[ 82 ]
يريد ان تكتب له إلى زياد بن ابي سفيان ليحتج بذلك فكتبت إليه من عائشة ام المؤمنين إلى ابنها زياد وعظم ذلك على المسلمين عامة وعلى بني امية خاصة قال: وجرى بعد ذلك اقاصيص يطول بذكرها الكتاب فأعرضنا عنها ثم قال: قيل اراد زياد ان يحج بعد ان استلحقه معاوية فسمع أخوه ابو بكرة وكان مهاجرا له من حين خالفه في الشهادة بالزنا على المغيرة ابن شعبة فلما سمع بحجه جاء إلى بيته وأخذ ابنا له وقال: يا بني قل لابيك اني سمعت انك تريد الحج ولابد من قدومك إلى المدينة ولا شك انك تطلب الاجتماع بأم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وآله فان اذنت لك فاعظم به خزيا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وان منعتك فاعظم به فضيحة في الدنيا وتكذيبا لادعائك فترك زياد الحج وقال: جزاك الله خيرا فقد ابلغت في النصح (انتهى مع حذف). (وقد) لام معاوية على هذه الفعلة الشنيعة اهل الدين والفضل وغيره أهل الشعر والنقد وكتب إليه ابن مفرغ الحميري. الا ابلغ معاوية بن صخر * مغلغلة من الرجل اليماني اتغضب ان يقال ابوك عف * وترضى ان يقال أبوك زاني فأشهد ان رحمك من زياد * كرحم الفيل من ولد الاتان (ومن بوائقه) الموجبة له غضب الله قتله حجر بن عدي واصحابه صبرا بمرج عذراء وهم من هم كأنه لم يقرأ قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد لهم عذابا عظيما (قتل) معاوية حجرا وأصحابه وهم شريك بن شداد الحضرمي وصفي بن فسيل الشيباني وقبيصة بن ضبيعة العبسى ومحرز بن شهاب السعدي التميمي وكدام بن حيان العنزي وعبد الرحمن بن حسان العنزي الذي دفنه زياد حياء (أخرج) يعقوب بن سفيان في تاريخه والبيهقي في الدلائل عن عبدالله بن
---(1/82)
[ 83 ]
زرير الغافقي قال سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول يا اهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء مثلهم كمثل اصحاب الاخدود فقتل حجر واصحابه (قال) البيهقي لا يقول على مثل هذا الا ان يكون سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله (واخرج) ابن عساكر عن سعيد بن ابي هلال ان معاوية حج فدخل على عائشة فقالت يا معاوية قتلت حجر بن الادبر واصحابه اما والله لقد بلغني انه سيقتل بعذراء سبعة نفر يغضب الله لهم واهل السماء (واخرج) يعقوب بن سفيان وابن عساكر ايضا ان عائشة رضى الله عنها بعد ان انكرت على معاوية قتله حجرا واصحابه بعذراء قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول سيقتل بعذراء اناس يغضب الله لهم واهل السماء. (قال) العلامة ابن عبد البر في الاستيعاب كان حجر من فضلاء الصحابة وصغر سنه عن كبارهم وكان على كندة يوم صفين وعلى الميسرة يوم النهروان ولما ولى معاوية زيادا العراق وما وراءها واظهر من الغلظة وسوء السيرة ما اظهر خلعه حجر ولم يخلع معاوية وكتب فيه زياد إلى معاوية فأمر ان يبعث به إليه فبعثه إليه مع وائل بن حجر الحضرمي في اثني عشر رجلا كلهم في الحديد فقتل معاوية منهم ستة واستحي منهم ستة وكان حجر فيمن قتل (وقال) ابن الاثير بعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي والحصين بن عبدالله الكلابي وابا شريف البدري إلى حجر واصحابه ليقتلوا من امر بقتله منهم فأتوه عند المساء فلما رأي الخثعمي احدهم اعور قال: يقتل نصفنا ويترك نصفنا فتركوا ستة وقتلوا ثمانية وقالوا لهم قبل القتل انا قد امرنا ان نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فان فعلتم تركنا كم وان ابيتم قتلناكم فقالوا لسنا فاعلي ذلك فأمر فحفرت القبور واحضرت الاكفان وقام حجر واصحابه يصلون عامة الليل فلما كان الغد قدموهم ليقتلوهم فقال لهم حجر بن عدي اتركوني اتوضأ واصلي فاني ما توضأت الا صليت ولو لا ان
---(1/83)
[ 84 ]
تظنوا في جزعا من الموت لاستكثرت منها قال فقتلوه وقتلوا ستة فقال عبدالرحمن بن حسان العنزي وكريم الخثعمي ابعثوا بنا إلى امير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته فاستأذنو معاويه فيهما فأذن باحضارهما فلما دخلا عليه قال: الخثعمي الله الله يا معاوية فانك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ثم مسؤول عما اردت بسفك دمائنا فقال له ما تقول في علي قال: اقول فيه. قولك قال: اتبرأ من دين علي الذي يدين الله بن فسكت وقام شمر بن عبدالله بن بني قحافة ابن خثعم فأستوهبه فوهبه له على ان لا يدخل الكوفة فأختار الموصل ثم قال: لعبد الرحمن بن حسان يا اخا ربيعة ما تقول في علي قال: دعني ولا تسألني فهو خير لك قال: والله لا ادعك قال: اشهد انه كان من الذاكرين الله كثيرا الآمرين بالحق والقائمين بالقسط والعافين عن