[ 207 ]
اللهم الا ان يأتينا بالحديث الموضوع انه كتب آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبريل هدية لمعاوية من فوق العرش نعوذ بالله من الفرية على الله وعلى امينه وعلى رسوله ذلك وايم الله العار والشنار قل افأنبئكم بشر من ذلكم النار. ثم ان معاوية بعد ان كتب للنبي صلى الله عليه وآله رجع ناكصا على عقبيه فكتب بيده المظالم والا وامر المحترمة بالسب والبغي والجرائم المحبطة للاعمال وقد كتب قبله للنبي صلى الله عليه وآله عبدالله بن خطل وقد كان يقول ان كان محمد نبيا فاني لا اكتب له الا ما اريد ثم ارتد ولحق بمكة مشركا فلما كان يوم الفتح ضرب عنقه ولم تعصمه الكتابة عما أراده الله له من سوء الخاتمة وشقاوة العقبى في الآخرة ذكر هذا ابن عدي وكتب ايضا قبله عبدالله بن ابي سرح بمكة ثم ارتد وصار يقول كنت اصرف محمدا حيث اريد كان يملي على عزيز حكيم فأقول أو عليم فيقول نعم كل صواب ونزل فيه فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا. واهدر النبي دمه يوم الفتح. (الشبهة الرابعة) تولية عمر بن الخطاب رضي الله عنه اياه دمشق الشام واعمالها وابقاؤه واليا عليها حتى قتل عمر رحمه الله وعمر رضي الله عنه من اهل الفراسة الصادقة والنظر الصائب قال انصار معاوية لو كان معاوية غير متأهل للولاية لما ولاه عمرو لو كان ممن يستحق العزل لعزله فدلت توليته وعدم عزله على رضا عمر عن افعاله ورضى عمر منقبة عظيمة (واقول) هذه الشبهة لا توجب توقفا عن سلوك طريق فرقة الحق القائلة بجواز لعنه ووجوب بغضه الثابتين بالادلة الصحيحة كما سبق بل هذه ليست شبهة اصلا فان عمر لا يعلم الغيب
---(1/207)


[ 208 ]
ولا يطلع على الضمائر حتى لا يولي الا تقيا و لا يستعمل الا نقيا ولا يلزم من مجرد اختياره ثبوت فضيلة ولانفي رذيلة هذا موسى كليم الله (ع) وهو بلا ريب افضل من عمر قد اختار قومه سبعين رجلا لميقات الله فما كان منهم الا ان قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة واخذتهم الرجفة على بوائق معاوية وجرائمه التي بسببها استجيز لعنه ووجب بغضه انما ظهرت بعد زمن عمر وكان معاوية ايام ولايته لعمر يخافه ويهابه وقد ضربه بالدرة على رأسه كما رواه ابن سعد حين دخل عليه في جبة خضراء معجبا بها لكي يضع من تكبره وعاتبه حين دخل الشام على اتخاذه الموكب العظيم واعرض عنه وتركه يمشي راجلا حتى اتعبه ثم سأله عن ذلك فخادعه معاوية بقوله انا في بلاد لا نمتنع فيها من جواسيس العدو فلا بدلهم مما يرهبهم من هيبة السلطان فان امرتني بذلك اقمت عليه وان نهيتني عنه انتهيت فقال عمر لئن كان الذي قلت حقا فانه رأى اريب ولئن كان باطلا فأنها خدعة اديب وقد كان عمر رضي الله عنه يقول من خدعنا في الله انخدعنا له الا ترى انه بلغه عن احد عمله انه يقول من ابيات له. اسقني شربة الذ عليها * واسق بالله مثلها ابن هشام فأستدعاه عمر إلى المدينة وعرف العامل السبب فتهيأ للخداع ولما حضر قال: له عمر رضي الله عنه هيه اأنت القائل اسقني شربة. البيت السابق قال: نعم يا امير المؤمنين وهل اسمعك الساعي ما بعده قال لا فما هو قال: عسلا باردا بماء قراح * انني لا احب شرب المدام قال إذا كان هكذا فأرجع إلى عملك وذكر أبو جعفر الطبري من حديث عبدالله بن محمد عن ابيه في ذكر مراجعة علي لعثمان رضي الله عنهما قال: قال عثمان انشدك الله يا علي هل تعلم ان المغيرة بن شعبة ليس هناك
---(1/208)


[ 209 ]
قال نعم قال فتعلم ان عمر ولاه قال نعم قال فلم تلومني ان وليت ابن عامر في رحمه وقرابته قال: علي سأخبرك ان عمر بن الخطاب كان كل من ولى فأنما يطأ على صماخه ان بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به اقصى الغاية وانت لا تفعل، ضعفت ورفقت على اقربائك قال: عثمان اقرباؤك ايضا فقال لعمري ان رحمي منهم لقريبة ولكن الفضل في غيرهم قال: عثمان هل تعلم ان عمر ولى معاوية خلافته كلها فقد وليته فقال علي انشدك الله هل تعلم ان معاوية كان اخوف من عمر من يرفا غلام عمر منه قال نعم قال علي فان معاوية يقتطع الامور دونك وانت تعلمها فيقول للناس هذا امر عثمان فيبلغك ولا تغير على معاوية (انتهى) واليك واقعة من وقائع عمر رضي الله عنه تدلك على انه لو كان عمر يعلم ادنى شئ مما يصير إليه معاوية من البغي والفساد وارتكاب الجرائم وتفريق الامة لما ولاه ساعة واحدة على شبر من الارض فيه مسلم واحد. قال ابن ابي شيبة حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال حدثني غير واحد ان قاضيا من قضاة الشام اتى عمر فقال يا امير المؤمنين رأيت رؤيا افظعتني قال: ماهي قال رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين قال: فمع ايهما كنت قال: كنت مع القمر على الشمس فقرأ عمر وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة انت مع الآية الممحوة فأنطلق فوالله لاتعمل لي عملا أبدا قال عطاء فبلغني انه - يعني القاضي المعزول - قتل مع معاوية بصفين (انتهى) افترى عمر رضي الله عنه إذ لم يرض بأستعمال رجل دلت رؤياه على انه من حزب معاوية إذ هو الآية الممحوة كما ظهر بمقتل ذلك القاضي يرضى بأستعمال وتولية رئيس تلك الفئة الباغية وامامها ومغويها كلا والله غير ان الله سبحانه وتعالى استأثر بعلم الغيب وحجبة عن عباده الا من شاء الله فيما شاءه جل شأنه.
---(1/209)


