[ 222 ]
في غاية من الاضطهاد والتشريد والقتل والاذى طبق ما اخبر به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فأنهم خرجوا من ظلم بني امية إلى ظلم بني العباس ولئن كان كان بنوا العباس اعداء لبني امية فأنهم كذلك اعداء الداء للعلويين كارهين ذكر كل ما فيه منقبة وفضل لبني علي عليه السلام حتى ان احد ملوكهم هدم قبر الحسين عليه السلام وزرع الارض فوقه وحكم بعضهم على العلويين ان لا يركبوا خيلا ولا يتخذوا خادما وان من كان بينه وبين احد من العلويين خصومة من سائر الناس قبل قول خصمه فيه ولم يطالب ببينة كما ذكر ذلك المقريزي في الخطط وغيره ومات كثير من اكابرهم في سجون بني العباس كما سبق ذكر شئ منه إلى غير ذلك مما كفتنا التواريخ مؤنة نقله فلا عجب مع هذا إذا اسكت اولئك الائمة عن الحث على الاقتداء بعلي عليه السلام في ذلك وان من الخطأ الواضح ان نجعل المعذور في سكوته عن بيان بوائق معاوية وامثاله اسوة وقدوة لنا في السكوت عنها ونحن غير مغذورين كيف وقد جاء في حديث انس وغيره انه صلى الله عليه وآله وسلم قال: عند ثناء الصحابة على الاموات بالخير والشر وجبت انتم شهداء الله في ارضه فإذا سكت غير المعذور عن ذكر تلك الموبقات منه ومن اعوانه كان كاتما للشهادة المطلوبة منه وإذا اذكر ما يعلمه من موبقاته وجرائره كان شاهد بر وصدق وإذا مدحه واطراه وتأول له التأويلات كان شاهد زور والعياذ بالله تعالى على ان السابقين بينوا ما بينوا من قبائح ذلك الطاغية وسكتوا عن كثير منها ولكنهم حيث سكتوا لم يفعلوا ما فعله من قلدتموهم من اطراء معاوية وتبريره وتسويده والامر بحبه وحب اولئك البغاة المفسدين بل كانوا يشيرون إلى رفضهم وبغضهم والتحذير من توليهم ومحبتهم بما تجده في مطاوي كلامهم من المعاريض والاشارات إذا لم يقدروا على التصريح بشئ من ذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
---(1/222)


[ 223 ]
(واقدرهم) على سلوك هذا الطريق هو الامام الشافعي رحمه الله لما له من المعرفة بأساليب الكلام واقتداره على التوجيه والتورية بلفظ محتمل لمعنيين أو معان الا ترى انه حين كتب وصيته قال: فيها ما لفظه وافضل الخلق بعده صلى الله عليه وآله الخلفاء الاربعة ابو بكر وعمر وعثمان وعلي (عطف بعضهم على بعض بالواو والعطف به لا يقتضي ترتيبا فيحتمل ان يكون له قول في الترتيب يخالف ما عليه الجمهور) ثم قال اتولاهم واستغفر لهم ولاهل الجمل وصفين عطف على توليهم رضي الله عنهم الاستغفار لهم ليكون عطفه اهل الجمل وصفين عليهم في الاستغفار لهم حيث اعاد العاطف ولام التعدية لافي التولي إذ لفظ التولي متعد بنفسه وهذا من لطيف اشاراته رحمه الله. ومنها ما ذكره شارح المواقف وغيره انه رحمه الله سئل عن قتلى اهل الجمل وصفين فقال تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا نضمخ بها السنتنا اراد رحمه الله دماء اصحاب علي عليه السلام كدم عمار واخوانه الذين قاتلوا معاوية على تأويل القرآن كما قاتلوهم اولا على تنزيله ولا يمكن ن الشافعي رحمه الله على جلالة قدره يريد دماء اصحابه معاوية الذين يعتقد هو كغيره ان قتلهم من اعظم القربات المأمور بها في كتاب الله تعالى افيظن احد انه يعتقد ان الله طهر سيفه من دم اول ما تضمخ به سيف اخي النبي المصطفى ووصيه لا والله ولكن من لاخبرة له بأساليب الكلام ومن كان من اهل الاغراض يفسره بحمله على دماء الكل وحاشى الامام الشافعي رحمه الله من ذلك ومن فسره بذلك فقد افترى عليه كيف وهو رحمه الله القائل. ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم * مذاهبهم في ابحر الغي والجهل ركبت على اسم الله في سفن النجا * وهم اهل بيت المصطفى خاتم الرسل وامسكت حبل الله وهو ولاؤهم * كما قد امرنا بالتمسك بالحبل
---(1/223)