الناس قال: فما قولك في عثمان قال هو اول من فتح أبواب الظلم واغلق أبواب الحق قال: قتلت نفسك قال بل اياك قتلت فرده معاوية إلى زياد وأمره ان يقتله شر قتلة فدفنه حيا (انتهى من الكامل). (واخرج) ابن عبد البر عن ابن سيرين ان معاوية لما اتى بحجر بن الادبر قال السلام عليك يا امير المؤمنين قال أو امير المؤمنين انا أضربوا عنقة قال: فلما قدم للقتل قال: دعوني اصلي ركعتين فصلاهما خفيفتين ثم قال لولا ان تظنوا بي غير الذي بي لاطلتهما والله لئن كان صلاتي لم تنفعني فيما مضى ماهما بنافعتي ثم قال: لمن حضر من اهله لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فاني ملاق معاوية على الجادة واني مخاصمه. اخرجه ابن عساكر. (وجاء) في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وافضل الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل تكلم عند سلطان
---(1/84)
[ 85 ]
جائر فامر به فقتل واخرج ابن أبي شيبه عن نافع قال: كان ابن عمر في السوق فنعى إليه حجر فأطلق حبوته وقام وقد غلب عليه النحيب. (ولما) بلغ الربيع بن زياد الحارثي وكان فاضلا جليلا وكان عاملا لمعاوية على خراسان فلما بلغه قتل معاوية حجر بن عدي سخط ذلك وقال: لا تزال العرب تقتل صبرا بعده ولو نفرت عند قتله لم يقتل واحد منهم صبرا ولكنها اقرت فذلت ثم خرج يوم الجمعة فقال ايها الناس اني قد مللت الحياة واني داع فأمنوا ثم دعا الله عزوجل فقال اللهم ان كان للربيع عندك خير فأقبضه اليك وعجل فلم يبرح من مجلسه حتى مات يرحمه الله (وقال) ابن سيرين بلغنا ان معاوية لما حضرته الوفاة جعل يقول يومي منك يا حجر طويل (انتهى) قال الله تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال اني تبت الآن (قال) ابن عبد البر ان معاوية اول من قتل مسلما صبرا حجرا واصحابه (قلت) فعليه اثمه واثم من قتل صبرا من المسلمين إلى يوم القيامة لانه اول من سن ذلك ففي صحيح البخاري عن عبدالله بن مرة لا تقتل نفس الا كان على ابن آدم الاول كفل منها لانه اول من سن القتل واخرجه مسلم والترمذي أيضا (واخرج) الترمذي عن عائشة رضي الله عنها وصححه وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله تعالى والمتسلط بالجبروت فيعز بذلك من اذل الله ويذل من اعز الله والمستحل لحرم الله المستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي. (قلت) وليست هذه الفعلة الشنعاء بأكبر بوائق معاوية في القتل فانه قد ارتكب قبلها جريمة قتل الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام بالسم وهو خامس اهل الكساء وابن محمد المصطفى وابن علي المرتضي وابن فاطمة الزهراء وابن شجرة طوبى واحد ريحانتي النبي صلى الله عليه وآله من الدنيا واحد
---(1/85)
[ 86 ]
سيدي شباب اهل الجنة (قال) أبو الفرج مات الحسن عليه السلام شهيدا مسموما دس معاوية إليه والى سعد بن ابي وقاص حين اراد ان يعهد إلى يزيد ابنه بالامر سما فماتا في ايام متقاربة (انتهى) (ونقل) ابن عبد البر والمسعودي وغيرهما ان امرأة الحسن جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سقته السم وقد كان معاوية دس إليها انك ان احتلت في قتل الحسن وجهت اليك بمائة الف درهم وزوجتك يزيد فكان ذلك الذي بعثها على سمه فما مات وفى لها معاوية بالمال وارسل إليها انا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه (قال) ابن عبد البر وذكر أبو زيد عمر بن شيبة وابو بكر بن خيثمة قالا حدثنا موسى بن اسمعيل قال: حدثنا أبو هلال عن قتادة قال: دخل الحسين على الحسن رضى الله عنهما فقال يا أخي اني سقيت السم ثلاث مرات ولم اسق مثل هذه المرة اني لاضع كبدي فقال الحسين من سقاك يا اخي قال: ما سؤلك عن هذا تريد ان تقاتلهم ؟ كلهم إلى الله فلما مات ورد البريد بموته على معاوية فقال يا عجبا من الحسن شرب شربة من العسل بماء رومة فقضى نحبه. (وحدث) محمد بن جرير الطبري عن محمد بن حميد الرازي عن علي ابن مجاهد عن محمد بن اسحق عن الفضل بن العباس بن ربيعة قال وفد عبدالله بن العباس على معاوية قال فوالله اني لفي المسجد اذكر بر معاوية في الخضراء فكبر اهل الخضراء ثم كبر اهل المسجد بتكبير اهل الخضراء فخرجت فاخته بنت قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف من خوخة لها فقالت سرك الله يا امير المؤمنين ما هذا الذي بلغك فسررت به قال: موت الحسن بن علي فقالت انا لله وانا إليه راجعون ثم بكت وقالت مات سيد المسلمين وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال معاوية نعما والله ما فعلت انه كان كذلك اهل ان يبكي عليه ثم بلغ الخبر ابن عباس رضى الله عنهما فراح
---(1/86)