[ 197 ]
ان اجتماع الناس عليه واكثرهم مكرهون لا يقيم له عذرا ولا يخفف عنه أصرا ولو سلمنا جدلا بما يزعمه بعض انصاره من انهم كلهم طائعون وانه قرشي جائز الامامة ظاهرا فأين الرحمة واين العدل واين الوفاء المشروطة في امامة القرشي في حديث الائمة من قريش حتى إذا اخل بواحد منها وجبت عليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لارحمة وهو يقتلهم تسميا وصبرا ويهدم ديار قوم وينفى آخرين ويولي عليهم الظلمة يسومونهم سوء العذاب ولاعدل وهو يقضي بلولد للزاني لا للفراش وقد استأثر بالبيضاء والصفراء وبذر اكثر اموال المسلمين كما تهوى نفسه يأخذ بغير الحق وينفق في غير حق لا وفاء وقد اخبر النبي عليه الصلاة والسلام انه لا يجتمع مع عمرو الا على غدر وقد قال: علي كرم الله وجهه انه يغدر ويفجر ولو لم يصدر منه الا غدره فيما عاهد عليه الحسن بن علي عليهما السلام لكفي ودونك ايها الطالب الحق متن الحديث المذكور قال صلى الله عليه وآله وسلم: الائمة من قريش ولهم عليكم حق ولكم مثل ذلك فان استرحموا رحموا وان استحكموا عدلوا وان عاهدوا وفوا فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. ولهذا الحديث طرق جمعها الحافظ ابن حجر رحمه الله في مؤلف سماه لذة العيش في طرق حديث الائمة من قريش. قال المسعودي رحمه الله حدث منصور بن وحشي عن ابي الفياض عبدالله بن محمد الهاشمي عن الوليد بن البحتري العبسي عن الحرث بن مسمار البهراني قال: حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد الله بن الكواء اليشكري ورجالا من اصحاب علي مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوما فقال نشدتكم بالله الا ما قلتم حقا وصدقا اي الخلفاء رأيتموني فقال ابن الكواء لولا انك عزمت علينا ما قلنا لانك جبار عنيد لا تراقب الله
---(1/197)
[ 198 ]
في قتل الاخيار ولكنا نقول انك ما علمنا واسع الدنيا ضيق الاخرة قريب الثرى بعيد المرعى تجعل الظلمات نورا والنور ظلمات قال بعد مجاورة طويلة مع ابن الكواء ثم تكلم صعصعة فقال تكلمت يا ابن ابي سفيان فأبلغت ولم تقصر عما اردت وليس الامر على ما ذكرت انى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا ودانهم كبرا واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا اما والله مالك في يوم بدر مضرب ولا مرمى ولقد كنت انت وابوك في العير والنفير ممن اجلب على رسول الله صلى الله عليه وآله وانما انت طليق ابن طليق اطلقكما رسول الله صلى الله عليه وآله فانى تصلح الخلافة لطليق فقال معاوية لو لا اني ارجع إلى قول ابي طالب حيث يقول: قابلت جهلهم حلما ومغفرة * والعفو عن قدرة ضرب من الكرم لقتلتكم (انتهى). (قلت) لم يكن امتناع هذا الطاغية عن قتل هؤلاء خوفا من المنتقم الجبارو لا فرقا من ورود النار بل امتنع عن ذلك كما صرح نفسه به طمعا في ان يقال انه حليم وكريم وقد قالها انصاره وزادوا عليها ما اقروا به عين الباطل وشوهوا به وجه الحق وقد جاؤا ظلما وزورا. (الشبهة الثالثة ما يزعمه انصار معاوية من الاحاديث في فضله) وسنقدم قبل ذكر شئ منها طرفا مما جاء عن الحفاظ على سبيل الاجمال في نفي صحتها واعلالها تعلم به حقيقة حالها (قال) الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله في كتابه اللالئ المصنوعة في الاحاديث الموضوعة بعد ان ذكر احاديث كثيرة في فضل معاوية كلها موضوعة لااصل لها ثم قال: قال الحاكم سمعت ابا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف يقول سمعت ابي يقول سمعت اسحق بن ابراهيم الحنظلي يقول لا يصح في فضل معاوية حديث (انتهى). (ونقل) الحافظ بن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري عن ابن
---(1/198)
[ 199 ]
الجوزي عن اسحق بن راهويه انه قال لم يصح في فضل معاوية شئ ثم قال اخرج ابن الجوزي ايضا من طريق عبدالله بن احمد بن حنبل سألت ابي ما تقول في علي ومعاوية فأطرق ثم قال أي شئ اقول فيهما اعلم ان عليا كان كثير الاعداء ففتش اعداؤه له عيبا فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كيادا منهم لعلي قال: فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لااصل له قال وقد ورد في فضل معاوية احاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد وبذلك جزم اسحق بن راهويه والنسائي وغيرهما والله اعلم (انتهى من فتح الباري). وروى محمد بن اسحق الاصبهاني بسنده عن مشايخه ان الامام النسائي رحمه الله خرج إلى دمشق فسئل عن معاوية ما يروى من فضائله فقال اما يرضى معاوية ان يخرج رأسا برأس حتى يفضل وفي رواية ما اعرف له فضيلة الا لا اشبع الله بطنه. (وقال) العلامة العيني