[ 97 ]
يقول في آخر خطبته اللهم ان ابا تراب الحد في دينك وصد عن سبيلك فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا اليما قال وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى ايام عمر بن عبد العزيز (وروى) فيه ايضا ان قوما من بني امية قالوا لمعاوية يا امير المؤمنين انك قد بلغت ما املت فلو كففت عن هذا الرجل فقال لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلا (وروى) ابو الحسن المدائني في كتاب الاحداث قال كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة ان برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابي تراب واهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفي اهل بيته وكان اشد الناس بلاء حينئذ اهل الكوفة لكثرة من بهامن شيعة علي عليه السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لانه كان منهم ايام علي عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدرو اخافهم وقطع الايدي والارجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم (وكتب) معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي شهادة وكتب إليهم ان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه واهل ولايته الذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم واكرموهم واكتبوا الي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم ابيه وعشيرته ففعلوا ذلك حتى اكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلاة والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجد امرؤ من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضباة أو منقبة الا كتب اسمه وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا. (ثم كتب) إلى عماله ان الحديث في عثمان قد جهز وفشا في كل مصر
---(1/97)


[ 98 ]
وكل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الاولين ولا تتركوا خبرا يرويه احد من المسلمين في ابي تراب الا وائتوني بمناقض له في الصحابة فان هذا احب الي واقر لعيني وادحض لحجة ابي تراب و شيعته واشد عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرئت كتبه على الناس فرويت احاديث كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لاحقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى اشادوا بذكر ذلك على المنابر والقي إلى معلمي الكتاب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله. (ثم كتب) إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة انه يحب عليا واهل بيته فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه وشفع ذلك بنسخة اخرى من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره فلم يكن البلاء اشد واكثر منه بالعراق ولاسيما بالكوفة حتى ان الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمن عليه فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة وكان اعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقزبو في مجالسهم ويصيبوا به الاموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الاخبار والاحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون انها حق ولو علموا انها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليهما السلام فأزداد البلاء والفتنة فلم يبق احد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريد على الارض
---(1/98)


[ 99 ]
ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسين عليه السلام وولي عبدالملك بن مروان فاشتد الامر على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف فتقرب إليه اهل النسك والصلاح ببغض علي وموالاة اعدائه وموالاة من يدعي قوم من الناس انهم ايضا رؤه فاكثروا من الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم واكثروا من الغض من علي كرم الله وجهه وعيبه والطعن فيه والشنآن له حتى ان انسانا وقف للحجاج ويقال انه جد الاصمعي عبدالملك بن قريب فصاح به أيها الامير ان اهلي عقوني فسموني عليا واني فقير بائس وانا إلى صلة الامير محتاج فتضاحك الحجاج وقال للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا (وقد روى) ابن عرفة المعروف بنفطويه وهومن اكابر المحدثين واعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال ان اكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في ايام بني امية تقريبا إليهم بما يظنون انهم يرغمون به انوف بني هاشم (قلت) لا يلزم من هذا ان يكون علي عليه السلام يسوءه ان يذكر الصحابة والمتقدمون عليه بالخيرو الفضل الا ان معاوية وبني امية كانوا يبنون الامر من هذا على ما يظنونه في علي كرم الله وجهه من انه عدو من تقدم عليه ولم يكن الامر في الحقيقة كما يظنونه ولكن ربما كان يرى انه افضل منهم وانهم استأثروا عليه بالخلافة من غير تفسيق منه لهم ولا براءة منهم (انتهى) كلام المدائني. (قلت) لم يسكت المحدثون الراسخون في علم الحديث والعارفون باسماء رجاله وحالاتهم عن تمحيص هذه الاحاديث وفحصها بل امتحنوها وبينوا وضعها واسبابه وان بعض رواتها كذابون غير موثوق بهم كما بينوا ايضا كثيرا من الاحاديث الموضوعة في فضائل علي كرم الله وجهه فجزاهم الله عن نبيهم وامته خير الجزاء. (نعم) ان المحدثين انما يطعنون فيمن دون طبقة الصحابة ولا يتجاسرون
---(1/99)


