[ 62 ]
بالاقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم علي ان لا يعود إليه كما قال الله تعالى والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعملون وكل هذه الثلاثة منتفية في معاوية فأنه اكره المسلمين على البيعة ليزيد واصر على ذلك إلى آخر نفس من انفاسه كيف ووصاياه ليزيد وتعاليمه شاهدة عليه بأصراره وعدم مبالاته. نقل أبو جعفر الطبري في تاريخه وابن الاثير في الكامل والبيهقي في المحاسن والمساوي وغيرهم ان معاوية قال: ليزيد ان لك من أهل المدينة ليوما فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة (هو الذي سمي مسرفا ومجرما) فأنه رجل قد عرفت نصيحته (انتهى) عرف معاوية ان مسلما لا دين له فأمر يزيد ان يرمي به أهل المدينة وقد فعل يزيد ما أمره به ابوه وفعل مسلم بأهل المدينة ما اريد منه حيث قال له يزيد يا مسلم لاتردن اهل الشام عن شئ يريدون بعدوهم فسار بجيوشه من أهل الشام عن شئ يريدون بعدوهم فسار بجيوشه من أهل الشام فأخاف المدينة واستباحها ثلاثة ايام بكل قبيح وافتضت فيها نحو ثلثمائة بكر وولدت فيها اكثر من الف امرأة من غير زوج وسماها تننة وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وآله طيبة وقتل فيها من قريش والانصار والصحابة وابنائهم نحو من الف وسبعمائة وقتل اكثر من اربعة آلاف من سائر الناس وبايع المسلمين على انهم عبيد ليزيد ومن ابى ذلك امره مسلم على السيف إلى غبر ذلك من المنكرات قال: المحدث الفقيه ابن قتيبة رحمه الله في كتاب م ة والسياسة والبيهقي في المحاسن والمساويي واللفظ للاول قال: أبو معشر دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الانصار ومعها صبي لها فقال لها هل من مال قالت لا والله ما تركوا لي شيئا فقال: والله لتخرجن الي شيئا أو لاقتلنك وصبيك هذا فقالت له ويحك انه ولد أبي كبشة الانصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله
---(1/62)
[ 63 ]
ولقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله معه يوم بيعة الشجرة على ان لا أسرق ولا أزني ولا اقتل ولدي ولا آتي ببهتان افتريه فما اتيت شيئا فأتق الله ثم قالت لا يا بني والله لو كان عندي شئ لافتديك به قال فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب به الحائط فانتشر دماغه في الارض قال فلم يخرج من البيت حتى اسود نصف وجهه وصار مثلا وامثال هذه من أهل الشام ومن مسلم نفسه كثيرة فمسلم في هذا كله منفذ لامر يزيد ويزيد منفذ لامر معاوية فكل هذه الدماء وكل هذه المنكرات الموبقات ودم الحسين عليه السلام ومن معه في عنق معاوية اولا ثم في عنق يزيد ثانيا ثم في عنق مسلم وابن زياد ثالثا افبعد هذا يتصور ان يقال لعله تاب ورجع كلا والله ولقد صدق من قال: ابقى لنا معاوية في كل عصر فئة باغية فهاهم اشياعه وانصاره إلى يومنا هذا يقلبون الحقائق ويلبسون الحق بالباطل من يرد الله فتنته فلن تمك له من الله شيئا أخرج مسلم في صحيحه من أخاف أهل المدينة ظلما اخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. وسننقل لك هنا بعض ما ارتكبه معاوية من المنكرات تمهيدا لاخذ هذه البيعة ليزيد فقد ذكر اهل الحديث من ذلك جانبا وأهل المغازي جانبا. واهل المغازي كما قال: الامام الشافعي رحمه الله في الرسالة أقوى في بعض الامور من نقل واحد عن واحد قال: ابن الاثير وكان ابتداء ذلك من المغيرة بن شعبة فان معاوية أراد ان يعزله عن الكوفة فبلغه ذلك فقال الرأي ان اشخص إلى معاوية فأستعفيه ليظهر للناس كراهتي للولاية فسار إلى معاوية وقال: لاصحابه حين وصل إليه ان لم اكسبكم الآن ولاية وامارة لا افعل ذلك أبدا ومضى حتى دخل على يزيد فقال له انه قد ذهب اعيان اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وكبراء قريش وانما بقي ابناؤهم وانت من افضلهم واحسنهم رأيا واعملهم بالسنة والسياسة (انظر شهادة الزور والتغرير) ولا ادري
---(1/63)
[ 64 ]
ما يمنع امير المؤمنين ان يعقد لك البيعة قال: أو ترى ذلك يتم قال: نعم فدخل يزيد على أبيه فأخبره بما قال المغيرة فأحضر المغيرة وقاله ما يقول عنك يزيد فقال يا امير المؤمنين قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان وفي يزيد منك خلف. (صدق فخلف الظالم ظالم) فأعقد له فان حدث بك حادث كان كهفا للناس وخلفا ولا تسفك دماء ولا تكون فتنة قال: ومن لي بهذا قال انا اكفيك اهل البصرة ويكفيك زياد اهل الكوفة وليس بعد أهل هذين المصرين احد يخالفك قال: فأرجع إلى عملك وتحدث مع من تثق إليه في ذلك فودعه ورجع إلى اصحابه فقالوا امه قال: لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على امة محمد وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبدا (صدق افعلى مثل هؤلاء يترحم) قاله الحسن البصري رحمه الله فمن اجل ذلك بايع هؤلاء لابنائهم ولو