[ 172 ]
واما معارضته للاحاديث فقد قدمنا قريبا في تعريف الصحابي كثيرا منها تعرف منه وجوه المعارضة لما ذكروا فلا نطيل باعادته فارجع إليه وفقك الله على ان نقول لهم ان الصحابة انفسهم لا يدعون لانفسهم هذه المنزلة الني ادعاها بعض المحدثين لهم من العدالة العامة فيهم وهم اعرف بانفسهم وبمن عاصروه وعاشروه من هؤلاء الذين كادوا يتخذون الصحابة انبياء معصومين كيف وقد نقل عنهم وشاع وانتشر رد بعض منهم روايات البعض الآخر واتهامه في النقل وعدم قبول ما جاء به الا بعد تثبت شديد وتحر عظيم (وقد صح) عن علي كرم الله وجهه انه يقول ما حدثني احد بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله الا استحلفته وما استثنى احدا من المسلين الا ابا بكر. وقال كرم الله وجهه لعمر رضي الله عنه وقد افتاه الصحابة في مسألة واجمعوا عليها ان كانوا راقبوك فقد غشوك وان كان هذا جهد رأيهم فقد اخطأوا وقد صرح غير مرة بتكذيب ابي هريرة حتى قال مرة لا احد اكذب من هذا الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال عمر رضي الله عنه لما استأذنه
---
= وهو سكران فيتخذه طريقا ويسمر عنده ويشرب معه وعن ابن الاعرابي قال: اعطي والوليد ابا زبيد الطائي ما بين القصور الحمر من الشام ان القصور الحمر من الحيرة وجعله له حمى فلما عزل الوليد وولي سعيد انتزعها منه واخرجها عنه قال: ولما قدم سعيد بن العاص الكوفة موضع الوليد قال اغسلوا هذا المنبر فان الوليد كان رجسا نجسا فلم يصعده حتى غسل ومات الوليد فوق الرقة وبهامات ابو زبيد الطائي ودفنا في موضع واحد فقال في ذلك اشجع السلمى وقد مر بقبرهما. مررت على عظام ابي زبيد * وقد لاحت ببلقعة صلود وكان له الوليد نديم صدق * فنادم قبره قبر الوليد قال المسعودي وخطب الناس يوما وهو سكران فحصبه الناس بحصباء المسجد فدخل قصره يترنح ويتمثل بأبيات لتأبط شرا. ولست بعيدا من مدام وقينة * ولا بصفا صلد عن الخير معزل ولكنني اروي من الخمر هامتي * وامشي الملا بالساحب المتسلسل (*)
---(1/172)


[ 173 ]
الزبير في الغزو اني ممسك بباب هذا الشعب ان تتفرق اصحاب محمد في الناس فيضلوهم وقال في سعد بن عبادة سيد الأنصار رضي الله عنه افتلوا سعدا اقتلوه فانه منافق وقال لقد اكثر علينا ابو هريرة وطعن في روايته وشتم خالد بن الوليد وحكم بفسقه وخون عمرو بن العاص ومعاوية ونسبهما إلى سرقة مال الفئ. وقال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ماكنت ارى اني اعيش حتى يقول لي عثمان يا منافق وقال لو استقبلت من امرى ما استدبرت ما وليت عثمان شسع فعلي. وهذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها خرجت بقميص رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تقول ان هذا قميص رسول الله لم يبل وعثمان قد ابلى سنته وروى بعض الصحابة حديث الشؤم في ثلاثة فكذبته وروى بعضهم حديث التاجر فاجر فكذبته. وانكر العباس وعلى وفاطمة رضي الله عنهم حديث الصديق نحن معاشر الانبياء لا نورث وقالوا كيف كان النبي يعرف هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنا ونحن الورثة واولى الناس بان يؤدي هذا الحكم إليه. ولم يقبل سعد بن عبادة وكثير من الانصار حديث الصديق رضي الله عنه الائمة من قريش. وقيل لابن عباس رضي الله عنهما ان عبدالله بن الزبير يزعم ان موسى صاحب الخضر ليس موسى بني اسرائيل فقال كذب عدو الله. وكذب عروة بن الزبير وهو تابعي بن عباس وهو صحابي حين اخبر ان ابن عباس يقول ان النبي صلى الله عليه وآله اقام بمكة بعد البعثة ثلاثة عشرة ستة فقال كذب ابن عباس. وقد جاء امثال هذا عن كثر من الصحابة رضي الله عنهم مما لا يمكننا
---(1/173)


