[ 127 ]
معاوية حلة ريحها طيب فنقم عليه عمر وقال يخرج احدكم حاجا نقلا حتى إذا جاء اعظم بلدان الله حرمة اخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فلبسهما فقال له معاوية انما لبستهما لا دخل بهما على عشيرتي. وقال في الفائق كان عمر رضي الله عنه بمكة فوجد طيب ريح فقال من قشبنا فقال معاوية يا امير المؤمنين دخلت على ام حبيبة فطيبتني وكستني هذه الحلة فقال عمر: ان اخا الحاج الاشعث الادفر الاشعر (انتهى) ثم قال القشب الاصابة بما يكره ويستقدر والذي استخبث به عمر تلك الرائحة الموجودة من معاوية بن ابي سفيان حتى سمى اصابتها قشبا مخالفته السنة وتطيبه وهو محرم (انتهى). ثم ان معاوية محدثات في الاسلام ومبتدعات في الدين ومخالفات للشرع كثيرة (فمن اوليائه) التي لم يسبق إليها ثم صارت بعده سننا متبعة انه اول من جعل ابنه ولي عهده (ومنها) انه اول من عهد وهو صحيح بالخلافة بعده وهو اول من اتخذ المقاصير في الجوامع واول من قتل مسلما صبرا واول من اقام على رأسه حرسا واول الملوك واول شرارهم واول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته واول من قيدت بين يديه الجنائب واول من أسقط الحد عمن يستحق اقامة الحد عليه قال: الشعبي اول من خطب الناس قاعدا معاوية وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه. قال: الزهري اول من احدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية وقال: سعيد بن المسيب اول من احدث الاذان في العيد معاوية وهو اول من ترك الجهر بالتسمية في الصلاة بالمدينة حتى انكر عليه المهاجرون والانصار وقالوا اسرقت التسمية يا معاوية. ومن فعلاته المنكرة اهانته لابي ذر الغفاري وجبهه وشتمه واشخاصه إلى المدينة على قتب يابس بغير وطاف معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى اتوا به المدينة قد انهكه التعب واتعبته مواصلة الطرد قد تسلخت بواطن
---(1/127)
[ 128 ]
افخاذه وكاد ان يتلفت فقيل له انك تموت من ذلك فقال: هيهات لن اموت حتى انفي. ومن جرائره لبسه الحرير واستعماله آنية الذهب والفضة وقوله بعد سماع النهي في ذلك ما أرى بهذا باسا وضربه من لاحد عليه من المسلمين وحكمه برأيه في الرعية وفي دين الله وتطريقه لبني امية الوثوب على مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى خلافته فاجرا بعد فاجر حتى افضت إلى يزيد ابن عبدالملك صاحب سلامة وحبابه والى الوليد بن يزيد الزنديق رامي المصحف بالسهام والقائل في شعره. فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي إلى غير ذلك من اقواله المكفرة والعياذ بالله تعالى (وبالجملة) فبدع معاوية ومحدثاته ومخالفاته كثيرة لا سبيل إلى استقصائها وقد ذكر اهل السير والتأريخ منها شيئا كثيرا قال: عليه وعلى آله الصلاة والسلام شر الامور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (1).
