[ 147 ]
قيام هذه الاوصاف بمعاوية حتى يكون توقيره وتسويده منهيا عنه (قلت) اما فسقه فظاهر لان الفاسق من ارتكب كبيرة أو اصر على صغيرة ومعاوية قد ارتكب كبائر الكبائر وجاهر بها واصر عليها وقد مر بك نقل كثير منها مما لا ينكره احد (واما) بدعته فكذلك فان المبتدع من احدث في الاسلام حدثاكما جاء عن رسول الله (ص) كل محدث بدعة ومعاوية رئيس المحدثين وكبير المبتدعين. ومن العجب ان الجم الغفير من الناس بل ومن العلماء المقلدين يرون ان من يمسح رجليه بدلا عن الغسل في الوضوء مبتدعا وكذلك من يقول ان الحسنة من الله والسيئة من نفسك ومن يدخل في الاذان حي على خير العمل ومن يقول ان عليا افضل من ابي بكر ومن لا يجوز التكليف بالمحال ومن يقول بما جاء في القرآن ان لله جل وعلا وجها ويدا وعينا مع تنزيهه تعالى عن الجسمية والمشابهة ومن يقول ان النار محرقة بقوة خلقها الله فيها وان السيف قاطع بقوة خلقها الله فيه ومن يقول بانتفاء الجواهر الفردة ومن يؤلف مثل هذا الكتاب هؤلاء كلهم مبتدعون ضالون عند الاكثر من علمائنا اهل السنة. (واما) من يقتل المسلمين صبرا ويسب عليا جهرا ويعيث في الارض فسادا ويحارب الله ورسوله عنادا ويصطفي البيضاء والصفراء من بيت اموال المسلمين ويتهكم باوامر سيد المرسلين فذلك عندهم عدل ثقة وصاحب سنة خليفة حق وامام صدق ذلك مبلغهم من العلم ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله و هو اعلم بمن اهتدى. وأما اتصافه بالنفاق فستعلمه مما يأتي ان لم تك قد علمته مما قد سبق ذكره ولتعلم اولا ان النفاق لغة مخالفة الظاهر للباطن فان كان في اعتقاد الايمان فهو نفاق الكفر و الا فهو نفاق العمل ومراتبه متفاوتة وشعبه كثيرة كما ان الايمان كذلك ولا طريق لنا إلى معرفة النفاق بنوعيه من الاشخاص
---(1/147)
[ 148 ]
الا بوحي الهي إذا امر الباطن لا يطلع عليه غير الله جل وعلا ولكن الرسول صلى الله عليه واله وسلم اخبرنا عن بعض علاماته واماراته في المتصفين به فإذا تحققنا وجود واحدة من تلك العلامات في شخص من الاشخاص علمنا نفاقه. ثم لا ندري من أي النوعين نفاقه والنهي عن التعظيم للمنافق وعن تسويده وارد ب (ال) الجنسية الشاملة لانواعه كلها إذ لم يأتي مايعين نفاقا دون نفاق والعلامات الواردة في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله هي الكذب في الحديث والخيانة في الامانة والخلف في الوعد والغدر في المعاهدة والفجور في الخصومة وهو الميل عن الحق والاحتيال لرده كما قاله شراح الحديث) وبغض علي ابن ابي طالب ومعاداته وبغض الانصار وغير ذلك وكل هذه الصفات موجودة في معاوية فان اكاذيبه قد امتلات بها الاسفار لاسيما ماكان منها في محاولته بيعة يزيد وقد مر بك فلا نطيل بأعادته. وأما خيانته للامانة فاشهر من نار على علم فهل ينكرها انصاره في دماء المسلمين وقد قتل منهم العدد الكثير بغير حق ام في اموالهم وقد استأثر بها واصطفى بيضاءهم وصفراءهم وصرفها في اغراضه الفاسدة وزخارفه وملاذه وشهواته ام في اعراضهم وقد سب اكابرهم على المنابر وفي المحافل. وأما خلفه بالوعد وغدره في معاهداته فغير مجهول ولو لم يكن منها الا غدره بالحسن عليه السلام حيث عاهده ان لا يبغي للحسن ولا لاخيه الحسين ولا لاحد من شيعة علي غائلة سرا ولا جهرا وان يجعل الامر بعده شورى بين المسلمين لكفى فانه غدر بالحسن فقطع عطاءه ثم سمه وعهد بالامر بعده ليزيد وقتل حجرا واصحابه بعد تلك العهود والمواثيق. وأمها فجوره في خصوماته واحتياله في رد الحق فاشهر من ان يذكر إذ جل خصوماته إذا لم نقل كلها من هذا القبيل ولا داعي إلى ان نثبت
---(1/148)
[ 149 ]
معاداته وبغضه لعلي بن ابي طالب عليه السلام إذ لا ينكرهما احد وكتب السير طافحة بذلك وبغضه للانصار قد قدمنا ما يدل عليه في ذكر البوائق فارجع إليه. أفبعد صدور هذه الكبائر من معاوية وثبوتها عنه بالتواتر والنقل الصحيح وسماع ما جاء من الآيات والاحاديث في حق مرتكبها يسوغ لطالب الحق الاغضاء والتغافل والتصامم عنها ثم مجاوزة الحد إلى اهدار تلك الادلة باطرائه والترضي عنه وتسويده اعتمادا على ما تداولته السنة سابقيه من ان معاوية مجتهد متأول مأجور الله يعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور كم طمست بهذه الكلمات اعلام من الحق وكم جحدت بها حقائق وكم رفعت بها الوية من الباطل وشيدت بها ابراج من المغالطة كلمات ربما كان اول من قالها قالها لقصد خاص فاتخذت بعد ذلك حجة لدى القوم يعارضون بها كل دليل ويردون بها النص الصريح وينسخون بها ما جاء عن الله ورسوله كأنه نزل بها كتاب من الله أو وحي إلى رسوله اطلعهم به على ضمير معاوية وحسن قصدة وصلاح