[ 187 ]
تنبيه يجد القارئ في كثير من الكتب ولاسيما في مؤلفات الشيخ ابن حجر الهيثمي وعيدا شديدا وتهويلا عظيما وتهديدا مفزعا على كل من سب احدا من الصحابة أو ابغضه أو تنقصه وتجد في ضمن ذلك سردهم للآيات القرآنية والاحاديث النبوية والمقالات السلفية مما فيه ذكر فضل الصحابة رضي الله عنهم وبيان علو مقامهم يوهمون بذلك ان المراد بالصحابة في تلك الآيات والاحاديث هم من اجتمع بالنبي مؤمنا ومات على الايمان كما اصطلح عليه رواة الحديث ليدخلوا في تلك المرايا والفضائل من ليس من اهلها كمعاوية وعمرو وبسر والوليد والحكم واشباههم انتصارا لمذاهبهم وتبعا لمقلديهم ثم تراهم يرجمون كل من خالف ما قالوه واصطلحوا علية بالبدعة والضلالة والمروق من الدين وينذرونه بسوء العقبي ودعوى الويل والثبور شاع ذلك عنهم وكثر ودعوا إليه الناس ورغبوهم في الانضمام إليهم والاتباع لهم ظانين ان ذلك نصيحة في الدين وحرصا على حفظ حرمة سيد المرسلين. ونحن نقول سمعا سمعا لكل ما جاء عن الله تعالى وعن رسول عليه افضل الصلاة والسلام وعن الاجلة من اصحابه وعلماء امته رضي الله عنهم من تعظيم اصحابه عليه وآله افضل الصلاة والسلام وتوقيرهم والاقرار بما لهم من الفضل ومعرفة مالهم من الحقوق على الامة في مؤازره الرسول صلى الله عليه وآله ونصرة الدين وتبليغه إلى من بعدهم من الامة غير انا لانكتال اقوال اولئك المؤلفين جزافا كما كالوا ولا نرسل الكلام على عواهنه كما ارسلوه ولا نسبك الطيب والخبيث في قالب واحد كما صنعوا ولا نخلط الحابل بالنابل كما فعلوا ولا نغرر الناس بأيراد الخاص من الادلة في موارد العام واجراء
---(1/187)
[ 188 ]
المقيد بمجرى المطلق فيمتزج الحق بالباطل والصحيح بالفاسد بل نعطي كل آية من كتاب الله تعالى وكل حديث من احاديث رسوله صلى الله عليه وآله حقه من الفحص في مدلولاته وبيان مجمله وتحقيق عمومه وخصوصه وتفسير ما مصاديقه وتتبع اسباب نزوله أو وروده ثم نعامل كلامن اصحابه عليه الصلاة والسلام بما حكمت تلك الدلائل من رفع أو خفض ومودة أو رفض اذعانا لحكم الله تعالى وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام فما ورد في حق واحد بعينه لانشرك فيه سواه وما ورد في حق المهاجرين والانصار لا نوجبه لغيرهم وما جاء في حق السابقين الاولين لا بحكم به للطلقاء وامثالهم وما بلغنا في حق المجاهدين لانثبته للقاعدين وما اختص به المنفقون لا يناله الممسكون وهلم جرا. على انا نعتقد ان للباقين منهم شرفا باهرا وشأنا عظيما برؤيته صلى الله عليه وآله وسلم ومجالسته والصلاة خلفه فكلهم نحترم وجميعهم نعظم لا نستثني منهم الا من استثناه الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام لارتكابه ما يحبط فضيلة الصحبه ويسقطه عن شرف تلك الرتبة كالردة والنفاق والمروق من الدين والقسط وارتكاب احداث السوء مع الاصرار على ما ارتكبوا ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط اعمالهم جاءتنا بذلك آيات واحاديث ظاهرة المعنى واضحة الدلالة ذكرنا منها جملة صالحة منتفرقة في هذه الرسالة نصدق الله تعالى فيها ونمتثل امره وننقاد صاغرين لحكمه لا نعارضه جل شأنه ولا نعترض علهى في شئ منها ولانشوه وجوه المعاني بالتأويلات البعيدة ولا نجنح إلى ما يوافق هو انا بتحويلها إلى ما يبعد احتماله يسمج تفسيره ولا تأخذنا لومة لائم في قول الحق. ولا ترعنا صيحة باطل عن الجهر بالصدق ولا يرهبنا غضب الحمقى من المتعصبين ولا يخيفنا قدح السفهاء من المقلدين أو ليس قد قيل لافضل من
---(1/188)
[ 189 ]
يتأسى به المؤمنون يا ايها الذين نزل عليه الذكر انك لمجنون. وههنا نقول لطالب الحق لا يروعنك ما تراه من التهويل والارعادو الابراق في كتب اولئك المؤلفين مادام الحكم بينك وبينهم كتاب الله تعالى وسنة نبيه الصادق الامين فمنهما تعرف اي الفريقين احق بالامن ومنهما تجزم بأن الهدى والضلالة والسنة والبدعة ليست موقوفة على اقوالهم ولا ملازمة لتأويلاتهم وتمحلاتهم التي ينصرون بها اقوال المقلديهم بل الهدى هدي محمد وآله والسنة ما هو عليه واصحابه والضلالة والبدعة ما خالف حكم الكتاب العزيز وعارض احاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وما احسن ماقاله شيخنا السيد ابن شهاب في المعنى. تباينت المذاهب واستطالت * بها الاهواء واحتدم النزاع وضلل بعضهم بعضا وكل * إلى تبديع غيرهم سراع قصارى القوم نصر مقلديم * ومحض الحق بينهم مضاع إلى التأويل والتحريف لاذوا * فذا كذب يريك وذا خداع وخالوا ان في التمويه فوزا * وان الحق يشرى أو يباع لئن كان اقتفاء كتاب ربي * وسنة مصطفاه والاتباع ضلالا وابتداعا ان ديني * وان رغموا ضلال وابتداع الشبهة الثانية صلح معاوية مع الامام الحسن بن علي عليهما السلام وبيعة الحسن له واجتماع الطائفتين على بيعته حتى ادعى انصاره انه صار بذلك الصلح وتلك البيعة خليفة حق وامام صدق وانه واجب الطاعة على الكافة وقد اطال الشيخ ابن حجر الهيثمي سامحه الله وتجاوز عنه بمثل هذا الهذر والاستدلال السقيم والاستنتاج العقيم على هذه الدعاوي في كتابيه السابق ذكرهما.