---
(1) (ومن مخزياته الفاضحة) تفريقه بالحيلة بين عبدالله بن سلام القرشي وزوجته ارينب بنت اسحاق حين تعشقها خميره يزيد ليزوجه بها معاونة له على الاثم والعدوان وقد روى القصة كلها ابن قتيبة رحمه الله تعالى في كتاب الامامة ورواها عبدالملك بن بدرون الحضرمي الاشبيلي في كتابه اطواق الحمامة بشرح البسامة وغيرهما. وخلاصة رواية ابن قتيبة رحمه الله هي هذه قال لما بلغ معاوية عشق يزيد وهيامه بارينب بنت اسحاق من وصيف له يقال له رفيق فقال له معاوية اكتم يا بني امرك واستعن بالصبر فان البوح غير نافع ولابد مما هو كائن وكانت ارينب مثلا في اهل زمانها جمالا وكمالا وكثرة مال وكانت تحت ابن عمها عبدالله ابن سلام القريشي وكان له منزلة عند معاوية وقد استعمله بالعراق وقد امتلا معاوية هما وغما بأمر يزيد فأخذ في الحيلة والنظر فيما يجمع بينهما حتى يرضى يزيد فأستدعى زوجها من العراق عجلا يبشره بأمر له فيه كامل الخط فلما انزله منزلا حسنا ثم دعا معاوية ابا هريرة وابا الدرداء رضى الله عنهما وكانا بالشام فقال لهما اني قد ؟ ؟ لي ابنة اردت نكاحها ليهتدي بي من بعدي = (*)
---(1/128)
[ 129 ]
(ومن بوائقه المهلكة) استئثاره بأموال المسلمين واكلها بالباطل وصرفها كما يشاء لا كما يجب عليه ومنعها مستحقيها من المسلمين وايثاره بها اعوانه وقراباته الذين لا استحقاق لهم ولا سابقة في الدين وقد قال تعالى ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل (واخرج الطبراني وحسنه عن عمرو بن شغوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب عد عنهم المستأثر بالفئ والمتجبر بسلطانه ليعز من اذل الله ويذل من أعز الله، واخرج الديلمي في مسند
---
فأني اخاف ان يعضل الامراء بعدي نساءهم وقد رضيت لها عبدالله بن سلام لدينه وفضله وادبه فاذكرا ذلك عني واني كنت جعلت لها الشورى في نفسها غير اني ارجو ان لا تخرج من راي فخرجا إلى عبدالله بن سلام واعلماه بما قاله معاوية فسر به وفرح وحمد الله ودعا لمعاوية ثم بعثهما إلى معاوية خاطبين عليه فلما قدما قال لهما معاوية انكما تعلمان رضاي بذلك فأدخلا عليها واعرضا عليها ما رضيت لها فدخلا واعلماها بكل ما جرى وكان معاوية قد لقنها ما يريد ان تجيب به فقالت عبدالله بن سلام كفوء كريم وقريب حميم غير انه تحته ارينب بنت اسحق وانا خائفة ان تعرض لي غيرة النساء فأتولى منه ما يسخط الله ولست بفاعله حتى يفارقها فأخبرا عبدالله بن سلام بالامر ففارق زوجته واشهدهما على طلاقها فأظهر معاوية كراهيته طلاقها وقال لا استحسنه ولو صبرو لم يعجل كان امره إلى مصيره فأنصرفا في عافية ثم عودا لتأخذا رضاها ثم اخبر يزيد بما كان من طلاق ارينب ثم عادا إلى معاوية فأمرهما بالدخول إليها ليسألاها فدخلا عليها واعلماها بطلاق ارينب طلبا لمسرتها فقالت انه في قريش لرفيع وان الزواج هزله جد والاناة في الامور اوفق واني سائلة عنه حتى اعرف دخيلة خبره ومستخيرة فيه ومعلمتكما بخيرة الله ثم انصرفا واعلما عبد الله بن سلام فقال. فان يك صدر هذا اليوم ولي * فان غدا لناظره قريب ولم يشك الناس في غدر معاوية اياه وتحدثوا به ثم استحثهما عبدالله بن سلام وسألهما الفراغ من أمره فأتياها فقالت لهما اني سألت عن امره فوجدته غير ملائم لي ولا موافق لما اريد لنفسي فعلم عبدالله انه قد خدع فقال متعزيا ليس لامر الله راد ولام الناس معاوية على خديعته وجراته على الله ولما انقضت اقرؤها وجه معاوية ابا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد فخرج حتى قدمها وبها يومئذ الحسين بن علي عليهما السلام فقدم ابو الدرداء زيارة الحسين والتسليم عليه على مهمته فرحب به الحسين واجله واخبر ابو الدرداء = (*)
---(1/129)
[ 130 ]
الفردوس عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من لم يبال من اين اكتسب المال لم يبال الله به من اين ادخله النار (واخرج) أبو داود من رواية القاسم بن مخيمرة مرسلا قال: قال عليه وآله الصلاة والسلام من اصاب مالا من مأثم ووصل به رحما أو تصدق به أو انفقه في سبيل الله جمع الله ذلك جميعا ثم قذف به في النار. قلت هذا الوعيد الشديد وكثير غيره وارد على من أكل أو استأثر من
