[ 162 ]
يتولى الجميع بهداه. المقام الثاني في بيان فساد الشبه التي توقفت بسببها الفرقة الثانية عن استباحة لعنه واعلان بغضه وتحريم موالاته كما سترى جميع ذلك موضحا ان شاء الله تعالى. الشبهة الاولى وهي اعظم الشبه القائمة عند تلك الفرقة المتوقفة عن القول بجواز لعنه وسبه ووجوب بغضه وربما استحسنت بسببها تسويده والترضى عنه تعظيما له وهي الامر الذي دندن حوله انصار معاوية وبنوا عليه العلالي والقصور وزاد الطنبور نغمة والطين بلة اصلاح اكثر المحدثين والاصوليين على ان الصحابي هو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وآله مؤمنا ومات على الايمان وقول الكثير منهم بعدالة من سموه بهذا المعنى صحابيا ولو شرب الخمر وقتل النفس وزنى وسرق واكل اموال الناس بالباطل وحاد الله ورسوله وعاث في الارض فسادا وارتكب كل كبيرة واوجبوا تأويل سيئاتهم وحملها على محمل حسن. إذا قلت فأعلم ما تقول ولا تكن * كحاطب ليل يجمع الدق والجز لا وها انا ابين لك معنى الصحبة لغة وعرفا واذكر ما يترتب عليها من فضل وحكم واقرر من كتاب الله تعالى وحديث نبيه عليه وآله الصلاة والسلام بطلان ما عللوا به تعديلهم من ارتكب الكبائر ممن سموه صحابيا واكشف لك الغطاء عما ستره الكثير من ان معاوية عار عن الفضائل الواردة عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله في فضل اصحاب محمد عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام حتى يعرف الحق طالبه. فأقول الصحبة لغة هي المعاشرة قال: في القاموس صحبه كسمعه صحابة ويكسر وصحبة بالضم عاشره انتهى وتطلق على المعاشرة في الزمن القليل والكثير وقد يخصها العرف العام بمزيد الملازمة والنصرة والمؤازرة والاختصاص
---(1/162)


[ 163 ]
فالصاحب للنبي صلى الله عليه وآله ومثله غيره هو من عاشره سواء كان مسلما أو كافرا برا أو فاجرا تقيا أو فاسقا كما اقتضته لغة العرب وقامت عليه الشواهد من القرآن والحديث وكلام العرب لاكما اصطلح عليه المحدثون من تخصيص اسم الصاحب بالمسلم فقط ومن حيث ان صدق الصاحب على المعاشر المسلم لا نزاع فيه فلا حاجة إلى تجشم ايراده الادلة عليه. (ودونك) ادلة صدق اسم الصحبة بين المسلم والكافر فضلا عن الفاسق والمنافق قال الله تعالى مخاطبا لمشركي قريش ما ضل صاحبكم وما غوى (وقال) جل شأنه قل انما اعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادي تتفكروا ما بصاحبكم من جنة (وقال) تعالى واملي لهم ان كيدي متين اولم يتفكر وما بصاحبهم من جنة (وقال) عز شأنه فقال لصاحبه وهو يحاوره انا اكثر منك مالا واعز نفرا (وقال) جل جلاله قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا وكان احدهما مؤمنا والآخر كافرا (وقال تعالى) كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران له اصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا (وقال) عزوجل وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا وقال: النبي صلى الله عليه وآله حين سئل ان يقتل رأس المنافقين عبدالله بن ابي لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه وكذلك قال: في قصة الرجل الذي قال: لما قسم غنائم حنين ان هذه لقسمة ما اريد بها وجه الله فقال عمر دعني يا رسول الله اقتل هذا المنافق فقال معاذ الله ان يتحدث الناس اني اقتل اصحابي. (ويعلم) مما ذكرنا ان مجرد الصحبة لغة لا يختص بمسلم ولا بكافر وان الربح والخسران للمسلم في صحبة النبي صلى الله عليه وآله انما هو في احسان الصحبة واساءتها والصحبة النافعة ما قارنها التعظيم والانقياد له صلى الله عليه وآله وسلم والحب والاتباع كصحبة العشرة المبشرة والسابقين الاولين
---(1/163)


