[ 87 ]
فدخل على معاوية قال: علمت يا ابن عباس ان الحسن توفي قال الذلك كبرت قال نعم قال والله ما موته بالذي يؤخر اجلك ولا حفرته بسادة حفرتك ولئن أصبنا به فقد اصبنا بسيد المرسلين وامام المتقين ورسول رب العالمين ثم بعد بسيد الاوصياء فجبر الله تلك المصيبة ورفع تلك العبرة فقال يا ابن عباس ما كلمتك الا وجدتك معدا (انتهى). (سبحان الله) ما أجرأ معاوية على الله وعلى هتك محارم الله وما اعظم حلم الله تعالى عن الجبابرة من اعدائه واعداء نبيه عليه وآله الصلاة والسلام يقتلون سبط رسول الله ويكبرون فرحا بموته وشماتة ولم تنزل عليهم صاعقة من السماء تستأصل شأفتهم لا يسئل ربنا عما يفعل انما نملي لهم ليزدادوا انما ولهم عذاب اليم (أخرج) الديلمي عن ابي سعيد رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اشتد غضب الله على من اذاني في عترتي. (يقول) معاوية في بعض خطبه ان الله جنودا من عسل ولقد صدق فانه قبل ان يقتل الحسن بن علي عليهما السلام بالعسل قد قتل به مالك الاشتر رضي الله عنه (وكان) من خبره كما ذكره ابن الاثير وغيره ان الامام عليا كرم الله وجهه ارسل الاشتر عاملا على مصر فخرج إليها واتت معاوية عيونه فعظم عليه ذلك وكان قد طمع في مصر فبعث معاوية إلى المقدم على اهل الخراج بالقلزم وقال له ان الاشتر قد ولى مصر فان كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت وبقيت فلما انتهى الاشتر إلى القلزم استقبله ذلك الرجل فعرض عليه النزول فنزل عنده فأتاه بشربة من عسل قد جعل فيه سما وكان الاشتر صائما فسقاه اياه فلما شربها مات واقبل معاوية يقول لاهل الشام ان عليا قد وجه الاشتر إلى مصر فأدعوا الله عليه واقبل الذي سقاه السم إلى معاوية فأخبره بمسلك الاشتر فقام خطيبا ثم قال: اما بعد فانه كانت لعلي يمينان قطعت احداهما بصفين يعني عمار بن ياسر وقطعت الاخرى
---(1/87)
[ 88 ]
اليوم يعني الاشتر. أمر اهل الشام بالدعاء على الاشتر تغريرا لهم ليظنوا انه انا مات بأستجابة الله دعاءهم. (وبهذه الطريقة) نفسها قتل عبدالرحمن بن خالد بن الوليد قال: أبو جعفر الطبري وكان السبب في ذلك ما حدثني عمر قال: حدثنا علي عن مسلمة بن محارب ان عبدالرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه عند اهل الشام ومالوا إليه لما عندهم من آثار ابيه ولعنائه في بلاد الروم ولشدة بأسه خافه معاوية وخشي منه فأمر ابن اثال النصراني ان يحتال في قتله وضمن له ان يضع عنه خراجه ما عاش وان يوليه خراج حمص فلما قدم عبدالرحمن من الروم دس إليه ابن اثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها فمات بحمص ووفى له معاوية بما ضمن له (انتهى) (قلت) انما اخذ عبدالرحمن بن خالد بما كسبت يداه فأنه كان مؤازرا لمعاوية وناصرا له وصديقا وخليلا قال الله تعالى: وهو اصدق القائلين الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من اعال ظالما على ظلمه سلطه الله عليه ولعل قتل بالسم كفارة بما سبق منه انشاء الله. (وقتل) عمرو بن العاص ومعاوية بن خديج محمد بن ابي بكر الصديق بعد فتحهم مصر لمعاوية وكيف قتلوه: منعوه الماء حتى اشتد عطشه ثم ادخلوه في جيفة حمار واحرقوه بالنار ولما بلغ معاوية قتله اظهر الفرح والسرور وبلغ عليا عليه السلام قتله وسرور معاوية فقال جزعنا عليه على قدر سرورهم لابل يزيد لبضعافا وقال الا ان مصر قد فتحها الفجرة اولوا الجور والظلمة الذين يصدون عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا ولما بلغ ذلك عائشة رضى الله عنها جزعت عليه جزعا شديدا وقنتت دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمرو ولم تأكل من ذلك الوقت شواء حتى توفيت جازاهم الله بما يستحقون وما ربك بغافل عما يعملون وسيعلم الذين ظلموا اي
---(1/88)
[ 89 ]
منقلب ينقلبون. (جاء) في الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه انواع من الوعيد الشديد على قتل النفس الواحدة بغير حق كقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا الآية السابقة وكقوله تعالى ان الذين يكفرون بأيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم اولئك الذين حبطت اعمالهم في الدنيا والآخرة ومالهم من ناصرين وكقوله تعالى من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا وكقوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا الا من تاب وامن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما إلى غير ذلك (وورد) في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله اخبار كثيرة كقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما وكقوله صلى الله عليه وآله اكبر الكبائر الاشراك بالله وقتل النفس