[ 112 ]
عثمان سبحان الله شيوخ المهاجرين وكبار اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وبقية الشورى اخرجهم من ديارهم وافرق بينهم وبين اهليهم وابنائهم لا افعل هذا (انتهى) ولقد صدق الامام عليه السلام حيث قال: في صفين والله يود معاوية انه ما بقى من بني هاشم نافخ ضرمة الا طعن في بطنه اطفاء لنور الله ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. وكما ورث معاوية عداوة بني هاشم عن ابيه فقد ورث النصيب الآخر ايضا عن امه هند بنت عتبة بن ربيعة فقد كانت شديدة العداوة للنبي صلى الله عليه وآله بمكة ولما تجهز مشركوا قريش لغزوة احد خرجت معهم تحرض المشركين على القتال ولما مروا بالابواء حيث قبرت امن النبي صلى الله عليه وآله آمنة بنت وهب رضي الله عنها اشارت على المشركين بنبش قبرها وقالت لو نجثتم قبر ام محمد - وفي رواية بحثتم - فان اسرمنكم احد فديتم كل انسان بأرب من آرابها أي جزء من اجزائها فقال بعض قريش لا يفتح هذا الباب ولما التقى الناس بأحد قامت هند والنسوة اللاتي معها واخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويقلن. ويها بني عبدالدار * ويها حماة الادبار * ضربا بكل بتار قال ابو دجانة الانصاري سمعت انسانا يحمس الناس حمسا شديدا يوم احد فعمدت إليه فلما حملت عليه بالسيف ولول فعلمت انه امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ان اضرب به امرأة. ولما انتهت الواقعة في احد بقرت هند بطن سيدنا حمزة رضي الله عنه واخرجت كبده فلاكتها فلم تستطع ان تسيغها فلفظتها ولما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وآله انها اخرجت كبد حمزة قال هل اكلت منها شيئا قالوا لا قال ان الله قدحرم على النار ان تذوق من لحم حمزة شيئا ابدا. وكان حسان بن ثابت رضي الله عنه يهجوها وزوجها على مسمع من
---(1/112)


[ 113 ]
النبي صلى الله عليه وآله ومشهد من اصحابه رضي الله عنهم ويقذفها بما اتهمت به من الزنا ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وآله شيئا مما هجاهما به فمن ذلك قوله شعرا يذكر فيه خروجها إلى احد قال: اشرت لكاع وكان عادتها * لؤم إذا اشرت مع الكفر لعن الآله وزوجها معها * هند الهنود طويلة البظر اقبلت ثائرة مبادرة * بأبيك وابنك يوم ذي بدر وبعمك المسلوب بزته * واخيك منعفرين في الجفر ونسيت فاحشة اتيت بها * يا هند ويحك سبة الدهر فرجعت صاغرة بلا ترة * مما ظفرت به ولا وتر زعم الولائد انها ولدت * ابنا صغيرا كان من عهر (1) وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتلها يوم الفتح لما فعلت بحمزة ولما كانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة فجاءت إليه مع النساء متخفية واسلمت.
---
(1) قال أبو الفرج الاصفهاني رحمه الله في كتاب الاغاني اخبرني احمد بن عبيدالله بن عمار قال: حدثني عمر بن محمد بن عبدالملك الزيات قال: حدثني ابن ابي سلمة بن هشام قال: ابن عمار وقد حدثناه ابن ابي سعد عن علي بن الصباح عن هشام قال: ابن عمار وحدثنيه علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه دخل حديث بعضهم في بعض: ان مسافر بن ابي عمرو بن امية كان من فتيان قريش جمالا وشعرا وسخاء قالوا فعشق هندا بنت عتبة بن ربيعة وعشقته فأتهم بها وحملت منه قال: بعض الرواة فقال معروف بن خربوذ فلما بأن حملها أو كاد قالت له اخرج فخرج حتى أتي الحيرة فأتي عمرو بن هند فكان ينادمه واقبل أبو سفيان بن حرب إلى الحيرة في بعض ما كان يأتيها فلقى مسافرا فسأله عن حال قريش والناس فأخبره وقال له: فيما يقول وتزوجت هندا بنت عتبة فدخله من ذلك ما اعتل معه حتى استسقى بطنه قال ابن خربوذ فقال مسافر في ذلك. الا ان هندا أصبحت منك محرما * واصبحت من ادنى حموتها حما واصبحت كالمقمور جفن سلاحه * يقلب بالكفين قوسا واسهما قال وخرج يريد مكة فمات بموضع يقال له هبالة ودفن بها (انتهى). (*)
---(1/113)


