[ 117 ]
وربما عكس ذلك فيمن ادته قوة ايمانه إلى التصريح ببعض ما علمه مما جاء في فضائل اهل البيت الطاهر عليهم السلام أو مثالب اعدائهم فقد عوقب كثير منهم على ذلك العمل المحمود وجرح كثير من رواة الحديث بتشيعه فقط مع الاقرار بماله من باقي الفضائل (الا ترى) ان من رواة الصحيح غير الذي عدوهم من الصحابة واصطلحوا على تعديلهم مروان بن الحكم القائل للحسن بن علي انكم اهل بيت ملعونون، وعمران بن حطان الخارجي القائل الابيات المشهورة يثنى بها على اشقى الآخرين ابن ملجم. يثلب الامام علي بن ابي طالب، وحريز بن عثمان الرحبي الذي نقل عنه صاحب التهذيب انه كان ينتقص عليا وينال منه وقال اسمعيل بن عياش عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسب عليا ويلعنه وقال: ايضا سمعت حريز بن عثمان يقول هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: لعلي انت مني بمنزلة هارون من موسى حق ولكن اخطأ السامع قلت فما هو قال: انما هو انت مني بمنزلة قارون من موسى وذكر الازدي ان حريز بن عثمان روى ان النبي صلى الله عليه وآله لما أراد ان يركب جاء علي بن ابي طالب فحل حزام البغلة ليقع النبي صلى الله عليه وآله وقيل ليحيى بن صالح لم لا تكتب عن حريز فقال كيف اكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة وقال: ابن حبان كان يلعن عليا بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة فقيل له في ذلك فقال هو القاطع رؤوس آبائي وامثال هؤلاء الرواة كثيرون ولكن هؤلاء الثلاثة مروان وعمران وحريز عنوان ومثال لانهم من رواة صحيح البخاري الذي قالوا عنه انه اصح كتب الحديث وقال: الذهبي في ترجمة المصعبي انه انصر أهل زمانه للسنة وانه وانه ثم قال: ولكنه يضع الحديث وقال في ترجمة الجوزجاني انه من الحفاظ الثقات وكان يتحامل على علي وفيه انحراف فيه.
---(1/117)
[ 118 ]
أفهؤلاء من الثقات الذين يحتج بهم في دين الله ؟ ! لا والله ثم لا والله ثم انظر ضد هذا مع من يميل إلى علي عليه السلام واهل بيته فأنهم مع مالهم من الفضل نبزوا بالتشيع كأنه كبيرة من الكبائر وأوذوا بذلك وجرحت عدالتهم فقد علمت ما جرى للامام النسائي رحمه الله حيث جمع خصائص الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فأنه طولب في جامع دمشق ان يكتب مثلها في معاوية فقال لا اعرف فيه الا قول النبي صلى الله عليه وآله لااشبع الله بطنه فضرب بالنعال وعصرت خصيتاه ثم مات شهيدا رحمه الله (وقال) الذهبي في ترجمة السقا الواسطي بارك الله في سنه وعلمه واتفق انه املي حديث الطير فلم تحتمله عقولهم فوثبو به واقاموه وغسلوا موضعه فمضى ولزم بيته ولم يحدث احدا من الواسطيين (وذكر) أيضا في ترجمة الحافظ ابن عقدة انه مقت لتشيعه (وقال) ضرب الحجاج ابن ابي ليلى ليسب عليا (وقال) في ترجمة يحيى بن كثير انه امتحن وضرب وحلق لانه كان ينتقص بني امية (وذكر) أبو الفرج في خبر خندف ابن بدر الاسدي انه وقف بالموسم فقال - كما روى عمر بن شبة عنه في خبره - ايها الناس انكم على غير حق قد تركتم اهل بيت نبيكم والحق لهم وهم الائمة ولم يقل انه سب أحدا فوثب عليه الناس فضربوه ورموه حتى قتلوه (انتهى) (وقال الذهبي) ان عباد بن العوام كان يتشيع فحبسه الرشيد زمانا (ولقد) صدق الشاعر حيث قال: ان اليهود بحبها لنبيها * امنت مغرة دهرها الخوان وذو والصليب بحب عيسى اصبحوا * يمشون زهوا في قرى نجران والمؤمنون بحب آل محمد * يرمون في الآفاق بالنيران (واكبر) من هذا كله جرح بعضهم الامام جعفر الصادق على آبائه وعليه افضل الصلاة والسلام وتسورهم على سمي مقامه.
