[ 152 ]
ويظن ذلك كافيا في العذر وهيهات هيهات امنية من وساوس النفس وضلة من اضاليل الاماني قد كان لسابقيه اعذار مقبولة ظاهرة فانهم يشاهدون الدماء مسفوحة والقبور مفتوحة والسبحون مشحونة بكل من نطق بكلمة حق في ذكر شئ من تلك الحقائق في ايام بني امية وكذلك في ايام بني العباس اما الآن وقد اذهب الله ريحهم واراح الاسلام من شرهم فلا يبقى عذر لمعتذر. روي ان ابا جعفر محمد الباقر رضي الله عنه قال: لعبض اصحابه يا فلان مالقينا من ظلم قريش ايانا وتظاهرهم علينا وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد اخبر أنا اولى الناس به فتمالات علينا قريش حتى اخرجت الامر من معدنه واحتجت على الانصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت الينا فنكثت بيعتنا ولم يزل صاحب الامر في صعود كؤد حتى قتل فبويع ابنه الحسن وعوهد ثم غدر به واسلم ووثب عليه اهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره وعولجت خلاخيل امهات اولاده فوادع معاوية وحقن دمه ودماء اهل بيته وهم قليل حق قليل ثم بايع الحسين من اهل العراق عشرون الفاثم غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في اعناقهم ثم لم نزل اهل البيت نستذل ونستضام ونقصي ونمتهن ونحرم ونقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء اوليائنا ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى اوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة فحدثوهم بالاحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا إلى الناس وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الايدي والارجل على الظنة وكان من يذكر بحبنا أو بالانقطاع الينا سجن أو نهب ماله وهدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمن عبيدالله بن زياد قاتل الحسين ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة واخذهم
---(1/152)


[ 153 ]
بكل ظنة وتهمة حتى ان الرجل ليقال له زنديق أو كافر احب إليه من ان يقال له شيعة علي وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعله يكون ورعا صدوقا يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ولم يخلق الله تعالى شيئا منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب انها حق لكثرة من قد رواها ممن لا يعرف بكذب ولا بقلة ورع انتهى (1). وقال الشعبي مالقينا من علي بن أبي طالب ان احببناه قتلنا وان ابغضناه هلكنا وكان الامام أبو حنيفة يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن علي بن
---
(1) اقول لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قال: فان جماعة قد ادعوا ضعف الحديث الذي جاء في حق علي عليه السلام انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد العلم فليات الباب وافرط بعضهم فأدعي وضعه وفسر بعضهم قوله صلى الله عليه واله وسلم فيه وعلي بابها فقال اي مرتفع والحديث المذكور قد ورد بطرق كثيرة فقد اخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك وصححه والطبراني وابن مردويه وابو نعيم والخطيب والعقيلي وابن عدي وابن حيان وغيرهم ثم جاؤا في مقابلته ايضا بحديث آخر منكر اسنادا ومتنا كما قاله ابن عساكر والحديث هو ما اخرجه ابن عساكر في تاريخه وغيره قال انبانا أبو الفرج غيث بن علي الخطيب قال: حدثني أبو الفرج الاسفرائيني قال: كان ابو سعد اسمعيل بن المثنى الاسترابادي يعظ بدمشق فقام إليه رجل فقال ايها الشيخ ما تقول في قول النبي صلى الله عليه وآله انا مدينة العلم وعلي بابها قال: فأطرق لحظة ثم رفع رأسه وقال نعم لا يعرف هذا الحديث على التمام الا من كان صدرا في الاسلام انما قال النبي صلى الله عليه وآله انا مدينة العلم وابو بكر اساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها قال: فاستحسن الحاضرون ذلك وهو يردده ثم سألوه ان يخرج لهم اسناده فاغتم ولم يخرجه لهم انتهى (قلت) لعلك قد علمت ما ذكر هو في هذا الحديث من انه موضوع أو ضعيف ولكني اقول فيه من حيث المعنى انكاره من وجوه لم ار من تعرض لذكرها وهي (اولا) انه لا يستجاد من سيد الحكماء وامير الفصحاء ان يمثل في كلامه بسقف المدينة إذ لم توجد في الدنيا مدينة مسقوفة حتى يكون الحكيم ممثلا بها ولم نر ذلك في كلام احد من العرب اللهم الا ان يكون لخصوص البيوت (ثانيا) انه يقتضي تقديم ابي بكر على النبي صلى الله عليه واله وسلم حيث جعله اساسها والاساس مقدم على البنيان لانه اصله واقدم منه ولانه لولاه لما قام البناء (ثالثا) انه لو صح الحديث لاقتضى تمثيل عمر وعثمان رضى الله عنهما بالسقف والحيطان غاية القدح فيهما لان السقف (*)
---(1/153)