[ 114 ]
(نعم) اقول ان معاوية وعمرا وزيادا ومروان امثالهم من السابين اللاعنين لعلي عليه السلام على المنابر يعلمون ويعتقدون ان عليا افضل اهل زمانه واحبهم إلى الله واحقهم بالامر والخلافة ولكنهم يخالفون ذلك فعلا حرصا على الرياسة ورفعا لراية البغي والفساد في الارض على انهم قد يقرون بذلك في مطاوي كلامهم واحتجاج بعضهم على بعض (الا ترى) ان عمرا كيف انشاء تلك الابيات في فضل علي وشأنه في حضرة معاوية ليأخذ عليها بدرة من المال (فقد ذكر) الهمداني رحمه الله في كتاب الاكليل المشهور قال: روي ان معاوية بن ابي سفيان قال: يوما لجلسائه من قال في علي ما فيه فله هذه البدرة فقال كل منهم كلاما غير موافق من شتم امير المؤمنين عليه السلام الا عمرو بن العاص فأنه قال: ابياتا اعتقدها وخالفها بفعاله. بآل محمد عرف الصواب * وفي ابياتهم نزل الكتاب وهم حجج الاله على البرايا * بهم وبجدهم لا يستراب ولاسيما ابو حسن علي * له في المجد مرتبة تهاب إذا طلبت صوارمه نفوسا * فليس لها سوى نعم جواب طعام حسامه مهج الاعادي * وفيض دم الرقاب لها شراب وضربته كبيعته بخم * معاقدها من الناس الرقاب إذا لم تبر من أعدا علي * فمالك في محبته ثواب هو البكاء في المحراب ليلا * هو الضحاك ان آن الضراب هو النبأ العظيم وفلك نوح * وباب الله وانقطع الجواب فأعطاه معاوية البدرة وحرم الآخرين (قلت) هذا كلام عمرو - والفضل ما شهدت به الاعداء. (وقد) اخرج الدارقطني عن مروان بن الحكم انه قال: ما كان احد ادفع عن عثمان من علي فقيل له مالكم تسبونه على المنابر قال: انه لا يستقيم
---(1/114)


[ 115 ]
لنا الامر الا بذلك (انتهى) وستري في مواضع متفرقة من هذه الرسالة مما مربك وما يأتي كثيرا من فلتات السنتهم من الثناء على علي عليه السلام والاعتراف بفضله ولكن ابت عليهم اطماعهم واغراضهم الا تماديا في الغي وتوغلا في الضلال. (واني) والله لا اعجب من معاوية واشياعه في تعنتهم وتوغلهم في المهالك بسبهم عليا واهل بيته لانهم فئة غلف القلوب قد حق عليهم ما حق وغلب عليهم حب المال والجاه للذين لا ينالو نهما الا بأقتراف تلك المآتم وتنفير الناس عن اهل البيت الطاهر عليهم السلام فباعوا دينهم بدنيا واسعة وجاه عريض وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة في الآخرة الامتاع ولكني اعجب من قوم لا يزالون إلى الآن يتولونهم ويناصرونهم ويعتذرون عن قبائحهم ومساويهم بالمعاذير المردودة وينكرون وقوع ما لم يقدروا على الاعتذار عنه من منكراتهم ولم يبق لهم من ذلك المال العريض نقير ولا فتيل ومع ذلك يدعون وينتحلون ويتظاهرون بحب النبي صلى الله عليه وآله واهل بيته وربما اعتقدوا انهم من اخص الناس بهم واكثرهم اتباعا لهم وسلوكا لطريقتهم. هذه والله هي التجارة البائرة والصفقة الخاسرة. تود عدوي ثم تزعم انني * صديقك ليس النوك عنك بعازب ومن الحكم المأثورة عن الامام علي عليه السلام: اصدقاؤك ثلاثة واعداؤك ثلاثة فأصدقاؤك صديقك وصديق صديقك وعدو وعدوك واعداؤك عدوك وعدو صديقك وصديق عدوك (ونقل) عنه كرم الله وجهه انه قال: لا يجتمع حبي وحب معاوية في قلب مؤمن أبدا (وأخرج) ابن ماجة عن أبي امامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: من أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عبداذهب آخرته بدنيا غيره (وسئل) ابو حازم رحمه الله اي المؤمنين اخسر قال: رجل اخطأ في هوى غير فباع اخرته
---(1/115)


[ 116 ]
بدنيا غيره. فهل للمغرورين المقلدين ان يرجعوا إلى الحق وينصروه فانه خير لهم من الاصرار على الباطل وأولى بهم من المكابرة فان تولوا فأعلم انما يريد الله ان يصيبهم ببعض ذنوبهم. (قلت) ان مما يفضي بالمؤمن إلى العجب ويذهب بالحكيم إلى الاستغراب هو محاولة معاوية وتطلبه من المؤمنين عامة ان يلعنوا ويسبوا عليا عليه السلام وبلوغه الجهد الجهيد في ذلك على علمه ان الله سبحانه وتعالى انما شرع له الاستغفار والحب من المؤمنين عامة حيث يقول جل وعلا: والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان " وعلي عليه السلام اول السابقين إلى الايمان فالاستغفار له من عموم المؤمنين هو اللازم كما في القرآن لا السب واللعن كما يرغب ابن ابي سفيان. على انه قد ضل بهذه البدعة الشنيعة التي انبتها معاوية بل انبت بها النفاق في القلوب خلق كثير واصيب بدائهاجم غفير فصارت منكرا مألوفا وعادة معتادة حتى ان عمر بن عبد العزيز رحمه الله نودي من جوانب المسجد يوم تركها من الخطبة السنة السنة يا امير المؤمنين تركت السنة وحتى اجمع اهل حمص في زمن ما على ان الجمعة لا تصح بغير لعن ابي تراب عليه السلام ولم يكن هذا الدعاء العضال والمنكر المألوف والسنة السيئة الذي اسسه ذلك الطاغية واتبعه فيه فراعنة بني امية مقصورا على ذوي الشوكة وعامة الناس فقط بل سرى سمه إلى كثير ممن يترسم بالعلم والدين وجرهم إلى الانحراف عن علي واهل بيته عليهم السلام ومن تظاهر بشئ من ذلك الانحراف قيل فيه انه صاحب سنة ومن أعل حديثا من احاديث فضلهم أو راويا من رواته أو دعى ولو بلا بينة ضعف الحديث أو وضعه قيل انه من انصر الناس للسنة. لقد رابني من عامر ان عامرا بعين الرضى يرنوالى من جفانيا
---(1/116)

23 / 54
ع
En
A+
A-