[ 157 ]
والبغض فيه واخرجه حمد في المسند من حديثه. واخرج الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس رضي الله عنهما اوثق عرى الايمان الموالاة في الله والحب في الله والبغض في الله (وفي) قوت القلوب لابي طالب المكي وفي الاحياء ايضا يروى ان الله سبحانه وتعالى اوحي إلى عيسى عليه السلام لو انك عبدتني بعبادة اهل السموات والارض وحب في ليس وبغض في ليس ما اغني عنك ذلك شيئا (ومن) القوت ايضا قال روينا عن عمر بن الخطاب وابنه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: لو ان رجلا صام النهار لا يفطر وقام الليل لم ينم وجاهد ولم يحب في الله ويبغض في الله ما نفعه ذلك شيئا. واخرج احمد في المسند عن أبي ذر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله احب الاعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله (واخرج) في المسند ايضا عن عمرو بن الجموع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحق لعبد صريح الايمان حتى يحب في الله ويبغض في الله. وفي قوت القلوب والاحياء يروى ان الله تعالى اوحي إلى موسى عليه السلام هل عملت لي عملا قط فقال الهي اني صليت لك وصمت وتصدقت وزكيت فقال ان الصلاة لك برهان والصوم جنة والصدقة ظل والزكاة نور فأي عمل عملت لي قال: موسى الهي دلني على عمل هو لك قال يا موسى هل واليت لي وليا قط عاديت لي عدوا قط فعلم موسى ان افضل الاعمال الحب في الله والبغض في الله (وفيه) ايضا قال: الحسن البصري رحمه الله مصارمة الفاسق قربان إلى الله عزوجل. (وفي) كتاب مكارم الاخلاف للشيخ رضي الدين الطبرسي رحمه الله قال: قال عليه وآله الصلاة والسلام من تولى جائرا في جوره كان قرين
---(1/157)
[ 158 ]
هامان في جهنم إلى غير هذا مما جاء في هذا الباب. وقد سئل الامام احمد بن حنبل رحمه الله أيؤجر الرجل على بغض من خالف حديث رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اي والله بهذا يتضح لك ان بغض معاوية امر مشروع يلازم الايمان ويثاب عليه الانسان وان حبه وتوليه امر يسخط الرحمن ويباين الايمان وحقيق بالمؤمن الغيور على حرمات الله ان تهتك وعلى حدوده ان تتعدى وعلى الدين ان يبدل وعلى الشرع ان يستخف به إذا عرف ما ارتكبه معاوية من الموبقات واقترفه من المظالم المتعدي ضررها إلى الامة بأسرها وجرأته على الله عزوجل وتهاونه باوامره واستخفافه بزواجره ان يبغضه ويعاديه حتى يحق له صريح الايمان بمعادة من عادى الرحمن فان النبي صلى الله عليه وآله قال: في حق علي بن ابي طالب عليه السلام اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وقال: عليه وآله الصلاة والسلام عادى الله من عادى عليا وليس على ظهر الكرة الارضية اعدى لعلي من معاوية وقد صرح كرم الله وجهه بذلك في مواطن مذكورة في محالها من كتب السير. يقول انصار معاوية انما نحبه لصحبته رسول الله صلى الله عليه وآله ولا سلامه ونقول لهم فلم لا تبغضونه لاساءته الصحبة كما سترى ذلك فيما سيأتي ولارتكابه الجرائم التي قدمنا ذكرها ان الحب في الله والبغض في الله متلازمان فمن زعم انه يحب في الله وهو لا يبغض فيه فقد غره بالله الغرور افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب. ان مثل هؤلاء ومعاوية في ذلك كمثل رجل كان عدوا لدودا لمالك عظيم عادل فأظفر الله ذلك الملك بعدوه وانقاد له صاغرا راغم الانف وكان بعد ذلك ربما مشى في جند الملك وربما تألفه الملك بكلمات وربما حذر منه اتباعه ثم بعد مدة غير طويلة حكمت الاقدار على ذلك الملك العظيم بالذهاب إلى مملكة
---(1/158)
[ 159 ]
اخرى اعظم من هذه فرتب الملك امور هذه المملكة وجعل فيها نوابا من خاصته واهل بيته وسن لهم قوانين وحد لهم حدودا في جميع امورهم ووعدهم إذا قدموا عليه بالمكافاة الحسنة والمواهب الجسيمة لمن اتبع ما سنه لهم وبالعقاب الشديد والعذاب الاليم لمن خالفه ثم بعد غيبوبة الملك وذهاب بعض نوابه إليه انتهز ذلك العدو الفرصة وجمع رعاعا واوباشا وغرهم بالاكاذيب وخدعهم بالاماني ثم ثار بهم في وجه اخي الملك وهو إذ ذاك نائبه واظهر زورا ان أخا الملك قد اخطأ في أمر ما ليغر اتباعه بذلك ثم لم يزل يراوغ مرة ويحارب اخرى حتى ذهب اخو الملك إليه بداع دعاه فأستحفل ؟ ذلك العدو الباغي ووثب على المملكة ونحى عنها ولد الملك ثم قتله وابطل اكثر قوانين الملك وطرد خواصه والحق الذل بعشيرته ورهطه واهل مودته وسلط عليهم وعلى جميع الرعية رعاعه وسلفته واستصفى اموالهم ولم يأل جهدا في القتل والفساد والجور ثم تألفت بعد عصابة يتسابقون إلى المدح والثناء على ذلك الرجل الباغي جهارا ويتهافتون على تعظيمه وستر عيوبه وفواقره ونهى الناس عن ذكرها ويحثونهم على التكذيب بوقوعها مهما لكنهم ذلك ويختلفون له المعاذير الواهية. ويرغبون إلى الملك ان يسبغ عليه افضاله ويجازيه بأحسن الجزاء على ما ارتكب من الفظائع في بيت الملك وخاصته ورعيته لانه واحد من جنده واغتفروا له كل عظيمة في جنب هذه المقدمة العقيمة وتصامموا وتعاموا عن ما اصاب الملك من هتك في اولاده وذل في خاصته وافساد في رعيته ومجاهرة بعصيانه واهدار لاحكامه واهانة لشرفه ثم مع هذا يزعمون انهم صاروا بعملهم هذا اخص الناس بالملك واطوعهم له واقربهم منه والاحق بعنايته وحلول نظره عليهم لانهم التزموا الادب مع الملك في زعمهم بحفظهم حرمة جنده الذي ربما مشى في ركاب الملك أو قضى حاجة من طفيف حاجاته فهم
---(1/159)
[ 160 ]
لذلك يرجون من الملك الجوائز ويؤملون منه العطايا فهل ترى من عاقل على ظهر الارض لا يقطع بحماقة اولئك القوم أو بمراغمتهم للملك وكلا الامرين ضلال ووبال ولا حول ولا قوة الا بالله. والحاصل ان كثيرا من الامة قد اتخذوا معاوية حبيبا مودودا كما اتخذت بنو اسرائيل عجلا معبودا كتب عليه انه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير وسينكشف لهم الغطا ويتبين الصواب من الخطا وستغشاهم الندامة إذا حشروا معه يوم القيامة فان المرء يحشر مع من احب وكفى بالمسلم خسارة ان يأتي ربه في زمرة امامها معاوية الباغي ووزيرها عمرو الطاغي وينفصل عن عصابة قائدها محمد المصطفى ووزيرها علي المرتضى مثل الفريقين كالاعمى والاصم والسميع والبصير هل يستويان مثلا افلا تذكرون. (تذييل) وقفت قريبا على كتاب لاحد فضلاء العصر اسبغ الله عليه فضله في فضائل الصحابة رضوان الله عليهم وقد ذكر فيه جملة صالحة مما ورد في فضلهم من الايات القرآنية والاحاديث النبوية الا انه عمم من ذلك ما كان خاصا واطلق من ذلك ما كان مقيدا تبعا لبعض من تقدمه من العلماء وتقليدا محضا لهم حتى انه اثبت لمعاوية وعمرو وامثالهم بذلك التعميم والاطلاق طرفا من الفضائل التي لا تدل تلك الآيات والاحاديث على شئ منها واعتذر عن بعض بوائقهم وفضائعهم بما اعتذر به عنها من قلدهم من دعوى الاجتهاد لهم واثبات الثواب على ما ارتكبوه من الكبائر والقبائح ولم يعط الادلة حقها من التخصيص والتقييد هيبة من الاقدام على مخالفة من قلدهم وتلك قضية انما يؤيدها الوهم ويهدمها البرهان إذ من البديهي ان اقدامنا على
---(1/160)
[ 161 ]
مخالفة الكتاب والحديث بعدم اعطائه حقه من الفحص والتحقيق اكبر واعظم من مخالفتنا العلماء في ذلك بل مخالفتنا لهم في ذلك انما تعد فضيلة واتباعا للرسول صلى الله عليه وآله ولهم ايضا وقد ضرب ذلك الفاضل مثلا لعلي عليه السلام ولمعاوية بقوله شعرا. كاشمس في الافق الاعلى ابو حسن * ومن معاوية في الارض قنديل واراه قد اخطأ في هذا التمثيل لانه لا يلائم الواقع ولا يطابقه اما تمثيله عليا بالشمس فحق وصواب لانه باب مدينة علم المصطفى والمهتدون به كالمهتدين بنور الشمس واما تمثيله معاوية بالقنديل بالنسبة إلى نور على فخطأ لان معاوية كان يعارض عليا ويسبه ويكذبه ويحاول اطفاء ذلك النور الذي مثله بالشمس ولا كذلك القنديل بالنسبة للشمس فان القنديل ليس له ادنى طمع ولا قوة في تقليل ضوء الشمس ولكنه ضعف نوره عن نورها فأختفى وهذا التمثيل يمكن ان يصح لعلي عليه السلام مع احد اعراب الصحابة وعوامهم اما معاوية فيصح تمثيله مع نور علي بدخان كثيف تصاعد من مزبلة وانتشر انتشارا عظيما فأصاب عيونا رمدا واعشاها عن الاهتداء بذلك النور ولم يؤثر تراكم ذلك الدخان على الاعين الصحيحة النظر ثم تمزق ذلك الدخان المتراكم وصار هباء منثورا ولكنه ابقى آثارا في تلك الاعين المريضة ولا حول ولا قوة الا بالله. قلت وهذا المؤلف الفاضل هو من محبي اهل البيت واني والله اتمنى له زوال تلك البقية الباقية في صدره من موالاة عدو الله وعدو رسوله واهل بيته وطرحه جانبا كما امر الله حتى يصفو له وداده للنبي عليه السلام ولاهل بيته وتخلص محبته لهم من شائبة محبة اعدائهم ويغسل قلبه من موالاة اولئك العتاه الفجر المحادين لله ورسوله فيكون حينئذ خالصا مخلصا محشورا ان شاء الله في حزب محمد وعلي واهل البيت بعيدا عن معاوية واحزابه والله
---(1/161)