[ 132 ]
ان امير المؤمنين معاوية كتب الي وامرني ان اصفي له كل بيضاء وصفراء فإذا اتاك كتابي هذا فأنظر ما كان من ذهب وفضة فلا تقسمه واقسم ما سوى ذلك فكتب إليه الحكم كتبت الي تذكر ان امير المؤمنين كتب اليك يأمرك ان تصطفي له كل بيضاء وصفراء واني وجدت كتاب الله فذكر الحديث إلى اخوه سواء انتهى. وإذا كان خادم النبي عليه وآله الصلاة والسلام خاصة ومولاه وصاحبه استحق الجر إلى النار بسبب عباءة غلها من الغنيمة كما في صحيح البخاري وغيره لمتنع النبي عليه وآله الصلاة والسلام من الصلاة على احد المجاهدين معه لاخذه خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين كما رواه مالك والنسائي واحمد وابو داود وابن ماجة وكانت الشملة التي غلها من المغنم احد عبيده عليه السلام تلتهب عليه نارا كما في البخاري وقال: للذي اخذ شراكا أو شراكين من خيبر شراك أو شراكان من نار كما في الصحيحين بل اتى رسول لله صلى الله عليه وآله نفسه بنطع من الغنيمة ليستظل به من الشمس فقال تحبون ان يستظل نبيكم بظل من نار يوم القيمة كما رواه الطبراني في الاوسط فما بالك بعقوبة من استأثر بذهب المغنم وفضته واصطفاه لنفسه غير مبال ولا متهيب فليتأول ذلك لمعاوية انصاره بما شاءوا وليحلوا له كثير ما حرم الله قليله على رسوله واصحابه ومواليه بما يوحي به إليهم شيطان التعصب والهوى اجارنا الله تعالى واعاذنا مما ابتلاهم به آمين. وسأذكر هنا واقعة لشعبة بن غريض بن عاديا رضي الله عنه مع معاوية شافهه فيها بتساهله في تبذيره الاموال لاصحابه خاصة ولم ينكر ذلك معاوية بل صدقه. قال أبو الفرج الاصبهاني في كتاب الاغاني (وخبرني) احمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال: حدثني احمد بن معاوية
---(1/132)


[ 133 ]
عن الهيثم بن عدي قال: حج معاوية حجتين في خلافته وكانت له ثلاثون بغلة يحج عليها نساؤه وجواريه قال: فحج في احداهما فرأي شخصا يصلي في المسجد الحرام عليه ثوبان ابيضان فقال من هذا قالوا شعبة بن غريض وكان من اليهود فأرسل إليه يدعوه فأتاه رسوله فقال اجب امير المؤمنين قال أو ليس قد مات امير المؤمنين قيل فأجب معاوية فأتاه فلم يسلم عليه بالخلافة فقال: له معاوية ما فعلت ارضك التي بتيماء قال: يكسي منها العاري ويرد فضلها على الجار قال: افتبيعها قال: نعم قال بكم قال بستين الف دينار ولولا خلة أصابت الحى لم ابعها قال: لقد اغليت قال: اما لو كانت لبعض اصحابك لاخذتها بستمائة الف دينار قال: اجل وإذا بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي نفسه فقال قال أبي. ياليت شعري حين اندب هالكا * ماذا تؤبنني به انواحي ايقلن لا يبعد فرب كريهة * فرجتها ببشارة وسماح ولقد ضربت بفضل مالي حقه * عند الشتاء وهبة الارواح ولقد اخذت الحق غير مخاصم * ولقد رددت الحق غير ملاحي وإذا دعيت لصعبة سهلتها * ادعى بأفلح مرة ونجاح فقال انا كنت بهذا الشعر اولى من ابيك قال: كذبت ولؤمت قال اما كذبت فنعم وأما لؤمت فلم قال لانك كنت ميت الحق في الجاهلية وميته في الاسلام اما في الجاهلية فقاتلت النبي صلى الله عليه وآله والوحي حتى جعل الله كيدك المردود واما في الاسلام فمنعت ولد رسول الله صلى الله عليه وآله الخلافة وما انت وهي وانت طليق بن طليق فقال معاوية قد خرف الشيخ فأقيموه فأخذ بيده فأقيم. وفي ربيع الابرار قال: خطب معاوية فقال ان الله تعالى يقول وان من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فعلى م تلومونني إذا
---(1/133)