[ 154 ]
الحسين وحمل المال إليه والخروج معه على اللص المتغلب المسمى بالخليفة يعني هشام بن عبدالملك. وذكر زين الدين العراقي رحمه الله انه كان في بعض ايام بني امية إذا سمعوا بطفل سمي بعلي قتلوه فكان الناس يبدلون اسماء اولادهم (وكان) الحسن البصري يروي احاديثه التي عن علي عليه السلام مرسلة خوفا من بني امية وهكذا كان الامر في ايام بني العباس وقد اشار إلى هذا العلامة احمد الحفظي في ارجوزته حيث قال: والحسن البصري يروى عن علي * علومه وللسماع يجتلي لكنه لو قال هذا قتلا * فكان يروي للحديث مرسلا قال الامام احمد بن حنبل * لسائل عن فضل مولانا علي ماذا اقول بعد كتمان العدا * للنصف من فضل الولى حسدا ونصفه خوفا من القتل وذا * حقيقة يعرفها من احتذا واظهر الله من الكتمين (1) * ما ملا البرين والبحرين
---
والحيطان والسور كما في رواية اخرى انما هي حواجز قوية تمنع فيض نور العلم المديني إلى الخارج فكأنهما الكاتمين للعلم والمانعين عنه من اراد الوصول إليه وحاشاهما من ذلك ومن المضحك هنا قول بعض المؤلفين ان كلا من الاساس والحيطان والسقف اعلى من الباب لان ذلك قول من يقوده التعصب إلى ارسال الكلام على عواهنه من غير امعان نظر في المعاني (انتهى جامعه). (1) اقول لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قال: فان جماعة قد ادعوا ابن يحيى العلوي رحمه الله ذكر قول بعضهم ان سبب كثرة الاحاديث الصحيحة الواردة في فضل الامام علي عليه السلام هو ما قام به اعداؤه من لعنه وسبه فحدث كل من الصحابة بما سمع من فضله لرده تلك البدعة والتحذير منها فقال الجد عبدالله رحمه الله ليس الامر كذلك لان الصحابة قد بلغوا جميع ما حفظوه عن نبيهم وبلغ التابعون جميع ما وعوا من اصحاب نبيهم وهكذا ولو وجدت احاديث في فضل غير علي من الصحابة كالتي جاءت في فضل علي لنقلت بطرق اكثر واشهر لعدم الخوف من عقاب الظالمين على روايتها ثم قرأ قوله تعالى ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (انتهى جامعه). (*)
---(1/154)


[ 155 ]
وهكذا ملك بني العباس * قد ضربوا الاخماس في الاسداس وما قضى المنصور ذو الدوانق * في حجج الله على الخلائق محمد ونفسه الزكية * والمحض عبدالله والذرية وحبسه الديباج حتى صارا * كالجيفة الملقاة لا توارى وفعل هرون بيحيى صدعا * صم الجبال والقلوب اوجعا وحمل موسى الكاظم السجاد * من طيبة الفيحا إلى بغداد مسلسلا عن اهله مطردا * ومات في سجن الغوى مقيدا والآن زال العذر والحق ظهر * فأستلم الركن وقبل الحجر وطلع النجم على الجهات * وامن الخلق من العاهات وجاء نصرالله والفتح فما * بعد الهدى الا الضلال والعمى نعم بقي حتى الآن لمعاوية انصار واذناب من العلماء الجامدين على ما في كتب المتأخرين ومن الغوغاء الذين لا يدرون الصواب من الخطاء ولا يفرقون بين الحق والباطل لا شوكة لهم ولا صولة ولكنهم يسلقون بالسنتهم كل من كشف غبار شبهة عن قبائح معاوية وينبزونه بالابتداع والرفض ويعربدون عليه عربدة السكارى جهلا منهم وحماقة وهذا هو غاية ما في استطاعتهم من اذية من صدع بالحق في هذا الباب ولا ارى في هذا عذرا كافيا للذين يريدون الله والدار الآخرة في كتم قبائح ذلك الطاغية والتملق بتعظيمه وتسويده وتوقيره والترضي عنه اجلالا له فان كل ذلك مغضب الله تعالى ومسخط له ومعين على هدم الاسلام كما مر بك قريبا في احاديث من لا ينطق عن الهوى وهي والله الجديرة بالاذعان لما فيها ورفض ما خالفها وماذا يضر الصادع بالحق والناطق بالصدق من سباب هؤلاء العصبة المتعصبين والطغام المتعنتين وماذا يلحقه من صخبهم واستطالتهم على عرضه إذا كان عند الله تعالى وعند رسوله عليه الصلاة والسلام وعند الصالحين من عباده محمودا مشكورا مبرورا.
---(1/155)


[ 156 ]
إذا رضيت عني كرام عشيرتي * فلا زال غضبانا علي لئامها واما الادلة على وجوب بغض معاوية في الله فكثيرة ايضا قال الله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم وابناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون. المحادة المغاضبة والمخالفة كما في القاموس وغيره (وقال) الفخر الرازي رحمه الله في تفسيره المعنى انه لا يجتمع الايمان مع وداد اعداء الله تعالى وذلك لان من أحب احدا امتنع ان يحب مع ذلك عدوه وهذا على وجهين احدهما انهما لا يجتمعان في القلب فإذا حصل في القلب وداد اعداء الله لم يحصل فيه الايمان فيكون صاحبه منافقا والثاني انهما يجتمعان ولكنها معصية وكبيرة وعلى هذا الوجه لا يكون صاحب هذا الوداد كافرا بسبب هذا الوداد بل كان عاصيا في الله انتهى ثم قال: فيه ايضا وبالجملة فالآية زاجرة عن التودد إلى الكفار والفساق ورد عن النبي صلى الله عليه وآله انه كان يقول اللهم لا تجعل لفاجر ولا فاسق عندي نعمة فاني وجدت فيما اوحيت لاتجد قوما يؤمنون بالله (الآية انتهى). قلت كما دلت الآية بمنطوقها على ان موادة من حاد الله ورسوله من الكفار والفساق مخطورة فكذلك تدل بمفهومها على ان بغض من حاد الله ورسوله مأمور به مطلوب. وقد أخرج أبو داود الطيالسي عن البراء ابن عازب رضى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله اتدرون اي عرى الايمان اوثق قلنا الصلاة قال: الصلاة حسنة وليست بذلك قلنا الصيام فقال مثل ذلك حتى ذكرنا الجهاد فقال مثل ذلك قلنا اخبرنا يارسول الله قال: اوثق عرى الايمان الحب في الله
---(1/156)

31 / 54
ع
En
A+
A-