لا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيمة (انتهى) وسار المغيرة إلى البصرة فذاكر من يثق إليه ومن يعلم انه شعة لبني امية في أمر يزيد فأجابوه إلى بيعته فاوقد منهم عشرة ويقال اكثر واعطاهم ثلاثين الف درهم وجعل عليهم ابنه موسى بن المغيرة وقدموا على معاوية فزينوا له بيعة يزيد ودعوه إلى عقدها فقال معاوية لا تعجلوا بأظهار هذا وكونوا على رأيكم ثم قال: لموسى بكم اشترى ابوك من هؤلاء دينهم قال بثلاثين الفا قال: لقد هان عليهم دينهم (قلت هو على المشتري والمشترى له والآخر به اهون) (انتهى). وقد اخرج الحاكم والطبراني عن عبد لله بن الحارث بن جزء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سيكون بعدي سلاطين، الفتن على ابوابهم كمبارك الابل لا يعطون أحدا شيئا الا أخذوا من دينه مثله. ولبث معاوية زمنا طويلا يعطي المقارب ويداري المباعد ويلطف به حتى استوثق له اكثر الناس وتربص حتى مات الحسن بن علي عليهما السلام. قال العلامة ابن قتيبة في
---(1/64)
[ 65 ]
كتاب الامامة والسياسة ثم لم يلبت معاوية بعده وفاة الحسن الا يسيرا حتى بايع ليزيد بالشام وكتاب ببيعته إلى الافاق وكان عامله على المدينة مروان ابن الحكم فكتب إليه يذكر الذي قضى الله على لسانه من بيعة يزيد ويأمره بجمع من قبله من قريش وغيرهم من أهل المدينة ليبايعوا ليزيد فلما قرأ مروان كتاب معاوية ابي من ذلك وابته قريش فكتب لمعاوية ان قومك قد ابوا اجابتك إلى بيعة ابنك فارني رأيك فعزله معاوية وولى سعيد بن العاص وخرج مروان إلى أخواله مغاضبا وكتب معاوية إلى سعيد بن العاص يأمره ان يدعو أهل المدينة إلى البيعة ويكتب إليه بمن يسارع ومن لم يسارع فلما اتى سعيد بن العاص الكتاب دعا الناس إلى البيعة ليزيد واظهر الغلظة وأخذهم بلعزم والشدة وسطا بكل من ابطأ عن ذلك فأبطأ الناس عنها الا اليسير لاسيما بني هاشم فانه لم يجبه منهم احد وكان ابن الزبير من أشد الناس انكارا لذلك وردا له. فكتب سعيد بن العاص بجميع ذلك إلى معاوية فلما بلغه ذلك كتب كتبا إلى عبدالله بن عباس والى عبدالله بن جعفر والى عبدالله بن الزبير والى الحسين بن علي. رضي الله عنهم وأمر سعيد بن العاص ان يوصلها إليهم ويبعث بحواباتها وتلك الكتب كلها تهديد من جهة وتملق من أخرى فأجابوه كلهم بعدم الرضى والاحتجاج عليه في ذلك ولم نذكرها هنا حذر الاطالة. وهذا نص كتاب الحسين بن علي عليهما السلام ونص جوابه إلى معاوية وهما مثال وعنوان للكتب الباقية وجواباتها (كتب معاوية) إلى الحسين رضي الله عنه (اما بعد) فقد انتهت الي منك أمور لم أكن اظنك بها رغبة بك عنها وان احق الناس بالوفاء لمن اعطى بيعته من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي انزلك الله بها فلا تنازع إلى قطيعتك واتق الله ولا تردن هذه الامة في فتنة وانظر لنفسك ودينك وأمة محمد ولا يستخفنك
---(1/65)
[ 66 ]
الذين لا يوقنون. فكتب إليه الحسين رضي الله عنه (اما بعد) فقد جاءني كتابك تذكر فيه انها انتهت اليك مني امور لم تكن تظنني بها رغبة بي عنها وان الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد لها الا الله تعالى واما ما ذكرت ايه رقى اليك عني فأنما رقاه الملاقون المشاءون بالنميمة المفرقون بين الجمع وكذب الغاوون المارقون ما أردت حربا ولا خلافا واني لاخشى الله في ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المحلين حزب الظلم واعوان الشيطان الرجيم الست قاتل حجر واصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فقتلتهم ظلما وعدوانا من بعد اما اعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكدة جرأة على الله واستخفافا بعهده أو لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي اخلقت وابلت وجهه العبادة فقتلته من بعد ما أعطيته من العبود مالو فهمته العصم لنزلت من شعف الجبال أو لست المدعي زيادا في الاسلام فزعمت انه ابن ابي سفيان وقد قضي رسول الله صلى الله عليه وآله ان الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم سلطته على أهل الاسلام يقتلهم ويقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبهم على جذوع النخل سبحان الله يا معاوية لكانك لست من هذه الامة وليسوا منك أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه اليك زياد انه على دين علي كرم الله وجهه ودين علي هو دين ابن عمه صلى الله عليه وآله وسلم الذي اجلسك مجلسك الذي انت فيه ولو لا ذلك كان افضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف فوضعها الله عنكم بنامنة عليكم وقلت فيما قلت لا ترد هذه الامة في فتنة واني لا العلم فتنة لها اعظم من امارتك عليها وقلت فيما قلت انظر لنفسك ولدينك ولامة محمد واني والله ما أعرف افضل من جهادك فان افعل فأنه قربة إلى ربي وان لم افعل فأستغفر الله لذنبي وأسأله التوفيق لما يحب ويرضى وقلت فيما قلت متى
---(1/66)