---(1/189)
[ 190 ]
والحق ان معاوية متغلب بالسيف على الشوكة والحكم فاسق بوثوبه على مالا حق له فيه جائر في احكامه مستحق بصنيعه المقت والعقاب الشديد كما وعد الله عزوجل وهو اول الملوك المتغلبين في الاسلام وان تسليم الحسن عليه السلام الامر إليه غير مبرر له لانه لم يسلمه الا مضطرا صونا لدماء المسلمين واخذا باخف الضررين واهون الشرين علما منه ان معاوية مصر على القتال وسفك الدماء فكان من رأيه تسليم الامر وحقن دماء المسلمين وتحقق بذلك قول جده صلى الله عليه واله وسلم ان ابني هذا سيد ولعل الله ان يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فالحسن عليه السلام مثاب بهذا الصلح مصيب فيه ومعاوية مخطئ معاقب عليه ممقوت به ولاكرامه. اخرج احمد في مسنده وابو يعلى والترمذي وابن حبان وابو داود والحاكم عن سفينة وغيره حديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك واخرجه أبو نعيم في الفتن والبيهقي في الدلائل وكثيرون عن حذيفة وغيره ولفظه ثم يكون ملكا عضوضا قال العلماء انتهت الثلاثون سنة بعده صلى الله عليه واله وسلم بخلافة الحسن بن علي عليهما السلام والحديث صريح في الدلالة على الحكم بحقية الخلافة عنه صلى الله عليه واله وسلم في هذه المدة دون ما بعدها فانه ملك عضوض. فقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق في خلافة ابي بكر رضي الله عنه أي يصيب الناس فيه ظلم وعسف كأنهم يعضون عضا والعجب منه كيف ناقض نسه في خاتمة الكتاب بقوله ان معاوية خليفة حق وامام صدق مع اعترافه بالصواب اول الكتاب ولكنه الذهول والنسيان. واخرج ابن ابي شيبة عن سعد بن جمهان قال قلت لسفينة ان بني امية يزعمون ان الخلافة فيهم فقال كذب بنو الزقاء انهم ملوك من شر الملوك واول الملوك معاوية (واخرج) ابن سعيد عن عبدالرحمن بن ابرى عن عمر
---(1/190)
[ 191 ]
رضي الله عنه انه قال هذا الامر في اهل بدر ما بقي منهم احد ثم في اهل احد ما بقي منهم احد وفي كذا وكذا ليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ. افبعد هذا يقال ان معاوية خليفة حق وامام صدق لاحول ولا قوة الا بالله يكذب رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله ملكا عضوضا وانه من شر الملوك ويصدق انصار معاوية في قولهم خليفة حق وامام صدق الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق اللهم انا نبرأ اليك من صنيع كهذا ونسألك الثبات على تصديق ما جاء به نبيك ورسولك. وقد انكر بعض المشاغبين نسبة الحكم الواحد إلى حق وباطل وهما ضدان لا يجتمعان ولم يدر الغبي ان النسبتين مختلفتا الجهة فلا منع كيف ولهذا نظائر لاتخفى على من له يسير المام بسيرته عليه واله الصلاة والسلام فقد صالح صلى الله عليه واله وسلم كفار قريش يوم الحديبية على ان يرجع إلى المدينة هو واصحابه ولا حجة ولاعمرة وعلى ان يرد إلى الكفار من جاءه منهم مسلما وان لايدخل مكة في القابل الا ثلاثة ايام بسلاح المسافر فقط ولم يرضوا مع هذا بكتابة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله فمحاها من الكتاب بيده الشريفة وابدلت بمحمد بن عبدالله الم يكن هذا الصلح حقا من جانب النبي صلى الله عليه وآله وباطل من جهة كفار قريش. وكذلك صالح النبي صلى الله عليه وآله عيينة والاقرع على ان يعطيهما ثلث ثمار المدينة ان رجعا بمن معهما عن مساعدة ابي سفيان والاحزاب لو لا ان سعدا اشار على النبي صلى الله عليه وآله ان لا يبرمه ان لم يكن وحيا فاستحسن النبي رأيه ولم يبرمه اولم يكن هذا حقا من جهة النبي وباطلا من الجهة الاخرى فكذلك صلح الحسن عليه السلام فهو حق من جهته باطل من جهة معاوية فمعاوية مخطئ متغلب آثم بلا ريب ومع ذلك فانه نكث ونقض اكثر ما عاهد الله
---(1/191)