في شرح البخاري فان قلت قد ورد في فضله - يعني معاوية - احاديث كثيرة قلت نعم ولكن ليس فيها حديث يصح من طرق الاسناد نص عليه اسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما فلذلك قال: يعني البخاري باب ذكر معاوية ولم يقل فضيلة ولا منقبة (انتهى) وقال خاتمة الحفاظ محمد بن علي الشوكاني في كتابه الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة اتفق الحفاظ على انه لم يصح في فضائل معاوية حديث (انتهى). اما الاحاديث الموضوعة في فضل معاوية فكثيرة وايرادها لغير بيان وضعها مما لا يجوز لانه كذب محض على النبي صلى الله عليه وآله وايراد الشيخ ابن حجر الهيثمي جانبا منها في كتابيه السابق ذكرهما في معرض الاحتجاج والاستدلال غير محمود والله يغفر لنا وله واما الاحاديث الضعاف في فضله فثلاثة أو اربعة ولا حجة بالضعيف كما علت وقول المحدثين والاصوليين
---(1/199)
[ 200 ]
ان الحديث الضعيف يؤخذ به في المناقب وفضائل الاعمال فذلك حيث كان لذكر منقبة مجردة لا يترتب عليه حكم ما فلا ينبني عليه تصويب ذي خطأ ولا تبرير ذي اثم ولا يعارض بها صحيح ولاحسن ونحوه ولا يخصص بها عام ولا يقيد بها مطلق فأحتجاج انصار معاوية بها نفخ في رماد. (نعم) جاء في حق معاوية حديث غريب اخرجه الترمذي في الجامع وحسنه عن عبدالرحمن بن ابي عميرة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وذكر معاوية اللهم اجعله هاديا مهدايا واهده واهدبه ومنتهى سندهذا الحديث عبدالرحمن بن ابي عميرة وقد قال ابن عبد البر حديثه مضطرب لا يثبت في الصحابة وهو شامي ومنهم من يوقف حديثه هذا ولا يرفعه ولا يصح مرفوعا عندهم (انتهى) وقال: سعيد بن عبد العزيز اختلط في آخر عمره. قلت قد علمت ما في هذا الحديث من الاعلان وان تحسين الترمذي انما هو تحسين الاسناد إلى عبدالرحمن بن ابي عميرة وهو كذلك لكن قد علمت ان سحبة عبدالرحمن لم تثبت فيكون الحديث حينئذ مرسلا وعلى التنزل وفرض رفعه وصحته فمحصل مفاده ان النبي دعا له ان يكون هاديا مهديا ونحن نقول ان دعاء النبي صلى الله عليه وآله مستجاب عند الله اللهم الا ما صرح أو اشار هو صلى الله عليه وآله بعدم استجابته كأستغفاره للمنافقين وغيره وهذا الدعاء من هذا القبيل إذ لم يظهر من افعال معاوية الا ما يدل على انه ضال مضل وليس هاديا مهديا كما تشهد به سيرته واعماله الفظيعة الواصلة الينا بالتواتر. وهاهنا دلالة على عدم استجابة الله هذه الدعوة لمعاوية لو فرضنا صحة الحديث من حديث صحيح اخرجه مسلم عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي ان لا يهلك امتي بالسنة فأعطانيها و سألته ان لا يهلك امتي بالغرق فأعطانيها وسألته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها تعرف بهذا الحديث وغيره شدة حرصه صلى الله عليه
---(1/200)
[ 201 ]
وآله وسلم على ان يكون السلم دالمابين امته فدعا الله تارة ان لا يكون بأس امته بينهم كما في حديث مسلم وتارة ان يجعل معاوية هاديا مهديا لانه بلا ريب يعلم ان معاوية اكبر من يبغي ويجعل بأس الامة بينها فمآل الدعوتين واحد وعدم الاجابة في حديث مسلم تستلزم عدمها في حديث الترمذي والمناسبة بل التلازم بينهما واضح بين وفي معني حديث مسلم هذا جاءت احاديث كثيرة ومرجعها واحد. ومما ورد فيه من ضعاف الاحاديث ما اخرجه ابن ابي شيبة عن معاوية انه قال: ما زلت اطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ملكت فأحسن وقد عرفت ضعف هذا الحديث وعلى فرض صحته فلا منقبة فيه لمعاوية لان الله سبحانه وتعالى قد اطلع نبيه على ما سيجري بين امته من الفتن والحروب وقد اخبر عنها بما اخبر واشار إلى ما اشار وفي هذا الحديث اشارة إلى ان معاوية سيملك وقد صرح في احاديث صحيحة بأن ملكه ملك عضوض وقد امره بالاحسان إذا ملك حيث لا سامع ولا مؤتمر وليس ذلك من قبيل البشارة والغبطة بملكه بل من باب الاخبار بالمغيبات والانذار بالفتنة واقامة الحجة عليه بتبليغه. وهذا الاخبار لا يستلزم حقية فان النبي صلى الله عليه وآله قد اخبر عن امور كثيرة من هذا القبيل كفتن الخوارج وان بني مروان ينزون على منبره كما تنزوا القردة وقد اخبر موسى عليه والسلام بما ملك بختنصر الحبار الكافر وما سرتكبه من بني اسرائيل فيكون الاخبار بهذه الامور دليل على حقيتها لا يقول بهذا احد ولكن انصار معاوية يتشبثون في تزكيته بمثل خيوط العناكب ضعفا ويلوون رؤوسهم عما ثبت فيه من المثالب الا تراهم كيف تبجحون بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ان عكرمة اخبره ان معاوية يوتر بركعة فقال ابن عباس دعه فانه فقيه قالوا ان الفقيه في عرف ذلك الزمن
---(1/201)