[ 177 ]
انبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم اعد الله الجنات للسابقين الاولين من المهاجرين والانصار ورضى عنهم كما اخبر وللذين اتبعوهم باحسان اترى معاوية واتباعه من المتبعين بالاحسان لا والله بل سلكوا سبيلا معاكسا لما سلكه السابقون وركبوا متن طرق البغي والجور والضلالة. سارت مشرقة وسرت مغربا * شتان بين مشرق ومغرب ومنها قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه هؤلاء هم اهل الصفة رضي الله عنهم وليس منهم ذلك الطاغية ولا احد من انصاره كما اجمع على ذلك اهل التفسير اخرج البيهقي في شعب الايمان وابن مردوية وابو نعيم في الحلية عن سلمان قال جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله عيينة بن بدر والاقرع بن حابس فقالوا يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وتغيبت عن هؤلاء وارواح جبابهم يعنون سلمان وابا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف جالسناك وحدثناك واخذنا عنك فانزل الله تعالى اتل ما اوحي اليك من كتاب ربك إلى قوله اعتدنا للظالمين نارا. يهددهم بالنار واخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن عبدالرحمن بن سهل ابن حنيف قال نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في بعض ابياته واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي فخرج يلتمسهم فوجد قوما يذكرون الله فيهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد فلما رآهم جلس معهم وقال الحمد لله الذي جعل في امتي من امرني ان أصبر نفسي معهم. (ومنها) قوله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة الآية هؤلاء هم اهل بيعة الرضوان اختصهم الله تعالى برضاه حين بايعوا رسول الله تحت الشجرة على الموت في قتال ابي سفيان ومعاوية ومن
---(1/177)
[ 178 ]
معهما من كفار قريش وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لايدخل النار احد بايع تحت الشجرة. (ومنها) قوله تعالى للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله اولئك هم الصادقون والذين تبؤوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولا خواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤف رحيم. يشهد الله وملائكته والمؤمنون ان معاوية وانصاره ليسوا من الذين جاؤا من بعد يستغفرون لسابقيهم بل جاء معاوية بسب اول المهاجرين اسلاما واقربهم قرابة إلى النبي صلى الله عليه وآله ويلعنه واهل بيته على المنابر وقتاله وبغيه علي الله وعلى رسوله عاش هو وابوه وبنوه حربا لله تعالى ولرسوله واهل بيته عاملهم الله بما يستحقون. (ومنها) قوله تعالى محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيما هم في وجوههم من اثر السجود إلى ان قال جل وعلا وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجر عظيما وصف الله اصحاب رسوله بشدتهم على الكفار والتزاحم بينهم وبكثرة الركوع والسجود ابتغاء فضل الله ورضوانه ثم ودعهم إذ ذاك بالمغفرة والاجر العظيم وهذا كله فيمن اسلم قبل صلح الحديبية لان الآية نزلت عقيبة كما ذكره المفسرون ومعاوية وابوه وانصاره إذ ذاك يسجدون للات والعزى وهبل وهم الكفار الذين اغاظهم الله كما ذكر في الآية بأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وماذا يغني من اورد هذه الآية في فضائل كل
---(1/178)
[ 179 ]
من سماه المحدثون صحابيا مدعيا عموم قوله تعالى والذين معه حتى يدخل طاغية الاسلام وحزبه في هذا العموم وهيهات هيهات. (ومنها) قوله عزوجل لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسره من بعدما كاد تزبغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم انه بهم رؤف رحيم. ما ادعى أحد ان معاوية من المهاجرين ولامن الانصار فلا مدخل له في توبة الله عليهم وان كان من جيش العسرة فان التوبة وقعت للمهاجرين والانصار فحسب. (ومنها) قوله عزوجل لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل اولئك اعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير. كلا الطائفتين المقاتلتين موعود من الله بالحسنى ولا ريب في ان النار محرمة على كل من سبقت له لان الله جل جلاله يقول ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون ومعاوية لم يكن ممن انفق وقاتل لا قبل الفتح ولا بعده فلا نصيب له من ذلك الوعد بالحسنى وحضوره ان صح مع النبي في غزوة تبوك لا يفيد دخوله في الطائفة الثانية لانه لم يقع في تلك الغزوة قتال اصلا اما دعوى من ادعى ان التقييد بالانفاق والقتال في هذه الآية وتقييد الاتباع بأحسان في الاخرى لا مفهوم له ولا يخرج به من لم تكن له هذه الصفات فدعوى ساقطة وتلاعب بمعاني كلام الله ومكابرة وعناد للحق افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا (واما) الاحاديث فمنها ما اخرجه الشيطان وغيرهما عن ابي سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شئ فسبه خالد فقال النبي صلى الله عليه وآله لاتسبوا اصحابي فلو ان احدكم انفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه (قال) الحافظ بن حجر وغيره
