[ 192 ]
عليه في ذلك الصلح كما ستعرفه مما يأتي كأنه لم يسمع قول الله تعالى فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ولم يبال بقوله جل جلاله والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار. ولنسرد ملخص قضية الصلح من فتح الباري شرح صحيح البخاري ومن تاريخ ابي جعفر الطبري ومن الكامل لابن الاثير وغيرها لتعلم ما ألجأ الامام الحسن عليه السلام إلى ذلك الصلح وما نكث معاوية من عهوده. قالوا كان أمير المؤمنين علي عليه السلام قد بايعه اربعون الفا من عسكره على الموت لما ظهر ماكان يخبرهم به عن اهل الشام فبينما هو يتجهز للمسير قتل عليه السلام وإذا اراد الله امرا فلا مرد له فلما قتل وبايع الناس الحسن ابن علي بلغه مسير معاوية في اهل الشام إليه فتجهز هو والجيش الذين كانوا بايعوا اباه وساروا من الكوفة إلى لقاء معاوية وجعل قيس بن سعد بن عبادة على مقدمته في اثنى عشر الفا فلما نزل الحسن المدائن نادى مناد في العسكر الا ان قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا بسرادق الحسن فنهبوا متاعه حتى نازعوه بساطا كان تحته وطعن بخنجر في بطنه فازداد لهم بغضا ومنهم ذعرا ودخل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان الامير على المدائن سعد بن مسعود الثقفي عنم المختار بن ابي عبيد فقال له المختار وهو شاب هل لك في الغنى والشرف قال وما ذاك قال تستوثق من الحسن وتستأمن به إلى معاوية فقال له عمه عليك لعنة الله اثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله واوثقه بئس الرجل انت وعلم الحسن انه لن تغلب احدى الفئتين حتى يذهب اكثر الاخرى فكتب إلى معاوية يخبره انه يصير الامر إليه على شروط يشترطها فرضى معاوية بعد مراجعة في بعضها ثم تصالحا على ان تسلم إلى معاوية ولاية المسلمين على ان يعمل فيها بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسيرة الخلفاء
---(1/192)


[ 193 ]
الراشدين المهديين وليس لمعاوية بن ابي سفيان ان يعهد الى احد من بعهده عهدا بل يكون الامر من بعده شورى بين المسلمين وعلى ان الناس آمنون حيث كانوا من ارض الله تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم وعلى ان اصحاب علي وشيعته آمنون على انفسهم واموالهم واولادهم ونسائهم حيث كانوا لا يطلب احد منهم بشئ كان في ايام علي وان لا يبتغي للحسن ابن علي ولا لاخيه الحسين ولا لاحد من اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله غائلة سرا ولا جهرا ولا يخيف احدا منهم في افق من الآفاق على معاوية بذلك عهد الله وميثاقه وكفى بالله شهيدا وزاد ابن الاثير انه يعطيه ما في بيت مال الكوفة وخراج دارا بجرد من فارس ليرضى بذلك من لا يرضيه الا المال وان لا يشتم عليا فاجابه إلى ذلك كله الا شتم علي فانه التزم ان لا يشتمه والحسن يسمع والا انه قال اما عشرة انفس فلا أو منهم فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول اني قد آليت اني متى ظفرت بقيس بن سعد ان اقطع لسانه ويده فراجعه الحسن اني لاابايعك ابدا وانت تطلب قيسا أو غيره بتبعة قلت أو كثرت فبعث إليه معاوية برق ابيض وقال اكتب ما شئت وانا التزمه ثم اعطاه معاوية عهدا بذلك واصطلحا (اتنهى) وتحقق بذلك الصلح قوله عليه واله الصلاة والسلام مما اخرجه الحاكم ما اختلفت امة بعد نبيها الاظهر باطلها على حقها قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ثم لم يف معاوية بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله ونقض الميثاق بانه لا يعهد إلى احد من بعده فعهد بالخلافة لابنه السكير الخمير ولم يترك شتم علي حتى والحسن والحسين وسلط عليهما عامله ومروان بالمدينة يجرعهما ما يجرعهما من الاذى وحتى قتل الحسن بالسم كما مر ذكره ولم يف له بخراج دارا بجرد فان اهل البصرة منعوه عنه وقالوا فيئنا ولا نعطيه احدا وكان منعهم بامر معاوية ايضا قال رسول الله صلى الله عليه وآله من اثناء حديث اخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله
---(1/193)


[ 194 ]
عنهما الا انه لا ايمان لمن لا امانة له ولادين لمن لا عهد له ومن نكث ذمة الله طلبه ومن نكث ذمتي خاصمته ومن خاصمته فلجت عليه ومن نكث ذمتي لم ينل شفاعتي ولم يرد علي الحوض وروى ابو الحسن المدائني قال: خرج على معاوية قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفة وصلح الحسن فأرسل إلى الحسن عليه السلام يسأله ان يخرج فيقاتل الخوارج فقال الحسن سبحان الله تركت قتالك وهو لي حلال لصلاح الامة والفتهم افتراني اقاتل معك فخطب معاوية اهل الكوفة يا اهل الكوفة اتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت انكم تصلون وتركزون وتحجون ولكني قاتلتكم لا أتأمر عليكم والي رقابكم وقد اتاني الله ذلك وانتم كارهون الا ان كل مال أو دم اصبت في هذه الفتنة مطلول وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين ولا يصلح الناس إلى ثلاث اخراج العطاء عند محله واقفال الجنود لوقتها وغزو العدو في داره فان لم تغزوهم غزوكم ثم نزل. اتنهى. وزاد ابو اسحق السبيعي انه قال: في خطبته الا ان كل شئ اعطيت الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا افي به وكان عبدالرحمن بن شريك إذا حدث بذلك يقول هذا والله هو التهتك. قالوا ولما تم الصلح وبايع اهل الكوفة معاوية التمس من الحسن ان يتكلم بجمع من الناس ويعلمهم انه قد بايع معاوية وسلم الامر إليه (فأجابه) إلى ذلى فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وقال: يا أيها الناس ان اكيس الكيس التقى واحمق الحمق الفجور إلى أن قال وقد علمتم ان الله تعالى جل ذكره وعز اسمه هداكم بجدي وانقذكم به من الضلالة وخلصكم به من الجهالة واعزكم به بعد الذلة وكثركم به بعد القلة ان معاوية نازعني حقا هو لي دونه فنظرت اصلاح الامة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على ان تسألموا من سالمني وتحاربوا من حاربني فرأيت
---(1/194)