[ 210 ]
على انا نقول ان علم رضي الله عنه بفجور معاوية لو كان عالما به وهو مالا نظنه لا يكون ما نعا من توليته إذا رأى فيه نوع مصلحة عامة فقد عزل سعد بن ابي وقاص عن الكوفة ثم ولي عليها المغيرة بن شعبة وقد روي كما ذكره صاحب الفائق وغيره ان حذيفة قال لعمر رضي الله عنهما انك تستعين بالرجل الفاجر فقال اني استعمله لاستعين بقوته ثم اكون على قفاه وذكر ايضا ان عمر رضي الله عنه قال غلبتي اهل الكوفة استعمل عليهم المؤمن فيضعف واستعمل عليهم الفاجر فيفجر (انتهى). (الشبهة الخامسة) تتابع الاكثر من علماء اصحابنا الاشاعرة والما تريدية مددا طويلة ى القول بتعديل معاوية والسكوت عن ذكر مثالبه وتأويلها أو حملها علم المحامل الحسنة وانكار ما يمكن انكاره منها وهذه الشبهة انما هي عند المقلدين والعوام وهي النقطة السوداء في مذهب اهل السنة وهي اشد الشبه أضرارا بهم واستحكاما في عقائدهم وتمكنا منهم حتى صاروا يعتبرون من لعن معاوية أو ذكر شيئا من بوائقه مبتدعا وفاسقا لا يصغون إلى سماع دليل ولا يلتفتون إلى نقل وان كان صحيحا لا تظهر منهم لدى البحث الا بوادر الحفق وسورات الغضب. يا مرسل الريح جنوبا وصبا * ان غضبت قيس فزدها غضبا قصارى ما عند العالم منهم ان يقول لك عند البحث ان أيمة السنة وقادة الجماعة كابى الحسن الاشعري وابي منصور الما تريدي ومن بعدهما كالباقلاني والسبكي والغزالي والعضد والدواني والنسفي والنووي وهلم جرا كلهم من العلم والتحقيق وسعة الاطلاع بالمنزلة السامية وكل هؤلاء يستحسن تولي معاوية ويأمر بالسكوت عن ذكر مثالبه ويتأولها له وينهي عن لعنه وسبه ولو لم يكن لهم دليل على ذلك لما قالوه ولسنا باعلم منهم
---(1/210)


[ 211 ]
حتى نخالفهم ونصنع غير الذي صنعوا. والجواب عن هذا اننا لاننكر فضل هؤلاء الرجال وعلو مقامهم من العلم والتحقيق والديانة والورع نستمد من علومهم ونتبع آثارهم ونقتبس من انوارهم ونعتقد حسن نياتهم ونبل مقاصدهم ولكنا مع هذا نقول انهم ليسوا بمعصومين عن الهفوات فلا حجة في اقوالهم ولا نجاة باتباعهم الا فيما وافق الحق مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن اكابر اصحابه واما ما خالفوا باجتهادهم فيه الطائفة الاولى والنقل الصحيح من توليهم معاوية والترضي عنه ان صح عنهم وتعديله والتزام تأويل قبائحه فلا يلزمنا قبوله اذلا يسوغ لمن عرف الحق اتباعهم ولا تقليدهم في شئ من ذلك وقد مرت بك الادلة التي تشبثوا بها من الصحبة وغيرها في الشبه الاربع السابقة ومر بك ايضا بيان عدم نهوضها بمدعاهم في معارضة ادلة الفرقة الاولى في جواز لعنه ووجوب بغضه وبيان حاله للتحذير منه وقد مر في صدر هذه الرسالة ذكر كثير منهاكما رأيته من عمومات الاحاديث ومن لعن كثير من الصحابة له وسبهم اياه واعلان بغيه وفجوره وكيف يسوغ لطالب الحق ان يضرب صفحا عن تلك الادلة القوية ويتبع ماقاله المتأخرون وهو يعرف ان لامستند لهم فيما قالوا الامامر كما صرحوا بذلك (فان قيل) انك معترف بان هؤلاء لذين ذكرت اوسع منك علما واقوى منك ادراكا واكثر اطلاعات منك على الادلة واقدر منك على تأليف المقدمات واطلاع النتائج وهم اتقى الله منك فيكونون حينئذ اسرع منك اذعانا للحق واجدر باصابة الصواب ومع هذا فانهم لم يذكروا ما ذكرت ولم يصرحوا به كما صرحت فما هو السبب الذي قيدهم واطلقك واسكتهم وانطقك. قلت السبب هو حرية فكري في استنباط الحق وحرية قولي في اعلانه وسجنهم افكارهم واقوالهم وتقييدها بقيود التقليد وغلها باغلال الانتصار
---(1/211)

42 / 54
ع
En
A+
A-