---(1/179)
[ 180 ]
من شراح الحديث فيه اشعار بأن المراد بقوله اصحابي اصحاب مخصوصون لان الخطاب كان لخالد ومن معه من باقي الصحابة وقد قال لو ان احدكم انفق وهذا كقوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل (وبمثل) هذا اللفظ جاءت احاديث كثيرة وكلها تشير ان المراد منها اصحاب مخصوصون بل لا يمكن حملها على العموم والشمول فلا نطيل بذكرها ولاخفاء في ان الطاغية في معزل بعيد عن ما يترتب عليها من الفضل (1). (ومنها) ما اخرجه المحاملي. والطبراني والحاكم عن عويمر بن ساعدة رضي الله عنه انه صلى الله عليه وآله قال ان الله اختارني واختار لي اصحابا فجعل لي منهم وزراء وانصارا فمن سبهم فعلية لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا لاريب في ان الاصحاب والاصهار في الحديث إذا فرضت صحته هم اصحاب واصهار مخصوصون وليس المراد الصحبه بالمعنى اللغوى إذ لو كانت مرادة لدخل فيها كثير من المنافقين واهل الكبائر ولدخل في الاصهار حيي بن اخطب وغيرهم من المشركين والفسقة وانما المراد بالاصحاب كما في الاصحاب الاخرى من نصره ووازره وجاهد معه واتبعه باحسان كما ان
---
(1) مما يؤكد ان المقصود بالاصحاب حيث ذكروا في الاغلب الاحاديث هم الاصحاب مخصوصون كما اقتضاه العرف العام ما رواه ابن بابويه في كتاب عيون اخبار الامام علي الرضا بن موسى الكاظم رضي الله عنهما اخرج بأسناده احمد بن محمد الطالقاني قال: حدثني ابي قال حلف رجل في خراسان بالطلاق ان معاوية ليس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في ايام علي الرضا رضي الله عنه فافتى الفقهاء بطلاقها فسئل الرضا فافتى انها لا تطلق فكتب الفقهاء رقعة فانقذوها إليه وقالوا من اين قلت يابن رسول الله انها لم تطلق فوقع في رقعتهم قلت هذا من روايتكم عن ابي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لمسلمة الفتح وقد كثروا عليه انتم خبرة واصحابي خبرة ولا هجرة بعد الفتح فأبطل الهجرة ولم يجعل هؤلاء اصحابا له قال: فرجعوا إلى قوله (انتهى). (*)
---(1/180)
[ 181 ]
المراد بالاصهار الخلفاء الاربعة ومن قاربهم لاحيي ومعاوية وابوه وزمعة ومن شاكلهم ولفظ الاختيار في الحديث في مشعر بهذا المعنى واول من يصدق وينطبق عليه وعيد هذا الحديث هو معاوية وعمرو واعوانهما لانهما اول من فتح باب السب واعلنه فقدسبا اول الاصحاب اسلاما واشرفهم مصاهرة واقواهم موازرة وسبا ايضا معه الحسن والحسين وابن عباس وعمارا وسعد وقيس بن سعد وغيرهم ومن سب أو لعن هؤلاء فعلية لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. ومنها ما اخرجه البزار عن سلام بن سليم قال: حدثنا الحرث بن غصين عن الاعمش عن ابي سفيان عن جابر قال: قال رسول صلى الله عليه وآله اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم (قال) ابن عبد البر هذا اسناد لا تقوم به حجة لان الحرث بن غصين مجهول وقال: ايضا عن محمد بن ايوب الرقى قال: قال لنا ابو بكر احمد بن عمر بن عبد الخالق البزار سألتهم عن ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله مما في ايدي العامة يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: انما مثل اصحابي كمثل النجوم أو اصحابي كالنجوم فبأيها اقتدوا اهتدوا قالوا هذا الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وربما رواه عبدالرحيم عن ابيه عن ابن عمرو انما ضعف هذا الحديث من قبل عبدالرحيم بن زيد لان اهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه والكلام ايضا منكر عن النبي صلى الله عليه وآله وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله بأسناد صحيح عيلكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين (1) بعدي فعضوا عليها بالنواجذ وهذا الكلام يعارض حديث عبدالرحيم لو ثبت فكيف ولم يثبث والنبي صلى الله عليه وآله لا يبيح الاختلاف بين اصحابه والله اعلم قال ابن عبد البر هذا آخر كلام البزار ثم قال قد روى ابن شهاب الخياط عن
---
(1) كون علي عليه السلام احد الخلفاء الراشدين لا يمتري فيه عالم فالاخذ بسنته مأمور به ومن سنته لعن معاوية واشياعه. (*)
---(1/181)