[ 195 ]
ان اسالم معاوية واضع الحرب بيني وبينه وقد بايعته ورأيت ان حقن الدماء خير من سفكها ولم ارد بذلك الا صلاحكم وبقاءكم وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. وكتب الحسن عليه السلام إلى قيس بن سعد وهو على مقدمته في اثنى عشر الفا يأمره بالدخول في طاعة معاوية فقام قيس في الناس فقال ايها الناس اختار والدخول في طاعة امام ضلالة أو القتال من غير امام فقال بعضهم بل نختار الدخول في طاعة امام ضلالة فبايعوا معاوية ايضا وانصرف قيس فيمن تبعه وامروا قيسا وتعاقدوا على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة علي ولمن كان معه على دمائهم واموالهم فأعطاهم معاوية عهدا بذلك واصطلحوا ولما استقر الامر لمعاوية دخل عليه سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه فقال السلام عليك ايها الملك فضحك معاوية وقال ما كان عليك يا ابا اسحق لو قلت يا امير المؤمنين فقال اتقولها جذلان ضاحكا والله ما احب اني وليتها بما وليتها به. وبلغ المغيرة بن شعبة ان معين بن عبدالله يريد الخروج فأرسل إليه وعنده جماعة فأخذ وحبس وبعث المغيرة إلى معاوية يخبره بأمره فكتب إليه ان شهد اني خليفة فخل سبيله فأحضره المغيرة فقال اتشهد ان معاوية خليفة وانه امير المؤمنين فقال اشهد ان الله عزو جل حق وان الساعة آتية لاريب فيها وان الله يبعث من في القبور فأمر بن فقتل (اتنهى من الكامل). واخرج ابن عبد البر عن عبدالرحمن بن ابي بكرة قال: وفدت مع ابي إلى معاوية اوفدنا إليه زياد فدخلنا على معاوية فقال حدثنا يا ابا بكرة فقال اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الخلافة ثلاثون ثم يكون الملك قال: فأمر بنا فوجئ في اقفائنا حتى اخرجنا. هذا هو ملخص قصة صلح الحسن عليه السلام مع معاوية وبها يتضح انه امام ضلالة كما قال قيس بن سعد وانه
---(1/195)


[ 196 ]
ملك من شر الملوك كما قال: سعد وسفينة وانه محدث متغلب بالسيف لم يأخذها عن تشاور ورضا حتى تكون حقا بل كان لا يقبل صلحا الا ان يستحل شتم علي وقطع لسان قيس ويده وقتل فلان وفلان ثم احدث الا حداث وغير وبدل وكل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها فأين الحقية التي يدعيها انصاره الذين لاغرض لهم الا نصرة مذهبهم وتعصبهم لاحزابهم ولو صدقوا لله لكان خبرا لهم اعاذنا الله تعالى مما ابتلاهم به وجعلنا ما عشنا من انصار الحق وحزبه امين. وزعم بعض انصار معاوية ان اجتماع الامة عليه بعد صلح الحسن عليه السلام اجماع منها والاجماع حجة وهذا مغالطة ومشاغبة فان الاجتماع غير الاجماع فالاجماع كما قال: الاصوليون هو اتفاق مجتهدي الامة جميعهم على أمر بدليل من الكتاب والسنة يستند المجموعون إليه فأي دليل هنا يوجد على حقية ولاية معاوية واي مجتهد صرح بها اللهم الا ان يكون عمرا والمغيرة وسمرة وزياد أو امثالهم ممن ليس لهم في الدين قدم ولاقدم اما اهل الفضل والعلم والدين فقد صرح اكثرهم كما قدمنا بأنه متغلب بالسيف واثب عليها بغير استحقاق وقد اكره كثير منهم على البيعة له وعذب من عذب وقتل من قتل على الامتناع عنها (واما) الاجتماع عليه بغير استحقاق فواقع وقد وعد به رسول الله صلى الله عليه وآله على جهة الاخبار بما سيصيب الامة من الفتنة (فقد اخرج) نعيم بن حماد في الفتن عن سفيان قال: اتيت الحسن بن علي بعد رجوعه إلى المدينة فقلت يا مذل المسلمين فكان مما احتج به علي ان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لا تذهب الايام والليالي حتى يجتمع امر هذه الامة على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع وهو معاوية فقلت ان أمر الله واقع (واخرج) أبو نعيم عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: إذا رأيتم الشام اجتمع امرها على ابن ابي سفيان فألحقوا بمكة.
---(1/196)

39 / 54
ع
En
A+
A-