب ففضه فإذا فيه بسم الله الرحمن إلى امير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من ميمون بن مهران سلام عليك ورحمة الله وبركاته اما بعد فانه ورد علينا امر ضاقت به الصدور وعجزت عنه الاوساع وهربنا بأنفسنا عنه ووكلناه إلى عالمه لقول الله عزوجل ولو ردوه إلى الرسول والى اولى الامر (*)
---(1/231)

46 / 54
ع
En
A+
A-