---
بمهمته فقال الحسين لقد ذكرت نكاحها فلم يمنعني الا تخير مثلك فأخطبها علي وعليه واعطها من المهر ما اعطاها معاوية عن ابنه فلما دخل عليها ابو الدرداء قال: لها قد خطبك امير هذه الامة وابن الملك وولي عهده يزيد بن معاوية، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله الحسين بن علي فأختاري ايهما شئت فسكتت طويلا ثم فوضت امرها إليه فقال أي بنية ابن بنت. رسول الله صلى الله عليه وآله احب الي وارضاهما عندي فتزوجها الحسين وساق لها مهرا عظيما وبلغ معاوية ما فعل ابو الدرداء فتعاظمه جدا وقال من يرسل ذابله وعمى يركب خلاف ما يهوى ورايي كان من رأيه اسوا ولقد كنا بالملامة اولى وكان عبدالله بن سلام قد استودعها قبل فراقه بدرات مملوءة درا هو اعظم ماله واحبه إليه وكان معاوية قد جفاه وقطع جميع روافده لتهمته اياه بالخديعة ولم يزل يقصيه حتى عيل صبره وقل ما في يده فخرج راجعا إلى العراق يذكر ماله الذي كان استودعه ارينب ولا يدري كيف يصنع ويتوقع جحودها لطلاقه اياها من غير شئ انكره ونقمه عليها ولما قدم لقى الحسين عليه السلام وسلم عليه وقال: قد علمت جعلت فداك ما كان من قضاء الله في طلاق ارينب وكنت استودعتها مالا عظيما درا فذكرها امري واحضضها على الرد فان الله يحسن عليك فلما انصرف الحسين إليها قال: لها قد قدم عبدالله بن سلام وهو يثني عليك ويذكر انه استودعك مالا فأدى إليه ماله فقالت صدق وانه لمطبوع عليه بطابعه ثم لقى ابن سلام افقال ما انكرت وزعمت انها لكما دفعتها لها بطابعك ثم دخل عليها وقال: الحسين هذا عبدالله يطلب وديعته فأديها إليه فأخرجت البدرات فوضعتها بين يديه فشكرها وحثالها من ذلك الدر حثوات واستعبرا جميعا فقال الحسين اشهد الله انها طالق ثلاثا اللهم انك تعلم اني لم اتزوجها المال ولا لجمال ولكن اردت حبسها لبعلها وأرجو ثوابك على ذلك فتزوجها عبدالله بن سلام وحرمها الله على يزيد (انتهى باختصار). (*)
---(1/130)
[ 131 ]
مال المسلمين بشئ من غير استحلال اما معاوية فمع اكله الاموال فقد استحلها وما أدراك ما عقوبة مستحل ما حرم الله انه والله سيندم اشد الندامة ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة. قال المسعودي رحمه الله حدثنا ابو الهيثم قال: حدثني ابو البشر محمد بن بشير الفزاري عن ابراهيم بن عقيل البصري قال: قال معاوية يوما وعنده صعصعة بن صوحان وكان قدم عليه بكتاب من علي عليه السلام وعنده وجوه الناس الارض لله وانا خليفة الله فما اخذت من مال الله فهو لي وما تركنه كان جائزا لي فقال له صعصعة. تمنيك نفسك مالا يكو * ن جهلا معاوي لا تأثم وذكر ابن حجر انه جاء بسند رجاله ثقات ان معاوية خطب يوم جمعة فقال انما المال مالنا والفئ فيئنا فمن شئنا اعطيناه ومن شئنا منعناه في كلام طويل (واخرج) ابن عبد البر في الاستيعاب قال: حدثنا احمد بن ابي عبدالله قال: حدثنا بقى (كذا) قال حدثنا ابو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن علية بن هشام عن الحسن البصري قال: كتب زياد إلى الحكم بن عمرو الغفاري وهو على خراسان ان امير المؤمنين كتب الي ان تصفى له البيضاء والصفراء فلا تقسم بين الناس ذهبا ولا فضة فكتب إليه الحكم بلغني ان امير المؤمنين كتب ان تصفى له البيضاء والصفراء واني وجدت كتاب الله قبل كتاب امير المؤمنين وانه والله لو ان السموات والارض كانتا رتقا على عبد ثم اتقى الله جعل له مخرجا والسلام عليكم ثم قال للناس اغدوا على مالكم فقسمه بينهم وقال: الحكم اللهم ان كان عندك لي خير فأقبضني اليك فمات بخراسان بمرو واستخلف لما حضرته الوفاة انس بن أبي اناس. قال وروى يزيد بن هارون قال: حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال بعث زياد الحكم بن عمرو الغفاري على خراسان فأصاب مغنما فكتب إليه زياد
---(1/131)