[ 72 ]
ولا يذهب عنك ان معاوية لم يول يزيد وحده على المسلمين محاباة بل اكثر عماله من هذا القبيل فقد ترك ولاية الكوفة واعمالها للمغيرة بن شعبة لكونه غارس شجرة هذه البيعة الممقوتة ومتولي كبرها وهو المشير أيضا بأستلحاق زياد والساعي بينه وبين معاوية بالصلح والتعاون على الاثم العدوان وقد رد النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام الغنيمة التي جاء بها المغيرة ولم يخمسها وقال هذا غدر والغدر لاخير فيه وهو الباذل جهده أرضاء لمعاوية في سب الامام علي عليه السلام ولعنه وهو الموصي عماله ومستخلفيه بذلك إلى غير ذلك من قبائحه المذكورة في كتب السير والتأريخ وقد شهد عليه أبو بكرة رضي الله عنه واثنان معه بالزنا عند عمر رضي الله عند وتردد الرابع وهو صاحبه زياد فقال رأيت استأتنبو ونفسا يعلو ورجلاها على عاتقه كاذني حمار ولا أدري ما وراء ذلك ولو لا تردد زياد لرجمه عمر وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه: لو ان اللؤم ينسب كان عبدا * * قبيح الوجه اعور من ثقيف تركت الدين والايمان جهلا * * غداة لقيت صاحبة النصيف وراجعت الصبا وذكرت لهوا * * من الاحشاء والخصر اللطيف وولى أيضا عمرو بن العاص مصر وما والاها طعمة ورشوة على ما صنع في أمر التحكيم وقبله من الخيانة لله ولرسوله وللمسلمين والايمان الفاجرة التي أقسمها ومعاداته الامام عليا عليه السلام في باقي ايامه. نقل ابن عبد ربه عن سفيان بن عيينة قال: اخبرني أبو موسى الاشعري قال: اخبرني الحسن قال: علم معاوية والله ان لم يبايعه عمرو لم يتم له امر فقال له يا عمرو اتبعني قال: لماذا الآخرة فوالله ما معك آخرة ام للدنيا فوالله لا كان حتى اكون شريكك فيها قال فانت شريكي فيها قال: فاكتب لي مصر وكورها فكتب له مصر وكورها وكتب في آخر الكتاب وعلى عمرو السمع والطاعة قال عمرو
---(1/72)


[ 73 ]
واكتب ان السمع والطاعة لا يغير ان من شرطه شيئا قال: معاوية لا ينظر إلى هذا قال: عمرو حتى تكتب قال: فكتب والله ما يجد بدا من كتابتها ودخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية وهو يكلم عمرا ويقول له انما أبايعك بها ديني فقال عتبة اثمن الرجل بدينه فأنه صاحب من اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكتب عمرو إلى معاوية. معاوي لااعطيك ديني ولم انل * * به منك دنيا فأنظرن كيف تصنع وما الدين والدنيا سواء وانني * * لآخذ ما تعطث ورأسي مقنع فان تعطني مصرا فأربح صفقة * * اخذت به شيخا يضر وينفع (انتهى من العقد الفريد). قال الله تعالى: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون اولئك الذين ليس لهم في الآخرة الا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون وقد وبخ الامام علي عليه السلام عمرا على متابعته لمعاوية في باطله كما ذكر ذلك في نهج البلاغة قال: ومن كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاص: فانك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه ويسفه الحليم بخلطته فأتبعت اثره وطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته فأذهبت دنياك وآخرتك ولو بالحق اخذت ادركت ما طلبت فان يمكن الله منك ومن ابن ابي سفيان اجز كما بما قدمتما وان تعجزا وتبقيا فما امامكما شر لكما (انتهى). (ومن) نهج البلاغة أيضا في موضع آخر في ذكر عمرو أيضا عجب لابن النابغة يزعم لاهل الشام ان في دعابة واني امرؤ تلعابة اعافس وامارس لقد قال: باطلا ونطق اثما اما وشد القول الكذب انه ليقول فيكذب ويعد فيخلف ويسأل فيلحف ويسئل فيبخل ويخون العهد ويقطع الال فإذا كان عند الحرب
---(1/73)