---(1/118)
[ 119 ]
ارادت عرارا بالهوان ومن يرد * عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم واليك بعض ما ذكروا عنه قال في تهذيب التهذيب قال ابن المديني سئل يحيى ابن سعيد القطان عن جعفر الصادق فقال في نفسي منه شئ ومجالد احب الي منه قال سعيد بن ابي مريم قيل لابي بكر بن عياش مالك لم تسمع من جعفر وقد ادركته قال سألته عما يحدث به من الاحاديث اشئ سمعته قال لا ولكنها رواية رويناها عن آبائنا وقال ابن سعد كان جعفر كثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف سئل مرة هل سمعت هذه الاحاديث عن ابيك قال نعم وسئل مرة فقال انما وجدتها في كتبه قال الحافظ بن حجر يحتمل ان يكون السؤالان وقعا عن احاديث مختلفة فذكر فيما سمعه انه سمعه وفيما لم يسمعه انه وجده وهذا يدل على تثبته (انتهى). (قلت) احتج الستة في صحاحهم بجعفر الصادق الا البخاري فكأنه اغتر بما بلغه عن ابن سعد وابن عياش وابن القطان في حقه على انه احتج بمن قدمنا ذكرهم وهنا يتحير العاقل ولا يدري بماذا يعتذر عن البخاري رحمه الله وقد قيل في هذا المعنى شعرا. قضية اشبه بالمرزئة * هذا البخاري امام الفئة بالصادق الصديق ما احج في * صحيحه واحتج بالمرجئة ومثل عمران ابن حطان أو * مروان وابن المرأة المخطئة مشكلة ذات عوار إلى * حيرة ارباب النهى ملجئه وحق بيت يممته الورى * مغدة في السير أو مبطئه ان الامام الصادق المجتبى * بفضله الآي اتت منبئه اجل من في عصره رتبة * لم يقترف في عمره سيئه قلامة من ظفرا بهامه * تعادل من مثل البخاري مئة وقد انجربنا الكلام وطال ولكنه يعلم منه ما اصاب اهل البيب النبوي
---(1/119)
[ 120 ]
وشيعتهم بما اساسه واصله معاوية الطاغية وما بثه ونشره وايده بقوة السيف من سب علي واهل بيته وانتقاصهم ووبال ذلك كله عائد عليه في الآخرة يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه ابدا بعيدا. جاء في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبدالله: من سن في الاسلام سنة حسنة كان له اجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الاسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة (واخرج) ابن ماجة عن انس وصححه ايما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فان عليه مثل اوزار من تبعه ولا ينقص من اوزارهم شيئا وايماداع دعا إلى الهدى فاتبع فان له مثل اجور من اتبعه ولا ينقص من اجورهم شيئا. ومن بوائقه العظيمة استخفافه بمقام النبي صلى الله عليه وآله وباحكامه وبوصاياه باهل بيته وانصاره (وسنذكر) لك طرفا من محدثاته يدلك على انه غير مبال باحكام الله ولا بشريعته وان كانت كل احواله دالة على ذلك ولولا وجود من ينكر ذلك لا ستهتر فيه وخلع العذار. قال شيخ الاسلام ابن تيمية في كتاب الصارم المسلول في كفر شاتم الرسول روى ابن وهب قال اخبرني سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد اخي سفيان بن سعيد الثوري عن ابيه عن عباية قال ذكر قتل ابن الاشرف عند معاوية فقال بنيامين النضري كان قتله غدرا فقال محمد بن مسلمة الانصاري ايغدر عندك يا رسول الله صلى الله عليه وآله ثم لا تنكروا الله لا يظلني واياك سقف بيت ابدا ولا يخلوا لي دم هذا الا قتلته (انتهى) (وروى) مالك رحمه الله في الموطاعن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار ان معاوية ابن ابي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق باكثر من وزنها فقال له ابو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ينهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل
---(1/120)
[ 121 ]
فقال معاوية ما ارى بمثل هذا باسا فقال ابو الدرداء من يعذرني من معاوية أنا اخبره عن رسول الله صلى الله عليه وآله ويخبرني عن رأيه لا اساكنك بارض انت بها ثم قدم ابو الدرداء على عمربن الخطاب فذكر له ذلك فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية ابن لا يبيع مثل ذلك الا مثلا بمثل وزنا بوزن. قال الملاعلي القاري في شرح الموطا رواية الامام محمد عند قوله ما نرى به باسا هوما صدر عنه عن تكبر وعناد أو عن اجتهاد وقد اخطأ فيه لكن كان يجب عليه حينئذ ان يرحع بعد سماع الحديث لا سيما وهو موثوق به بلا خلاف (انتهى) (قلت) كيف يسوغ الاجتهاد بعد سماع النص الصريح الصحيح فلم يكن قوله ذلك الا عنادا وتكبرا واعجابا برأيه (1) والله اعلم. وذكر ابن عبدالبرفي قول ابي الدرداء لا اساكنك بارض انت بها كان ذلك منه انفة ان يرد عليه سنة علمها من سنن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم برأيه وصدور العلماء تضيق عند مشاهدة مثل ذلك وهو عندهم عظيم (قلت) قد ذكر اهل الحديث ان هذه القصة محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال الزرقاني والاسناد صحيح وان لم يرومن وجه آخر فهو من الافراد الصحيحة قال ابو عمرو الطرق متواترة بذلك عنهما وقد رواهما النسائي قال والجمع ممكن: بانه عرض له ذلك مع عبادة وابى الدرداء (قلت) وسياق الحديثين يدل على التعدد فانهم قالوا في حديث عبادة بن الصامت انه غزا مع معاوية ارض الروم فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير وكسر الفضة بالدراهم فقال يا أيها الناس انكم تأكلون الربا سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول لا تبتاعوا الذهب بالذهب الا مثلا بمثل لا زيادة بينهما ولا نظرة فقال له معاوية يا ابا الوليد لا ارى الربا
---
(1) ولولا ذلك لم يهجر البلاد التي هو بها ابو الدرداء. (*)
---(1/121)