[ 57 ]
على آثارهم يهرعون. وهناك طوائف من علماء السوء يغتافلون عن اظهار الحق وهم يعرفونه قيموهون ويغالطون ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيمة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم الاساء ما يزرون كل ذلك خوفا من ان ينبزهم المقلدون بأنهم شيعة أو رافضة حرصا على جاه موهوم زائل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه قال ابن القيم في اعلام الموقعين نقلا عن شيخه شيخ الاسلام بن تيمية من له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وآله وبما كان عليه هو واصحابه رأى ان اكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينا والله المستعان (انتهى بالحروف) ان معاوية وعمرو ومن شاكلهما يقرون ويعترفون في كثير من المواطن بأنهم على غير حق وانهم انما يقاتلون للدنيا ولكن أنصارهم يأبون الا نسبتهم إلى الحق وتزكية اعمالهم بادعاء الاجتهاد لهم وأثابتهم من الله على بغيهم وعنادهم روى المسعودي رحمه الله عندما ذكر قصة قتل اللخميين اللذين اطمعهما معاوية بالمال ان قتلا العباس بن ربيعة الهاشمي في يوم من أيام صفين فخرجا فقتلهما الامام علي عليه السلام قال: رحمه الله ونما الخبر إلى معاوية فقال قبح الله اللجاج انه لعقور ما ركبته قط الا خذلت فقال عمرو بن العاص المخذول والله اللخميان والمغرور من غررته لا أنت المخذول قال اسكت ايها الرجال فليس هذا من شأنك قال: وان لم يكن رحم الله اللخميين ولا أراه يفعل قال ذلك والله اضيق لحجتك واخسر لصفقتك قال قد علمت ذلك ولو لا مصروو ولايتها لركبت المنجاة منها فأني اعلم ان علي بن أبي طالب على الحق واننا على ضده فقال معاوية مصر والله اعمتك ولولا مصر لالفيتك بصيرا ثم ضحك معاوية ضحكا ذهب به كل مذهب قال: مم تضحك يا امير المؤمنين اضحك الله سنك قال اضحك من حضور ذهنك يوم بارزت عليا وابدائك سوأتك أما والله يا عمرو لقد واقعت
---(1/57)


[ 58 ]
المنايا ورأيت الموت عيانا ولو شاء لقتلك ولكن ابي ابن أبي طالب في قتلك الا تكرما فقال. عمر واما والله اني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فأحولت عيناك وبدأ سحرك وبدأ منك ما اكره ذكره لك من نفسك فاضحك اودع (انتهى بالحرف) وذكره البيهقي بنحو هذا في المحاسن والمساوي وذكر أهل السيران عمروا قال لابنه عبدالله يوم صفين أي عبدالله انظر أين ترى عليا قال أراه في تلك الكتيبة القتماء قال الله در ابن عمر وابن مالك فقال له أي ابت فما يمنعك إذ غبطتهم ان اترجع فقال يا بني انا أبو عبد الله إذا حككت قرحة ادميتها. تنبيه أخرج ابن عدي عن أبي سعيد مرفوعا إذا رأيتم معاوية على منبري فأقتلوه وأخرجه العقيلي عن الحسن بلفظ إذا رأيتم معاوية على المنبر فأقتلوه ورواه سفيان بن محمد عن منصور بن سلمة عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر مرفوعا به قالوا هذا الحديث موضوع لان في رجال اسانيده من لا يقبل ومن هو متهم وقالوا لا يصح من جهة المعنى أيضا لان الامة رأوا معاوية يخطب على منبر النبي صلى الله عليه وآله ولم ينكروا عليه ذلك ولا يجوز ان يقال ان الصحابة ارتدت بعد نبيها صلى الله عليه وآله وخالفت امره نعوذ بالله من الخذلان هذا قول من قال: بوضع هذا الحديث. قلت اما دعوى وضعه من حيث رجال اسانيده وضعفهم فليس لنا فيه كلام لان القول ما قالوه وليسوا بمتهمين في ذلك. واما دعوى فساده من حيث المعنى فمردودة لان عدم الانكار عليه وعدم قتله لا يستلزم عصيان من اطلع عليه من الصحابة فضلا عن استلزام أرتداده كما زعموا بل هم معذورون في عدم قتله لعجز كل منهم عن ذلك ولتيقنهم عدم قبوله الحق مهما انكروا عليه باللسان بل تخشى منه فتنة عظيمة كيف وهم لا يقدرون على أزالة منكر واحد من منكراته التي يرتكبها بمرأي منهم ومسمع فضلا عن قدرة أحد منهم على قتله فلا لزوم لما ذكروا ولا فساد
---(1/58)