[ 134 ]
قصرت في اعطائكم فقال الاحنف انا والله ما نلومك على ما في خزائن الله ولكن على ما انزله لنا من خزائنه فجعلته انت في خزائنك وحلت بيننا وبينه (انتهى). فأنظر ايها المنصف رحمك الله كيف قاتل الصديق الناس على الشاة والبعير يمنعها الرجل من مال المسلمين واستحل دماءهم بذلك وهذا ابن ابي سفيان اغتصب الكل واستأثر به ظلما وبغيا ثم قيل مع ذلك انه امام حق وخليفة صدق تناقلوا هذا وتهافتوا عليه واظهر كل ما عنده وبذل كل منهم جده في ذلك وجهده ويوم القيمة ترمى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة سبحانك هذا بهتان عظيم. وهنا نقبض القلم عن تعداد ما بقى من بوائقه وفظائعه إذ لا طمع في استقصائها فان المجال في ذلك فصيح جدا ومن ذا الذي يقدر على جمع بوائق جبار لبث بضعا واربعين سنة في الاسلام وهو يتمرغ في حمئة الجور والبغي والفساد والمحادة لله ورسوله (1) على ان الرواة قد سكتوا عن اكثرها خوف الفتنة ثم جاء بعدهم علماء من انصاره فطمسوا كثيرا مما نقله الرواة منها وليتهم اقتنعوا بما صنعوا لابل اكثروا اللوم وشددوا النكير على من نقل شيئا من قبائحه ولم يتأوله له أو يطعن في سنده وان كان بمنتهي مراتب الصحة وزعموا ان في ذلك فسادا عظيما لما فيه من الحط في مقدار كبار الصحابة الذين هم حملة الدين ونقلة القرآن حتى لام بعضهم العلامة المحدث ابن قتيبة على ذكره طرفا من ذلك في كتاب الامامة والسياسة وغيره وفي
---
(1) لطيفة ذكرت بهذا ما اتفق لبعض المجاذيب انه مر بحلقة قاص فسمعه يقول وزن النبي صلى الله عليه وآله فرجع بأمته كلها ثم وزن أبو بكر فرجح بها كذلك فقال ذلك المجذوب انكم تذكرون الذين رجحت حسناتهما بحسنات الامة فمالكم لا تذكرون الذين رجحت سيئاتهما بسيئات الامة فقيل له من هما عافاك الله قال هما الخبيثان معاوية وابنه يزيد. (*)
---(1/134)