نيته ثم تراهم مع ذلك يرعدون ويبرقون ويأخذهم المقيم المقعد من الغيظ وينذرون بكل طامة ولامة ويمثلون كل هاوية عميقة امام كل من ناقشهم في دعواهم الحساب أو طالبهم بدليل على ما اخترعوه واعتمدوا عليه من اثبات الاجتهاد والاجر ايضا على بغي ذلك الطاغية واعوانه. كان صالحوا اهل المصدر الاول يؤنبون معاوية ويعظونه ويواجهونه بتقريعه على سوء افعاله ومنهم من هجره في الله ومنهم من لعنه ودعا عليه ثم ذهب الصحابة واستفحل ملك بني امية وكثر تعديهم وطم جورهم فالتزم الكثير منهم السكوت عن ذكره خوفا من الفتنة ثم جاء اقوام من بعدهم فأتخذوا سكوت من قبلهم عن بيان فجوره واعلان فسقه وتجويز لعنه ذريعة إلى تبريره وتعذيله ثم ما لبثوا ان زادوا على ذلك انه امام حق وخليفة صدق
---(1/149)
[ 150 ]
وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم وقالوا سيدنا وترضوا عنه حيث ذكر كما يترضى عن الصالحين وما مثلهم في ذلك الا كمثل رجل ذي سلطان وجبروت رآه بعض اهل الصلاح خارجا من مأخور الخمار متمائلا تفوح من فيه وثيابه روائح الراح وكان مع ذلك الصالح تلامذة خاف عليهم فتنة ذلك الجبار واعوانه ان خاضوا في امر ذلك الجبار وبينوا سيرته للعامة فسكت ذلك الصالح وامرهم بالسكوت عن ذكر المخازي فما لبث اولئك التلامذة ان قالوا لم يأمرنا الاستاذ بالسكوت عن ذلك الا لما يعلمه من حال ذلك السلطان انه من اهل الدين والفضل لانه انما دخل المأخور لازالة المنكرات وتكسير آنية الخمر ووعظ اهل الحانة وزجرهم ولذلك تضمخت ثيابه بالخمر وفاحت رائحتها منه فهو من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والقائمين بالقسط والعدل. (ما احمق) هؤلاء القوم يسارعون للذب عن هذا الطاغية فيتأولون له التأويلات البعيدة الفاسدة الضعيفة ويعمدون إلى سيئاته القبيحة المواضحة الفاضحة المتواترة فينكرون منها ما امكن انكاره ويبدلون الجانب الآخر بتلك التأويلات حسنات يمدحونه عليها ويطرونه بها ويفتاتون على الله تعالى في إثبات اثابته عليها ويظنون حينئذ انهم رتقوا بذلك فتقا في دين الله وانهم قد جمعوا الامة على الهدى وصانوا العامة عن الخوض فيما لا يجوز بزعمهم من ذكر مساوي ذلك الطاغية واعوانه انهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون تصرفوا كيف شاؤا وشوهوا وجوه المعاني تحاشيا عن ما يحط من مقدار ذلك الجبار في اعين المؤمنين كأنه لم يبلغهم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيما اخرجه الطبراني قال: حتى متى ترعون عن ذكر الفاسق اهتكوه يحذره الناس. واورده السيد محمود الالوسي في الاجوبة العراقية بعد ان صححه بلفظ اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس ولم
---(1/150)
[ 151 ]
ينظروا إلى ما اخرجه ابن ابي الدنيا عن الحسن مرسلا: ثلاثة لا تحرم عليك اعراضهم المجاهر بالفسق والامام الجائر والمبتدع والى ما جاء في حديث انس وغيره انه صلى الله عليه وآله قال: عند ثنائهم بالخير والشر وجبت انتم شهداء الله في ارضه والى ما جاء من انه لاغيبة لفاسق وإلى ماصح بالتواتر والنقل الصحيح عن سيد الصادقين بعد الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وعلى الهم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وغيره من اكابر الصحابة من هتكهم معاوية وبيان حاله وحال اعوانه من انهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن وانهم شر اطفال وشر رجال (ولعمر الله) لو قام بهذه التأويلات والتعسفات العذر لمعاوية وأعوانه عند انصاره والمغفلين من اتباعهم فانه لا يقوم لهم بشئ من ذلك عذر عند الله تعالى وهو علام الخفيات والمطلع على السرائر ها انتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ام من يكون عليهم وكيلا. اليس من الهوس والا فتيات على الله قولهم ان الله سيثيب معاوية وأعوانه على بغيهم وقد ذم الله البغي وكرر الزجر عنه واوعد مرتكبيه بعذابه الاليم كيف يتولى هذا الباغي واعوانه من يقرأ قوله تعالى انهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وان الظالمين بعضهم اولياء بعض والله ولي المتقين لو ان هؤلاء القوم وقفوا قليلا وحاسبوا ضمائرهم واطرحوا التقليد والتعصب جانبا لادركوا انهم وقعوا في هوة عظيمة وخطة اثيمة. فان تنج منها تنج من ذي عظيمة * والا فاني لا اخالك ناجيا ولعمري ان من رسخ في قلبه الايمان وخامر قلبه حب الله ورسوله واتباع الحق لا يقتنع بهذه المعاذير الفاسدة ولايتجر بهذه البضاعة الكاسدة أيم الله ما كتب مؤمن من هذه السفسطة شيئا الا وضميره يؤنبه وايمانه يوبخه فتراه يتغافل عن ذلك ويلجأ إلى التأسي بمن تقدمه من المقلدين
---(1/151)