[ 59 ]
من جهة المعنى على انه لو صح ما ذكروه من الاستلزام للزمهم ذلك أيضا بحديث مسلم إذا بويع لخليفتين فأقتلوا الآخر منهما فهذا الحديث كالصريح في الامر بقتل معاوية ومؤدي الحديث الذي ذكروا انه موضوع في الامر بقتل واحد إذ هو منطبق تماما على معاوية فأنه اول من بويع له بالخلافة بالشام والخليفة الحق موجود والصحابة معذورون بعدم استطاعتهم لانه متصحن بالآلاف المؤلفة من جنود الشام الذين لم يفرق كثير منهم بين الجمل والناقة والذين يعتقد الكثير منهم - بتغرير معاوية - انه أقرب قريب إلى رسول الله (ص) وأصرح من حديث مسلم في هذا المعنى ما أخرجه احمد في مسنده من قاتل عليا على الخلافة فأقتلوه كائنا من كان. وانما نبهت على هذا وبينته لاني رأيت كثيرا من أنصار معاوية قاموا وقعدوا وشددوا النكير والسباب والحنق على ناقلي ذلك الحديث استعظاما منهم للامر بقتل معاوية الذي أمر الله في القرآن بقتاله وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث مسلم بقتله. وقد اجمع اهل السنة والشيعة على وجوب قتال معاوية علينا لو حضرناه وان قتله إذ ذاك حسنة وفضيلة يثاب فاعلها عليها. قال أبو حنيفة رحمه الله اتدرون لم يبغضنا أهل الشام قالوا لا قال: لانا نعتقد ان لو حضرنا عسكر علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لكنا نعين عليا على معاوية وتقاتل معاوية لاجل علي فلذلك لا يحبوننا كذا في التمهيد في بيان التوحيد لابي شكور السلمي. وقد كابر الشيخ ابن حجر في تطهير الجنان مكابرة عظيمة لا تليق بذوي العلم والانصاف عند ذكره فساد ذلك الحديث من جهة المعنى حتى زعم هناك ان معاوية احتال على سيدنا علي كرم الله وجهه حتى خلع نفسه عن الخلافة بخلع نائبه أبو موسى الاشعري عن الخلافة له عند تحكيمه وتحكيم عمرو بن العاص وزعم أيضا ان الصحابة كلهم اتفقوا على أنه الخليفة الحق وانه لم يطعن عليه أحد من اعدائه فضلا عن اصدقائه
---(1/59)


[ 60 ]
بقدح في خلافته بشئ مطلقا هذا كلام ابن حجر سامحه الله نترك الحكم فيه لمن له أدنى اطلاع والمام بالحديث والسير والتاريخ واستغفر الله تعالى لي وله من كل مازل به القلم عن الطريق المستقيم. ثم نسأل هنا كيف اتفق فقهاء المذاهب الاربعة على جواز تقلد القضاء من السلطان الجائر وكلهم استدل على جواز ذلك بتقلد الصحابة رضى الله عنهم القضاء من معاوية وكتبهم شاهدة بذلك وهذا تصريح منهم بانه جائر غير محق ثم إذا باحثت اليوم أحدا من فقهاء الزمان قلب لك ظهر المجن ونسي ما صرح به أئمة المذاهب من ذلك هل هي الا اغراض نفسية ووساوس وهمية وأقول أيضا انه لم أحذ أحد من المجتهدين بحديث معاوية الذي أخرجه الترمذي وابو داود عنه انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من شرب الخمر فأجلدوه فان عاد في الرابعة فأقتلوه لم لم يأخذ به أحد من المجتهدين مع جودة اسناده ماذلك الا لانهم لم يأتمنوا معاوية على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يتعلق بالدماء وهو والله احق ان لا يؤتمن نعم ذكر النووي ان الاجماع دل على نسخ هذا الحديث وأقول من المقرر ان الاجماع لا يعارض المنصوص فضلا عن أن ينسخه فأن حقيقة الاجماع عبارة عن آراء مجتمعة من مجتهدي عصر واحد وآراء الرجال ليست من نسخ كلام المعصوم من شئ ولو ذكر مستند الاجماع وكان اقوى من هذا لقلنا انه الناسخ ولكن اين هو فليبد الفقيه ما عنده وليذهب في أي ترهات الطرق شاء للجواب عن هذا نسأل الله الهداية للصواب آمين. ومن كبار فواقره وعظائم جرائره استخلافه ابنه يزيد السكير الخمير المنابذ لله ورسوله الهاتك الحرمات والمرتكب المخزيات مع انه عالم بحاله مطلع على قبيح افعاله انفق على تمهيد بيعته أموال بيت المال وارتكب من المعاصي لذلك ما يغضب ذا الجلال. أخرج احمد في مسنده والحاكم في
---(1/60)


[ 61 ]
المستدرك عن ابي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من ولى من أمر المسلمين شيئا فأمر عليه أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله من أستعمل رجلا من عصابة وفيهم من هو ارضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين وأخرج البخاري في صحيحه عن معقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما من وآل يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم الاحزم الله عليه الجنة فهل يبقى بعد سماع هذا لذي ايمان ان يصدق بما جاء به من لا ينطق عن الهوى شك في استحقاقه لعنة الله وان لا يقبل منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم وانه خان الله ورسوله والمؤمنين وانه مات غاشا للامة بيزيد ام هناك تأويل يحاول به انصاره رد الحديث الصحيح أو تضعيفه اللهم غفرانك. ربما يدعي مدع انه مجتهد رأى سكيره الرجس النجس اولى اهل زمانه بالامامة وارضى لله منهم ولا جواب عن هذا الا الاستعاذة بالله من شر هذا المدعي المكابر والاشفاق عليه ان يمقته الله ويلحقه بذينك الطاغيتين وهل منع الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه عن ابقاء معاوية عاملا عن الشام حتى يستتب له الامر كما اشار به عليه المغيرة بن شعبة الا الفرار من هذا الوعيد وان كان الرأي السياسي يقتضي ابقاءه على زعم كثيرين وقد استشهد كرم الله وجهه بقوله تعالى واما كنت متخذ المضلين عضدا كيف تسمع هذه الدعوة ومعاوية نفسه مقر ببطلانها فانه قال وهو يخطب بكمة ولولا هواي في يزيد ابصرت قصدي قال ابن حجر الهيثمي فيه غاية التسجيل على نفسه بأن مزيد محبته ليزيد اعمت عليه طريق الهدى واوقعت الناس بعده مع ذلك الفاسق المارق في الردى (انتهى) ولربما يظهر مشاغب آخر ويقول لعله تاب ورجع والتائب من الذنب كمن لاذنب له فنقول ان التوبة لا تتحقق ولا تصح الا
---(1/61)

12 / 54
ع
En
A+
A-