[ 224 ]
وقد عزا بعضهم تلك المقالة إلى الحسن البصري وعزاها بعضهم إلى ميمون بن مهران وعلى كل الاقوال فمعناها ما ذكرناه والله اعلم. ولما كان الحديث شجون عن لي ان اذكر هنا استطرادا طرفا مما قاله الامام الشافعي رحمه الله من الابيات الدالة على شدة تمسكه بأهل البيت الطاهر ومزيد محبته لهم ورفضه لمن عاداهم أو آذاهم وفيها من الاشارات والمعاريض واستعمال التقية الجائزة ما يفهمه الفطن بعد التأمل قال رحمه الله. لو شق قلبي لذا وسطه * سطران قد خطا بلا كاتب الشرع والتوحيد في جانب * وحب اهل البيت في جانب ان كنت فيما قلته كاذبا * فلعنة الله على الكاذب وتمثل رحمه الله حين عوتب في عدم اكثاره من مدح الامام علي عليه السلام واعلان تشيعه له بقول نصيب. لقد طال كتمانيك حتى كأنني * برد جواب السائلي عنك اعجم لاسلم من قول الوشاة وتسلمي * سلمت وهل حي من الناس يسلم وقال رحمه الله يا اهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن انزله كفاكم من عظيم القدر انكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له وقال رضي الله عنه قالوا ترفضت قلت كلا * ما الرفض ديني ولا اعتقادي لكن توليت دون شك * خير امام وخير هادي ان كان حب الوصي رفضا * فأنني ارفض العباد وقال قدس الله سره في هذا المعنى يا راكبا قف بالمحصب من منى * واهتف بقاعد خيفها والناهض سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى * فيضا كملتطم الفرات الفائض
---(1/224)


[ 225 ]
ان كان رفضاحب آل محمد * فليشهد الثقلان اني رافضي وقال نفع الله بعلومه إذا نحن فضلنا عليا فأننا * روافض بالتفضيل عند دوي الجهل وفضل ابي بكر إذا ما ذكرته * رميت بنصب عند ذكري للفضل فلازلت ذا رفض ونصب كلاهما * بحبهما حتى اوسد في الرمل وقال رحمه الله آل النبي ذريعتي * وهم إليه وسيلتي ارجو بهم اعطي غدا * بيدي اليمين صيفتي وقال قدس سره إذا كان ذنبي حب آل محمد * فذلك ذنب لست عنه اتوب وقد نقل البيهقي عن الربيع بن سليمان احد اصحاب الشافعي رضى الله عنه قال قيل للشافعي رضى الله عنه ان اناسا لا يصبرون على سماع منقبة أو فضيلة لاهل البيت فإذا رأوا واحدا منا يذكرها يقولون هذا رافضي ويأخذون في كلام آخر فأنشأ الشافعي رضي الله عنه يقول: إذا في مجلس ذكروا عليا * وسبطيه وفاطمة الزكية واجري بعضهم ذكر سواهم * فايقن انه لسلقلقيه إذا ذكروا عليا مع بنيه * تشاغل بالروايات العليه وقال تجازوا يا قوم هذا * فهذا من حديث الرافضية برئت إلى المهيمن من اناس * يرون الرفض حب الفاطمية على آل الرسول صلاة ربي * ولعنته لتلك الجاهلية (1) * (هامش) (1) ورحم الله محمد بن وهيب حيث قال لما كثر تردده على يزيد بن هرون ورآه يتجنب ذكر فضائل علي عليه السلام. آتي يزيد بن هرون إذ الجه * في كل يوم ومالي وابن هرون فليت لي بيزيد حسين اشهده * راحا وقصفا وندمانا تسليني
---(1/225)


[ 226 ]
وهذا القدر كاف من كلام الشافعي رحمه الله. ومن حيث ان في بعضه اشارة إلى استعمال التقية في بعض الاحوال فلنذكر هنا نص ما ذكره الامام النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا ان تنقوا منه تقاة ويحذركم الله نفسه. قال رحمه الله وللتقية عند العلماء احكام منها انه إذا كان الرجل في قوم كفار ويخاف منهم على نفسه جاز له ان يظهر المحبة والموالاة ولكن بشرط ان يضمر خلافه ويعرض في كل ما يقول ما امكن فان التقية تأثيرها في الظاهر لا في احوال القلب. ومنها انها رخصة فلو تركها كان افضل لما روى الحسن انه اخذ مسيلمة الكذاب رجلين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لاحدهما اتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم قال اتشهد اني رسول الله قال نعم وكان مسيلمة يزعم انه رسول بني حنيفة ومحمدا رسول قريش فتركه ودعا الآخر وقال اتشهد ان محمدا رسول الله فقال نعم نعم نعم فقال اتشهد اني رسول الله فقال اني اصم ثلاثا فقدمه وقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال صلى الله عليه وآله وسلم اما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئا له واما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه ونظير هذه الآية الا من اكره وقلبه
---
= اغدو إلى عصبة صمت مسامعهم * عن الهدى بين زنديق ومافون لا يذكرون عليا في مشاهدهم * ولابنيه بني البيض الميامين اني لاعلم اني لا احبهم * كما هم بيقين لا يحبوني لو يستطيعون من ذكري ابا حسن * وفضله قطعوني بالسكاكين ولست اترك تفضيلي له ابدا * حتى الممات على رغم الملاعين وقريب من هذا قول المأمون الخليفة العباسي إذا ما المرء سرك ان تراه له * يموت لحينه من قبل موته فجدد عنده ذكرى علي * وصل على النبي واهل بيته (*)
---(1/226)

45 / 54
ع
En
A+
A-