[ 67 ]
تكدني اكدك فكدني يا معاوية فيما بدأ لك فلعمري لقديما يكاد الصالحون واني لارجو ان لا تضر الا نفسك ولا تمحق الا عملك فكدني ما بدأ لك واتق الله يا معاوية واعلم ان لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها واعلم ان الله ليس بناس لك قتلك بالظنة واخذك بالتهمة وامارتك صبيا يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ما أراك الا وقد اوبقت نفسك واهلكت دينك واضعت الرعية والسلام. قال فكتب سعيد بن العاص إلى معاوية انه لم يبايعني احد وانما الناس تبع لهؤلاء النفر فلو بايعوك بايعك الناس جميعا ولم يتخلف عنك احد وأرسل إليه جواباتهم فلما بلغ معاوية ذلك كتب إلى سعيد ان لا يحركهم حتى يقدم. ثم قدم معاوية المدينة حاجا فلما ان ديا من المدينة خرج إليه الناس يتلقونه ما بين راكب وماش وخرج النساء والصبيان فلقبه الناس على حسب طبقاتهم فلان لكل من كافحه وفاوض العامة بمحأدثته وتألفهم جهده مقاربة ومصانعة ليستميلهم إلى مادخل فيه الناس حتى قال في بعض ما يجتلبهم به يا أهل المدينة مازلت اطوي الحزن من وعثاء السفر بالحب لمطالعتكم حتى انطوى البعيد ولان الخشن وحق لجار رسول الله ان يتاق إليه قال: حتى إذا كان بالجرف لقيه الحسين بن علي وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم فقال معاوية مرحبا بابن بنت رسول الله وابن صنو ابيه ثم انحرف إلى الناس فقال هذان شيخا بني عبد مناف واقبل عليهما بوجهه وحديثه فرحب وقرب وجعل يواجه هذا مرة ويضاحك هذا أخرى حتى ورد المدينة واقبل ومعه خلق كثير من أهل الشام حتى اتى عائشة رضى الله عنها فأستأذن فاذنت له وحده لم يدخل عليها معه أحد وعندها مولاها ذكوان فوقظته وحرضته على الاقتداء بأبي بكر وعمر وعنفته على قتل حجر بن عدي واصحابه ثم مضى حتى
---(1/67)


[ 68 ]
اتى منزله. ثم ارسل إلى الحسين بن علي فخلا به وقال له يابن اخي قد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش وانت تقودهم يا ابن أخي فما اربك إلى الخلاف قال الحسين ارسل إليهم فان بايعوك كنت رجلا منهم والا تكن عجلت علي بأمر قال: وتفعل قال: نعم قال فأخذ عليه ان لا يخبر بحديثهما احدا فخرج ثم ارسل إلى الباقين واحدا يقول لهم بنحو ما قاله للحسين رضى الله عنه ويجيبه كل منهم بنحو جواب الحسين. قال ثم جلس معاوية صبيحة اليوم الثاني واجلس كتابه بحيث يسمعون ما يأمر به وأمر حاجبه ان لا يأذن لاحد من الناس وان قرب ثم ارسل إلى الحسين بن علي وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم فسبق ابن عباس فأجلسه عن يساره وشاغله بالحديث حتى اقبل الحسين ودخل فأجلسه عن يمينه وسأله عن حال بني الحسن واسنانهم فأخبره ثم خطب معاوية خطبة اثنى فيها على الله ورسوله وذكر الشيخين وعثمان ثم ذكر امر يزيد وانه يحلول ببيعته سد خلل الرعية وذكر علمه بالقرآن والسنة واتصافه بالحلم وانه يفوقهما سياسة ومناظرة وان كانا أكبر منه سنا وافضل قرابة واستشهد بتولية النبي صلى الله عليه وآله عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل علي ابي بكر وعمر واكابر الصحابة وقيام عمرو بذلك خير قيام وان في رسول الله اسوة حسنة ثم استجابهما عما ذكر. قال فتهيأ ابن عباس للكلام فقال له الحسين على رسلك فأنا المراد ونصيبي في التهمة اوفر وقام الحسين فحمد الله تعالى وصلى على الرسول صلى الله عليه وآله وقال. أما بعد يا معاوية فلن يؤدي القائل وان اطنب في صفة الرسول صلى الله عليه وآله من جميع جزأ وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من ايجاز
---(1/68)


[ 69 ]
الصفة والتنكب عن استبلاغ البيعة وهيهات هيهات يا معاوية فضح الصبح فحمة الدجى وبهرت الشمس انوار السرج ولقد فضلت حتى افرطت واستأثرت حتى اجحفت ومنعت حتى اجحفت ومنعت حتى بخلت وجرت حتى جاوزت ما بذلت لذى حق من أسم حقه من نصيب حتى اخذ الشيطان حظه الا وفر ونصيبه الاكمل وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامة محمد تريد ان توهم الناس في يزيد كأنك تصف محجوبا أو تنعت غائبا أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد فيما اخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش والحمام السبق لاترابهن والفينات ذوات المعازف وضروب الملاهي تجده ناصرا ودع عنك ما تحاول فما أغناك ان تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما انت لاقيه فو الله ما برحت تقدح باطلا في جور وحنقا في ظلم حتى ملات الاسقية وما بينك وبين الموت الاغمضة فتقدم على عمل محفوظ في يوم شهود ولات حين مناص ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الامر ومنعتنا عن آبائنا تراثا ولقد لعمر الله ورثنا الرسول ولادة وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول فإذ عن للحجة بذلك وردت الايمان إلى النصف فركبتم الاعاليل وفعلتم وقلتم كان ويكون حتى اتاك الامر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك فهناك فأعتبروا يا أولى الابصار. وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وتأميره له وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يؤمنذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له وما صار لعمرو يومئذ حتى انف القوم أمرته وكره القوم تقديمه وعدوا عليه افعاله فقال صلى الله عليه وآله لاجرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في اوكد الاحوال واولاها بالمجتمع عليه من الصواب ام كيف ضاهيت بصاحب تابعا وحولك من يؤمن
---(1/69)


