[ 15 ]
والطهر واولئك هم الاصحاب حقا وفازوا بشرف الصحبة رضي الله عنهم ورضوا عنه. وكم كنت اود لو ان المؤلف توسع في حديثه واتسع غرباله لجميع الصحابة وهذا الذي نأخذه على المؤلف فقد تساهل هنا وكان حق له ان لا يتساهل وكل حق له ان يعمل على تنقية الصحابة ولكن اظن ان قلمه لم يكن ليقوى على تحمل هذه المسئولية العظمى، ولعل في الغربلة التامة ما يحرجه ولكن. ولكن الحقيقة لا تعرف المراعاة. وليس بأمكان هذا التقديم ان يتسع للكلام في هذا الموضوع المتباعد الاطراف فأنه يحتاج إلى عشرات المئات من الصحائف. ومهما يكن من شئ فان الكتاب أستوفى موضوعه حق الاستيفاء. ولا ينافيه ان أخذنا عليه انه لم يعط المسألة حقها من جميع نواحيها ليكون الكتاب عاما شاملا والمصنف منفرد عن قومه بطريقه منصف في ما أراد ان يكتب فيه ما شاء له الانصاف عادل ما شاء له العدل ولا نفهم انصافه وعدله الا إذا درسنا معه المقياس الذي اتخذه وسيلة للوصول إلى الحق في بحثه وإذا أعرض المعرضون عن هذا المقياس وأبوالا أن تكون الصحبة وحدها هي المقياس فقد ضاعت الحقيقة. وأختم كلمتي هذه راجعا إلى ما ذكرته آنفا فأقول لو ان المؤلف سار مع المقاييس والمعايير التي سار عليها في مؤلفه هذا مع جميع الصحابة ليكون بحثه اتم واشمل ولكن له عذره عندنا فلعله لم يردان يعرض في كتابه نقدا له تفاصيله وله افاته فأذن لابد له ان يقف عند هذه النقطة الحساسة فقط. وأحسب اننا بعد التسليم له بهذا لسنا في حاجة إلى ان نناقشه فيما لم يرده أو أراده ولكن لم تسمح له به ظروفه والبيئة التي يعيش فيها.
---(1/15)
[ 17 ]
لعن معاوية من الاثم أم لا
---(1/17)
[ 19 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الراشدين وتابعيهم بأحسان إلى يوم الدين. أما بعد فاني قد اطلعت على سؤال صورته: سيدي قال لي أحد العلماء ان من يلعن معاوية أقل خطرا ممن يترضى عنه فهل هو مصيب في ذلك أم مخطئ افيدونا ؟ وقد أجابه أحد العلماء بأنه مخطئ بلاشبهة وأطال في جوابه من الاستدلال والنقل بما لا تقوم به الحجة (وحيث) اني أرى الحق مع العالم الاول وأرى ان هذا المجيب قد استعجل في أمر كان له فيه أناة لم يسعني الا أن اكتب هنا ما علمته وتحققته في هذه المسألة هربا من الوعيد الوارد في قول الله تعالى ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون الا الذين تابو وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وانا التواب الرحيم وفي قوله عزو جل ان الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا اولئك ما يأكلون في بطونهم الا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم وفي قوله جل وعلا واذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه وفي قول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام من كتم عملا عن أهله الجم يوم القيمة لجاما من نار إلى غير ذلك. وأرجو ان يعيد ذلك المجيب الفاضل النظر فيما قاله إذ لاريب في ان
---(1/19)
[ 20 ]
الحق ضالته وضالتي وقد استحسنت أن آتي على المسألة بحذافيرها وابين أدلتها وما يتفرع عنها في هذه العجالة وسيأتي في مطاوى فصولها ما هو كالجواب على ادلة ذلك العالم الفاضل. وها أنا شارع بعون الله في تحليل المسألة المسؤول عنها وتقرير حكمها تقريرا واضحا يهتدي به ان شاء الله من أطرح التعصب الذميم جانبا ويستبصر به من كان في معرفة الحق راغبا ويجد به المنصف ضالته المنشودة ويظفر منه الطالب بطلبته المفقودة فأقول اعلم وفقني الله واياك ان الخطر هو الاشرفا على الهلاك وهو هنا الاثم الموجب للعقاب واللعن هو الطرد والابعاد ولعنه الله طرده وابعده والدعاء به على المسلم ممنوع الا من اتصف بصفة استحق بها ذلك وسنورد فيما بعد كثيرا منها جاء به الكتاب والسنة. فينبغي لنا الآن ان نعرف ان لعن معاوية هل هو من الاثم الذي يحصل بار اتكابه الخطر على اللاعن كما ذكر في السؤال ام لا ؟ وان الترضى عن معاوية وتسويده المستعملين شعارا للتعظيم كما يترضى عن الشيخين وغيرهما من الاكابر عند ذكره موجب للاثم المحصل للخطر ام لا وليس لنا ان نحكم في شئ منهما الا بدليل لان الحكم بغير دليل تحكم في دين الله والعياذ بالله تعالى قال الله تعالى ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ولا دليل الا فيما جاء عن الله على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كتاب أو سنة أو اجماع صحيح مستند إلى الكتاب أو السنة أو قياس صحيح مستنبط من أحدهما وكل دليل لا يرجع إلى ما تقدم فمردود لا يعتد به مضروب به في وجه صاحبه كائنا من كان. وإذا استقرينا ادلة جواز لعن معاوية الآتية من الكتاب والسنة مع ما يتعلق بها ويفسرها من فعل اكابر الصحابة وأهل البيت الطاهر وجدناها اقوى بكثير من ادلة جواز تعظيمه بالترضى عنه وتسويده كما تسود الاكابر
---(1/20)
[ 21 ]
ويترضى عنهم بل لا ادلة على جواز تعظيمه والترضى عنه في الحقيقة وانما هي تمحلات وتأويلات ستعرفها مما يأتي ومنها يعلم ان الاشراف على الهلاك يلعن معاوية اقل منه بالترضى عنه وتسويده بل لاخطر في لعنه اصلا واليك التفصيل -. المسلمون في معاوية ثلاث فرق فنقول: المسلمون في كبير الفئة الباغية ورئيس النواضب معاوية ثلاث فرق: (فرقة) حكموا بفسقه واوجبوا بغضه في الله و اجازوا لعنه ومنعوا من تسويده والترضى ى عنه تعظيما له واجلالا وهم أهل الحق و الهدى ورئيسهم الاكبر يعسوب الدين وامير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده. (وفرقة) ثانية آنست من الحق جانبا وادركت من شعاع الحقيقة وميضا وعرفت معاوية وفظاعة شأنه وعظيم طغيانه وفاحش عصيانه ولكن قامت لديهم شبه زخرفها متقدموهم ونمقها سابقوهم فأحجموا بسببها عن تفسيقه واعلان بغضه ولم يجيزوا لانفسهم ما اجازته الفرقة الاولى زاعمين ان السلامة في المسألة والنجاة في الاحتياط وجمدوا على ذلك وقعدوا عن الاجتهاد والبحث في احقاق الحق وابطال الباطل وهذه الفرقة المرجو لها ان شاء الله الرجوع إلى الصواب والتنكب عن مسالك الخطأ إذا انقشع بالبحث غبار الشبه التي قامت لديهم وأزيح ستار التمويه الملتبس عليهم لاسيما إذا استحضروا قول الله تبارك وتعالى ن" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليا ". (وفرقة) ثالثة اطروه بما ليس فيه والبسوه غير لباسه ووضعوا الاحاديث
---(1/21)