الحديث وقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام لقتل المؤمن عند الله اعظم من زوال الدنيا (وفي البخاري) بسنده عن عبدالله بن عمران من ورطات الامور التي لا مخرج لمن اوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله (واخرج) ابن ماجة عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: من اعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقى الله تعالى مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله إلى غير ذلك من الاحاديث وإذا كانت قد دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا وعطشا فرآها النبي صلى الله عليه وآله في النار والهرة تخدشها في وجهها وصدرها فما بالك بعقوبة من قتل حجرا وامثال حجر بغير حق نعوذ بالله من موجبات
---(1/89)
[ 90 ]
غضبه وسخطه. (وهذا) كله في حق من قتل مؤمنا واحدا ولو لم يكن له من الفضل الا النطق بالشهادتين كقتيل محلم بن جثامة وقد علمت ان الارض لفظت القاتل حين دفن عظة للصحابة وان كانت لتقبل من هو شر منه وان النبي عليه وعلى آله السلام قال: حين سأله محلم ان يستغفر له اللهم لا تغفر لمحلم ثلاثا فكيف إذا كان المقتول الحسن بن علي وحجر بن عدي ومحمد بن ابي بكر وامثالهم من أجلة الصحابة ثم كيف إذا كانت القتلى الآفا مؤلفة ومنهم فضلاء المهاجرين واكابر الانصار واجلة الصحابة والتابعين فان الخطب جسيم جدا لا يدخل تحت التصور. (لاشك) ان قتلى الفريقين في صفين ومصر واليمن والحجاز في الحروب بين الامام علي عليه السلام وبين معاوية كلها في عنق معاوية يطالب كل فرد منهم بدمه يوم القيامة عند الحكم العدل اما فريق الامام علي عليه السلام فان قاتليهم اتباع معاوية وفئته الباغية وهو الامير عليهم والآمر لهم واما الفريق الذي في جانب معاوية فانه هو الذي غرهم واغراهم واغواهم واجري لهم الباطل في مجرى الحق وكذب عليهم واقام لهم شهود الزور حتى ظنوا - الا القليل منهم - انهم على حق وهدى فبذلوا ارواحهم وقتلوا مع علم معاوية ويقينه - كما اقربه في كثير من مكاتباته ومحاوراته - انه مبطل طالب للدنيا محارب للدين واهل الدين وان انكر ذلك متعصبوا اشياعه وانصاره: ثم بعد هؤلاء من قتلهم عماله بسلطانه بعد موت الامام علي عليه السلام كالمغيرة بن شعبة وزياد بن سمية وسمرة بن جندب وعمرو بن العاص ومسلم ابن عقبة وعبد الله بن زياد وغيرهم فكم قتل هؤلاء العمال من المسلمين وكم اسالوا من دماء الموحدين ظلما وعدوانا فكانوا يقتلون المسلمين إذا لم يجيبوهم إلى لعن الامام علي بن ابي طالب وسبه والى البراءة من الدين الذي يدين الله
---(1/90)
[ 91 ]
به الذي هو دين الاسلام الحق جاء بهذا النقل المتواتر الذي لا يبقى معه لذي بصيرة شك في وقوعه من معاوية وعماله. ان من ينكر هذا ومثله من الوقائع المتواترة هو احد رجلين اما رجل مغفل بل مخلوع منه غريزة العقل لا يصدق بما عرفه العالم والجاهل وتناقلته الالوف عن الالوف وهذه هي اقصى درجات الغفلة والغباوة واما عاقل مصدق بقلبه منكر بلسانه خوفا ان ينسب إلى الرفض وينبز بمخالفة اهل السنة وهذه هي الداهية الكبرى والمصيبة العظمى والخلة الممقوتة عند الله تعالى وعند رسوله وغالب انصار معاوية والمدافعين عنه من هذا القبيل يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم الم يعلموا ان الله يعلم سرهم ونجواهم وان الله اعلام الغيوب ايسوغ لصادق الايمان بعد ان عرف ما عرف من ارتكاب معاوية وعماله جرائم القتل التي قدمنا ذكرها وامثالها من الفواقر ان يصدق من يقول انه وعماله ماجورون عليها لانهم مجتهدون ! ألم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فان له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم ؟ يقول انصار معاوية ان معاوية وفئته مثابون على قتل عمار الذي يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ان هذا لما تقشعر له الجلود ويذوب له الجلمود كبرت كلمه تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا اللهم ان هؤلاء قوم ضلوا عن الحق واضلوا كثيرا وتصف السنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون ان النبي عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام بقول من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم اخرجه الطبراني في الكبير باسناد حسن عن حذيفة بن أسيد فإذا وجبت لعنة المسلمين على مؤذيهم في طرقهم كما أخبر الصادق المصدوق فكيف لا تجب لعنتهم على من آذاهم بسفك الدمائهم بغير حق بل وبانتهاك حرمات اعراض أئمتهم وهداتهم من اهل بيت نبيهم وغيرهم وباستئثاره باموالهم فضتها وذهبها وفيئها ومغنمها اللهم الهمهم رشدهم وانزع من صدورهم مودة ومحبة من
---(1/91)