[ 135 ]
هذا الكلام مشاغبة ومغالطة يكررها انصار معاوية ويلوذون عند العجز بها ليستروا قبائحه ويكتموا فضائحه ويوهموا بذلك الاغبياء انه من كبار الصحابة وحملة الدين. اما صحبته فستعلم مما يأتي انها صحبة سوء وانها عليه لاله واما دعوى حمله الدين فيالله العجب اي دين حمله معاوية إلى الامة ومن الذي يجيز قبول ما جاء به واي شخص - ولو عاميا - يخطر في باله ان معاوية من حملة الدين. اين معاوية من الدين وحملته ومعاوية هو الهادم اركان الدين ان الاحاديث القليلة التي نقلت عنه عرضا مطعون فيها بفسقه لا يجوز الاحتجاج بها في دين الله اتقبل احاديث من ارتكب الموبقات وسن البغي والظلم والغدر والجور والكذب ونقض العهود فهذا هو الدين الذي حمله معاوية واعوانه وبئس ما حملوا رب بما انعمت على فلن اكون ظهيرا للمجرمين اننا سننقل بوائقه ونعلنها على رؤس الاشهاد وننشرها للعام والخاص لتحذير الكل منه ومن الاغترار به لا نخاف في الحق لومة لائم وتعرف انه لا يلحق بكبار اصحاب محمد صلى الله عليه وآله ولا حملة دينه ادنى نقص بذلك فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه اولئك هم المفلحون واما من طغى وآثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى. يقول اقوام ان الخوض في هذا المقام يوجب التفريق بين أهل القبلة ويورث الغداوة والبغضاء بينهم واقول ان التمويه والمغالطة بوضع الباطل موضع الحق هو الموجب للتفريق والانصاف والاذعان للحق بأدلته الواضحة هو من موجبات التوفيق فان كل مؤمن بل وكل عاقل يجب ان يكون ضالته الحق حيث كان انا لم نكتب ما كتبناه عن حالات معاوية واشياعه واتباعه في في هذه العجالة الا بيانا للحق وتذرعا إلى التوفيق بين الفرق المتضاغنة من الامة المحمدية المختلفة في المشرب والمذاهب بكل منها تعصبه لفرقته في البعد
---(1/135)


[ 136 ]
عن الاخرى شوطا بعيدا فإذا تقهقر اصحابنا اهل السنة عن مأتوغلوا فيه حتى تجاوزوا الحد من تعظيم من ليس حقه التعظيم وتبرئة من براءته من الفسق تكاد تكون كذبا صراحا وافتيانا على الله واظهار مودة من حاد الله ورسوله من المسيئين صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله والمحدثين الاحداث القبيحة بعده إلى الاعتراف بأنهم ظالمون فساق بغاة قاسطون كما ذكر الله يستحقون ما يستحقه الفسقة من الرفض والبعض والمقت وتقهقر غلاة الشيعة عن توغلهم وغلوهم في الطرف الآخر من ذم وسب من لا يستحق الا المدح والاجلال والتوقير والتعظيم من كبار اصحاب نبيهم صلى الله عليه وآله واعترفوا بسوابقهم الحسنة وفضائلهم لاتفقنا نحن واياهم في نقطة هي والله مركز الحق ومداره ونزع من الطائفتين وغر القلوب وغل الصدور وذهبت نزغات الشيطان من بينهم وتحققت فيهم بأكمل معانيها اخوة الايمان ولكن الآفة والمصيبة كل المصيبة هو التعصب المذهبي والتقليد الصرف فأنه هو الذي يعمى البصائر عن الاستضاءة بأنوار الادلة الواضحة ويصم الاذان عن استماعها فتجد الشخص المتعصب عندما تورد عليه دليلا مخالفا لمذهبه ومغائرا لمعتقده كالحائر المتخبط منتفخ الودجين محمر الانف من الغضب يتطلب ما يجرح به ذلك الدليل أو يعارضه فإذا لم يجد لجا إلى تفسيره أو تأويله بما يوافق هواه من التأويلات البعيدة أو تمسك في نقضه بما يشاكل نسج العنكبوت في الضعف فتراه يقول قال: فلان كذا وافتى فلان بكذا في مقابلة قول الله تعالى ورسوله عليه وآله الصلاة والسلام حبا في نصرة مذهبه وطمعا في ان يكون الحق تبعا لهواه مقتنعا بتزيين النفس الامارة له ذلك العمل السئ الذي هو اهدار قول الله تعالى أو قول رسوله صلى الله عليه وآله بتحكيم آراء الرجال واقوالهم وتخييلها له بأنه قائم بعمل عظيم ينصر به السنة ويعزز به الدين وانه ملتزم حسن الادب والتواضع مع العلماء إذ لم يقدر على رد شئ من أقوالهم ولم يتهم احدا منهم
---(1/136)

27 / 54
ع
En
A+
A-