[ 164 ]
من المهاجرين والانصار وأهل بدر واهل بيعة الرضوان ومن احسن احسانهم وعمل كعملهم رضي الله عنهم اجمعين والصحبة الضارة ما قارنها الخداع والنفاق والعداء له عليه السلام ولاهل بيته وارتكاب المخالفات بعده واقتراف الكبائر كصحبة عبدالله بن ابي وثعلبة والحكم بن ابي العاص والوليد بن عقبة وحبيب بن مسلمة ومعاوية وعمرو بن العاص وسمرة بن جندب وبسر بن ارطاة وذي الثدية الخارجي والمغيرة بن شعبة وامثالهم (والثواب والعقاب) والاجر والاصر مرتب على تلك الافعال فمن احسن فله الحسنى ومن اساء فعلية ما اكتسب من الاثم ومن خلط واحسن واساء فله ثواب ما احسن فيه وعقاب ما اساء به والموازنة في ذلك بحسب عظم الفعل وصغره ونية فاعله وتوبته واصراره ومرجع ذلك كله إلى الله قال الله تعالى للذين احسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قترو لاذلة اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم كأنما اغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. (ويشهد) لذلك ما جاء في حق خيار الصحابة من المبشرات والفضائل العظيمة والوعد بالحسنى كما سيأتي كثير من ذلك وما جاء في حق المحدثين والمسيئين والمنافقين منهم خاصة من الوعيد الشديد. (فمن) ذلك ما اخرجه ابن عساكر عن ابي بكرة من حديث حدث به معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليردن علي الحوض رجال ممن صحبني ورآني فإذا رفعوا الي ورأيتهم اختلجوا دوني فأقول رب اصحابي وفي لفظ اصيحابي فيقال لا تدري ما احدثوا بعدك. (واخرج) البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال: قال النبي (ص) انا فرطكم على الحوض ليرفعن إلى رجال منكم حتى إذا اهويت لاناولهم
---(1/164)


[ 165 ]
اختلجوا دوني فأقول اي رب اصحابي فيقول لا تدري ما احدثوا بعدك (واخرج) في صحيحه ايضا عن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول انا فرطكم على الحوض من ورد شرب منه ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ليردن على اقوام اعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم قال: ابو حازم فسمعني النعمان بن عياش وانا احدثهم هذا فقال هكذا سمعت سهلا فقلت نعم قال: وانا اشهد على ابي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال انهم مني فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي. واخرج ابن عساكر ويعقوب بن سفيان عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله اني فرطكم على الحوض انظر من يرد علي منكم فلا القين ما توزعت في احدكم فأقول هذا مني وفي لفظ من امتي وفي لفظ من اصحابي فيقال انك لا تدري ما احدث بعدك فقلت يارسول الله ادع الله ان لا يجعلني منهم فقال انك لست منهم. ونقل ابن عبد البر في الاستيعاب واخرجه احمد في المسند عن ام سلمة رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وآله ان من اصحابي من لا اراه ولا يراني بعد ان اموت أبدا قال فبلغ ذلك عمر فأتاها يشتد ويسرع فقال انشدك الله انا منهم قالت لا ولن ابرئ بعدك احدا (واخرج) احمد في المسند والطبراني في الكبير وبو نصر السبحزي في الابانة عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال انا آخذ بحجزكم اقول اتقوا النار واتقوا الحدود فإذا مت تركتكم وانا فرطكم على الحوض فمن ورد فقد افلح فيؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب امتي فيقول انهم يزالوا بعدك يرتدون على اعقابهم (وفي) رواية للطبراني في الكبير بعد قوله يا رب امتي فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك مرتدين على اعقابهم. واخرج أبو داود الطيالسي واحمد في المسند وعبد بن حميد وابو يعلي
---(1/165)


[ 166 ]
والحاكم في المستدرك وابن ابي شيبة عن ابي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال الا ما بال اقوام يزعمون ان رحمي لا تنفع والذي نفسي بيده ان رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة الا واني فرطكم ايها الناس على الحوض الا وسيجئ اقوام يوم القيامة فيقول القائم منهم انا فلان بن فلان فأقول اما النسب فقد عرفت ولكنكم ارتددتم بعدي ورجعتم القهقرى (واخرج) الديلمي عن انس رضي الله عنه اياك وصاحب السوء فأنه قطعة من النار لا ينفعك وده ولا يفي لك بعهده. اما ما ذكره اكثر المحدثين والاصوليين من اشتراط الايمان في اسم الصحابي وموته عليه فذاك اصطلاح خاص لهم ولا مشاحة في الاصطلاح فلا منازع لهم فيه وان نازع بعضهم بعضا إذ لا يترتب على تخصيصهم الصاحب بالمسلم امر محذور. واما تعديلهم كل من سموه بذلك الاصطلاح صحابيا وان فعل ما فعل من الكبائر ووجوب تأويلها له فغير مسلم إذ الصحبة مع الاسلام لا تقتضي العصمة اتفاقا حتى يثبت التعديل ويجب التأويل على انهم اختلفوا في ذلك التعديل اختلافا كثيرا والجمهور هم القائلون بالعدالة. قال في جمع الجوامع وشرحه والاكثر على عدالة الصحابة لا يبحث عنها في رواية ولا شهادة لانهم خير الامة قال صلى الله عليه وآله خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ومن طرأ له منهم قادح عمل بمقتضاه (وقيل) هم كغيرهم فيبحث عن العدالة فيهم الا من يكون ظاهر العدالة أو مقطوعها (وقيل) هم عدول إلى حين قتل عثمان ويبحث عن عدالتهم من حين قتله لوقوع الفتن بينهم حينئذ ومنهم الممسك عن خوضها (وقيل) هم عدول الا من قاتل عليا فهم فساق لخروجهم على الامام الحق (ورد) بأنهم مجتهدون في قتالهم له فلا يأثمون وان اخطأوا بل يؤجرون (انتهى بحروفه).
---(1/166)

33 / 54
ع
En
A+
A-