[ 174 ]
الا طالة بذكره فلو كانوا يعتقدون عدالة الكل كما قال هؤلاء لما ساغ لاحد منهم رد رواية الآخر بل يجب عليه قبولها والاذعان بما فيها وبالجملة فالقول بعموم التعديل مردود مهدوم بما تقدم ولم يبق بعد هذه النقول والايرادات لدى انقائلين به من حجة يدافعون بها عن هذه القاعدة التي اصطلحوا عليها الا ان يقول هذا لا يصح وهذا لم يثبت وان كان ثابتا وصحيحا في نفس لامر والله اعلم. وقد اهمل كثير من اهل الحديث واجب لتثبت في الرواية كما امر الله من جانب وتجاوزوا القدر المطلوب من التثبت من جانب آخر فتراهم يصححون ويقبلون بلا ادنى توقف رواية من اخبر الله عنه في كتابه انه فاسق كالوليد بن عقبة ومن اخبر النبي انه وزغ ملعون كالحكم ومن اخبر عنه انه في النار كسمرة ومن اخبر النبي انه داع إلى النار كمعاوية وعمرو وامثالهم. ثم تراهم يضعفون رواية من يقول فيه يحيى بن معين أو ابو حاتم أو ابن القطان أو ابن ابي خيثمة أو العجلي أو امثالهم لااعرفه اولا أحب حديثه أو في نفسي منه شئ أو كان يتشيع أو ربما كان يهم وأمثال هذا مما لا يثبت به جرح ولم يقم عليه دليل ولو كان من قيل فيه ما قاله احدهم من اصدق الناس واتقاهم درج على هذه طائفة وقبيل بعد قبيل داء عضال لا علاج له الا الابتهال إلى الله تعالى ان يجعلنا على بصيرة من هذا الامر توفيقا منه واحسانا. اننا اهل السنة قدانكرنا على الشيعة دعواهم العصمة للائمة الاثنى عشر عليهم السلام وجاهرناهم بصيحات النكير وسفهنا بذلك احلامهم ورددنا ادلتهم بمارددنا افبعد ذلك يجمل بنا ان ندعي ان مائة وعشرين الفا حاضرهم وباديهم وعللهم وجاهلهم وذكرهم وانثاهم كلهم معصومون أو كما نقول محفوظون من الكذب والفسق ونجزم بعدالتهم اجمعين فنأخذ رواية كل فردمنهم قضية مسلمة نضلل من نازع في صحتها ونفسقه ونتصنامم عن كل
---(1/174)


[ 175 ]
ما ثبت وصح عندنا بل وما تواتر من ارتكاب بعضهم ما يخرم العدالة وينافيها من البغي والكذب والقتل بغير حق وشرب الخمر وغير ذلك مع الاصرار عليه لا ادري كيف تحل هذه المعضلة ولا اعرف تفسير هذه المشكلة. اليك فاني لست ممن إذا اتقى * عضاض الافاعي نام فوق العقارب أما الامر بحسن الظن فحسن ولكنه ليس في مقام بيان الحق وابطال الباطل والكلام على جرح أو تعديل ولو سوغنا هذا لتعطلت الاحكام وبطلت الحدود والشهادات وكبكب الشرع على ام رأسه اذلا وجه لتخصيص اشخاص دون آخرين بحسن الظن بهم في كل ما يفعلونه إذا ترتب على فعله حكم شرعي الا بمخصص شرعي واني بذلك ولو عممنا القول بذلك لكان حسن الظن حسنا بكل فرد من افراد المسلمين في كل ما يفعله كما يقول به بعض الصوفية فيتأول حينئذ لكل منهم ما ارتكبه من القبائح والبدع المضلة والكبائر ويحمل كل ذلك على محمل حسن وقصد صالح ويدخل في ذلك الخوارج وغلاة الرافضة فيما يرتكبونه من البدع والتفكير والسب وهلم جرا اللهم غفرانك ان بهذا يتعطل الشرع وتلتبس الامور ويختلط الحابل بالنابل بل الواجب اجرء كل شئ في مجراه عند ارادة ايضاح الحقائق وبيان المشروعات وبهذا عمل الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم وهكذا عمل جهابذة اصحاب الحديث في الجرح والتعديل في رواة الحديث الا فيمن له صحبة على حسب اصطلاحهم في تعريف الصاحب وهي نقطة الانتقاد عليهم ومحل الاشكال إذ كيف يمكن طالب الحق ان يعتمد ما قالوه ويجري على ماجروا عليه من التسوية صحة واحتجاجا بين روايات الحكم والوليد ومعاوية وعمرو واشباههم سبحان الله افمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله لا والله ثم لا والله ان الاذعان للحق شان المنصفين ولكن اكثرهم للحق كارهون.
---(1/175)


[ 176 ]
ودونك الآن - كما وعدنا - بعض ما جاء من الآيات والاحاديث الدالة على فضائل زمر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي عنهم يعرف بها علو مقدارهم عند الله وعظيم منزلتهم لديه مما يوجب علينا توقيرهم واحترامهم ومحبتهم واعتقاد حسن سلوكهم ومصيهم غير ان كثيرا من الناس يوردونها مغالطة في فضائل عموم كل من سمى باصطلاح المحدثين صحابيا ليدخلوا في تلك الفضائل معاوية واشباهه ولكن إذا تأملها المنصف المقيد نفسه باتباع الحق والاذعان له لم يجد لمعاوية وامثاله فيها ناقة ولا جملا وعرف ان بينه وبين تلك الفضائل بعد المشرقين (اما الآيات) فمنها قوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون وتنهون عن المنكر الآية قال ابن عبد البر قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عزوجل كنتم خير امة اخرجت للناس هم الذين هاجروا مع محمد صلى الله عليه وآله. اثبت الله سبحانه وتعالى لهذه الامة الخيرية على سائر الامم ولا شئ يعدل شهادة الله بذلك ولا شك ان الصحابة رضوان الله عليهم هم المقصودون اولا بالخطاب وهم صدر الامة وخيرها وهذه الخيرية هي بحسب مجموع هذه الامة على مجموع غيرها لا بحسب افرادها على افراد الامم الاخرى إذ لو كان كذلك للزم ان يكون الفاسق من هذه الامة خيرا من حواريي عيسى عليه السلام وانبياء بني اسرائيل وهو باطل اجماعا وإذا كان بحسب المجموع حرج اهل الكبائر والبوائق من هذه الامة عن هذه الخيرية كمعاوية وابنه وكثيرين غيرهما على ان الله تعالى بين جهة الخيرية بقوله تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ومعاويد واعوانه بضد ذلك على خط مستقيم فانهم كما قدنا ذلك عنهم واثبتناه يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويدعون إلى النار قاتلهم الله انى يؤفكون. ومنها قوله تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين
---(1/176)

35 / 54
ع
En
A+
A-