[ 100 ]
على الطعن فيمن هو صحابي على اصطلاحهم وان كان غير مستقيم وسيأتي في بيان الشبه ما تعلم به سبب امتناعهم عن ذلك والله اعلم. (ولما) استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة دعاه وقال له اما بعد فان لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ولا يجزئ عنك الحليم بغير التعليم وقد اردت ايصاءك بأشياء كثيرة انا تاركها اعتمادا على بصرك ولست تاركا ايصاءك بخصلة واحدة لا تترك شتم علي وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له والعيب لاصحاب علي والاقصاء لهم والاطراء لشيعة عثمان والادناء لهم فقال له المغيرة قد جربت وجربت وعملت قبلك لغيرك فلم يذمني وستبلو فتحمد أو تذم فقال بل نحمد ان شاء الله فأقام المغيرة عاملا على الكوفة وهو احسن شئ سيرة غير انه لا يدع شتم علي والوقوع فيه والدعاء لعثمان والاستفغار له فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال: بل اياكم ذم الله ولعن انتهى من الكامل. (قلت) لم يزل المغيرة باقي ايامه عاملا بوصية طاغيته موصيها بها غير فقد قال: لصعصعة بن صوحان وهو من أصحاب علي عليه السلام لما بلغه انه يذكر عليا ويفضله: اياك ان يبلغني عنك انك تعيب عثمان واياك ان يبلغني انك تظهر شيئا من فضل على فأننا اعلم بذلك منك ولكن هذا السلطان قد ظهر وقد أخذنا بأظهار عيبه للناس فنحن ندع شيئا كثيرا مما أمرنا به ونذكر الشئ الذي لانجد منه بدأ ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا فان كنت ذاكرا فضله فأذكره بينك وبين اصحابك في منازلكم سرا واما علانية في المسجد فان هذا لا يحتمله الخليفة لنا (انتهى) من الكامل أيضا. (وأمر) يوما حجر بن عدي ان يقوم في الناس فيلعن عليا فأبى ذلك فتوعده فقام فقال أيها الناس ان اميركم امرني ان العن علي بن ابي طالب فالعنوه لعنه الله فقال اهل الكوفة لعنه الله يعنون الامير قالوا وكان المغيرة صاحب دنيا يبيع دينه بالنزر القليل منها يرضي به معاوية حتى انه قال يوما في مجلس
---(1/100)


[ 101 ]
معاوية ان عليا لم ينكحه رسول الله صلى الله عليه وآله حبا له ولكن أراد ان يكافئ بذلك احسان ابي طالب. (واستعمل) معاوية على المدينة مروان بن الحكم وكان عاملا بأوامر معاوية فكان لا يدع سب علي عليه السلام على المنبر كل جمعة تنفيذا لاوامر اميره. (قال) ابن حجر المكي جاء بسند رواته ثقات ان مروان لما ولي المدينة كان يسب عليا على المنبر كل جمعة ثم ولي بعده سعيد بن العاص فكان لا يسب ثم اعيد مروان فعاد للسب وكان الحسن يعلم ذلك فسكت ولا يدخل المسجد الا عند الاقامة فلم يرض بذلك مروان حتى أرسل للحسن في بيته بالسب البليغ لابيه وله ومنه: ما وجدت مثلك الا مثل البغلة يقال لها من ابوك فتقول امي الفرس الخ (وفي صحيح) البخاري من اثناء حديث لابي سعيد رضى الله عنه قال: أبو سعيد خرجت مع مروان وهو امير المدينة في اضحى أو فطر فلما اتينا المصلي إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد ان يرتقيه قبل ان يصلي فجذبته بثوبه فجذبني فأرتفع فخطب قبل الصلاة فقلت له غير تم والله فقال يا أبا سعيد ذهب ما تعلم فقلت ما اعلم والله خير مما لا اعلم فقال ان الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. (قال) الحافظ ابن حجر في الفتح عن ابن المنذر اما مروان فراعي مصلحتهم في اسماعهم الخطبة لكن قيل انهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب (يعني عليا) والافراط في مدح بعض الناس (يعني عثمان) فعلي هذا انما راعي مصلحة نفسه (انتهى) وقد ذكر العلامة الحفظي في أرجوزته هذا الحديث فقال: وفي البخاري عن أبي سعيد * خطبة مروان بيوم العيد
---(1/101)

20 / 54
ع
En
A+
A-