[ 74 ]
فأي زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السيوف مأخذها فإذا كان ذلك كان اكبر مكيدته ان يمنح القوم سبته اما والله انه ليمنعني من اللعب ذكر الموت وانه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة انه لم يبايع معاوية حتى شرط له ان يؤتيه آتية ويرضخ له على ترك الدين رضيخة (انتهى) وقد اشار الامام علي عليه السلام بقوله يمنح القوم سبته إلى مكيدة عمرو بكشف عورته فرارا من القتل فقد ذكر المدائني وابن الكلبي وغيرهما من أهل السير ان عليا كرم الله وجهه حمل على عمرو في بعض ايام صفين فلما تصور انه قاتله القي بنفسه عن فرسه وكشف سوءته مواجها له عليه السلام فلما رأى ذلك منه غض بصره عنه وانصرف عمرو مكشوف العورة ونجا بذلك فصار مثلا لمن يدفع عن نفسه مكروها بارتكاب المذلة والعار وفيه يقول أبو فراس الفرزدق. ولا خير في رد الردى بمذلة * * كما ردها يوما بسوءته عمرو وروى مثل ذلك قصة بسر بن ارطاة معه كرم الله وجهه فأنه حمل على بسر فسقط بسر على قفاه ورفع رجليه فانكشف عورته فصرف علي عليه السلام وجهه عنه فلما قام سقطت البيضة عن رأسه فصاح اصحابه يا امير المؤمنين انه بسر بن ارطاة فقال ذروه لعنه الله فلقد كان معاوية اولى بذلك منه فضحك معاوية وقال: لا عليك يابسر ارفع طرفك ولا تستحي فلك بعمرو اسوة وقد أراك الله منه ما أراه منك فصاح فتى من أهل الشام اما تستحيون لقد علمكم عمرو كشف الاستأه ثم انشد: افي كل يوم فارس ذو كريهة * * له عورة وسط العجاجة باديه يكف لها عنه علي سنانه * * ويضحك منها في الخلاء معاوية بدأت أمس من عمرو فقنع رأسه * * وعورة بسر مثلها حذو حاذيه فقولا لعمرو وابن ارطاة ابصرا * * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية ولا تحمدا الا الحيا وخصا كما * * هما كانتا والله للنفس واقيه
---(1/74)


[ 75 ]
ولو لا هما لم تنجوا من سنانه * * وتلك بما فيها عن العود ناهيه وكان بسر ممن يضحك من عمرو فصار هو ضحكة أيضا: (وولى) معاوية أيضا عمرو بن سعيد بن العاص المتكبر المشهور على مكة المشرفة وهو الجبار الذي رعف على منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكره ابن قتيبة وغيره فعن ابي هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول ليرعفن على منبري هذا جبار من جبابرة بني امية فيسيل رعافه فحدثني من رأي عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر النبي صلى الله عليه وآله حتى سال رعافه على درج المنبر. (وذكر) أبو عبيدة في كتاب المثالب وابو جعفر في تاريخه ان عبيدالله بن زياد كتب إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو وال على المدينة الشريفة يبشره بقتل الحسين عليه السلام فقرأ كتابه على المنبر وانشد رجزا ثم اوما إلى القبر الشريف وقال: يا محمد يوم بيوم بدر فأنكر عليه قوم من الانصار (انتهى). (قلت) وعمرو هذا هو الذي يقال له الاشدق وهو المدعو بلطيم الشيطان قتله عبدالملك غدرا بدمشق (وما ظالم الا سيبلى بظالم). (وولي) معاوية كذلك مروان ابن الحكم وهو ابن طريد النبي ولعينه وهو الفضض من لعنة الله تعالى كما اخبرته به عائشة رضى الله عنها وهو المزور على عثمان رضى الله عنه الكتاب الذي كان سببا لقتله وهو القاتل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يوم الجمل غيلة وهو القائل للحسين بن علي عليهما السلام انكم اهل بيت ملعونون وهو المشير أخيرا بقتل الحسين بن علي عليهما السلام صبرا حين دعاه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان إلى منزله وهو إذ ذاك امير المدينة واخبره بموت معاوية وطلب منه ان يبايع ليزيد فأستمهله فقال مروان للوليد لا تدعه يخرج من هنا حتى يبايع ليزيد أو تقتله
---(1/75)


[ 76 ]
فأبي ذلك عليه اوليد واستعظمه ذكره البيهقي في المحاسن والمساوي. واخرجه الحاكم وصححه عن عبدالرحمن بن عوف رضى الله عنه انه قال: كان لا يولد لاحد مولود الا اتى به النبي صلى الله عليه وآله فيدعو له فادخل عليه مروان بن الحكم فقال هذا الوزغ ابن الوزغ الملعون بن الملعون. (وولى) كذلك سمرة بن جندب محاباة وكان قد اعطاه من بيت المال اربعمائة الف على ان يخطب سمرة في أهل الشام بأن قوله تعالى: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام وإذا تولى سعي في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " انها نزلت في علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فخطب بها فيهم وهو آخر الثلاثة موتا وقد قال: لهم النبي صلى الله عليه وآله أخركم موتا في النار وهو أحد العشرة الذين قال: لهم النبي صلى الله عليه وآله ضرس احدكم في النار مثل أحد وهو الذي عرض عليه النبي صلى الله عليه وآله كما في الصحيح بدل نخلاته التي في حائط الانصاري قيمتها فأبى ثم نخلات بدلها فأبى ثم من الثواب ما هو كذا وكذا فأبي فقال له انما انت مضار وأمر بقطع نخلاته بلا ثمن وهو الذي كان يبيع الخمر وقد حرم الله ذلك. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان سمرة بن جندب باع خمرا قاتل الله سمرة الم يعلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها أي إذ ابوها فباعوها ذكره الزمخشري في الفائق وهو الذي أسرف في القتل على علم من معاوية. ذكر أبو جعفر الطبري رحمه الله قال: حدثني عمر قال: حدثني اسحق ابن أدريس قال حدثني محمد بن سليم قال: سألت انس بن سيرين هل كان سمرة قتل أحدا قال: هل يحصى من قتل سمرة بن جندب استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس فقال له هل تخاف
---(1/76)

15 / 54
ع
En
A+
A-