[ 70 ]
في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته وتتخطاهم إلى مسرف مفتون تريد ان تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه وتشقي بها في آخرتك ان هذا لهو الخسران المبين واستغفر الله لي ولكم. قال فنظر معاوية إلى ابن عباس فقال ما هذا يا ابن عباس ولما عندك ادهي وأمر فقال ابن عباس لعمر الله انه لذرية الرسول واحد اصحاب الكساء ومن البيت المطهر فاله عما تريد فان لك في الناس مقنعا حتى يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين. فقال معاوية انصرفا في حفظ الله (انتهى ملخصا من كتاب ابن قتبية).
وقال ابن الاثير في الكامل ثم ان اولئك النفر خرجوا إلى مكة فأقاموا بها وخطب معاوية بالمدينة وذكر يزيد فمدحه وقال من أحق بالخلافة منه في فضله وعقله وموضعه وما أظن قوما بمنهين حتى تصيبهم بوائق تجتث أصلهم وقد انذرت ان اغنت النذر. ثم قال ومكث معاوية بالمدينة ما شاء الله ثم خرج إلى مكة فتلقاه الناس فقال اولئك النفر نتلقاه فلعله قد ندم على ما قد كان فلقوه ببطن مر فكان أول من لقيه الحسين بن علي عليهما السلام فقال له معاوية مرحبا واهلا بابن رسول الله وسيد شباب المسلمين فأمر له بدابة فركب وسايره ثم فعل بالباقين مثل ذلك وأقبل يسايرهم لا يسير معه غيرهم حتى دخل مكة وكانوا اول داخل وآخر خارج ولا يمضي يوم الا ولهم صلة ولا يذكر لهم شيئا حتى قضى نسكه وحمل اثقاله وقرب مسيره فأحضرهم واعاد عليهم ما طلبه بالمدينة من بيعة يزيد فلم يجيبوه إلى ما طلب وكان المتكلم عبدالله بن الزبير فسأل معاوية الباقين فقالوا قولنا قوله: قال فاني قد احببت ان اتقدم اليكم انه قد اعذر من أنذر اني كنت اخطب فيكم فيقوم الي القائم منكم فيكذبني على رؤوس الناس فأحمل ذلك واصفح واني قائم بمقالة فأقسم بالله لئن
---(1/70)


[ 71 ]
رد علي أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه فلا يبقين رجل الا على نفسه ثم دعا صاحب حرسه بحضرتهم فقال افم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين ومع كل واحد سيفه فان ذهب رجل منهم يرد علي كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفيهما ثم خرج وخرجوا معه حتى رقى المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم ان هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم لايبرم أمر دونهم ولا يقضي الا عن مشورتهم وانهم قد رضوا وبايعوا ليزيد فبايعوا على اسم الله فبايع الناس وكان الناس يتربصون بيعة هؤلاء النفر ثم ركب رواحله وانصرف إلى المدينة فلقى الناس اولئك النفر فقالوا لهم زعمتم انكم لا تبايعون فلم رضيتم واعطيتم وبايعتم قالوا والله ما فعلنا فقالوا ما منعكم ان تردوا على الرجل قالوا كادنا وخفنا القتل وبايعه اهل المدينة ثم انصرف إلى الشام (انتهى).
وقال ابن عبد البر بعث معاوية إلى عبدالرحمن بن أبي بكر بعد ان ابي البيعة ليزيد بمائة الف درهم فردها إليه عبدالرحمن وابي ان يأخذ وقال ابيع ديني بدنياي وخرج إلى مكة ومات بها قبل ان تتم البيعة ليزيد (انتهى) قلت قول بعض الشيعة هنا مات بالسم لم ينقله اهل السنة فلا معول عليه عندنا والله اعلم. وانما اطلت بذكر خبر هذه البيعة مع شهرته واستنفاضته ليعلم الاغبياء من المقلدين ما ارتكبه معاوية لاجلها من الاكاذيب والحيل والمكر والخدع والكيد والرشوة من بيت مال المسلمين وغش الامة والاستخفاف بذوي الفضل والمنزلة من الصحابة وتهديدهم بالقتل وغير ذلك من الفظالع حتى يتيقن اولئك الاغبياء انهم مغرورون من مقلديهم مغشوشون بما موهوا به عليهم من خلاف ذلك وان تقليدهم لا ينفعهم ولا يجديهم عندما تنكشف الحقائق لدى الملك الملك العدل يوم التغابن حين تنقطع الاسباب بين التابع والمتبوع الا المتقين.
---(1/71)

14 / 54
ع
En
A+
A-