[ 52 ]
نفسه بالمال والخداع فهل يعرف الكل خطأه ولا يعرفه داهية العرب وكسرها ؟ بل اضله لله على علم وذهب به البغي كل مذهب وليس الا الوزر لا الاجر ولا تغني عنه بيوت العنكبوت التي بناها له أنصاره كالشيخ ابن حجر الهيثمي من عذاب الله شيئا. جاء الشيخ ابن حجر رحمه الله في كتابيه الصواعق المحرقة وتطهير الجنان بما يضحك الثكلي ويأسف له الحكيم من التحملات الفاسدة والتأويلات البعيدة والتعسفات المتناقضة وروائح النصب تفوح من صفحات ذينك الكتابين ولا غرو ان اغتر بشئ منهما بعض قاصري النظر فقد جمع جواد قلمه بما تقشعر منه الجلود وترجف منه القلوب فزعا وهو لعنه في ذينك الكتابين كل من سب معاوية ولعنه. كأنه لم يقف على لعن النبي عليه السلام القائد والسائق ومعاوية احدهما وكأنه لم يبلغه ما بلغ كل الناس تواترا ان عليا عليه السلام كان يقنت ويلعن معاوية واصحابه ويسبهم وقد فعل فعله كثير من الصحابة والتابعين وجحاجحة اهل البيت النبوي فما أدري اجهل هذا الشيخ أم تجاهل واني والله مشفق عليه ان يعاتبه الله ورسوله على ذلك. قلت يعاتبه ولم أقل يعاقبه لاني أرجو ان يسامحه الله عن صنيعه فان الشيخ من أهل الفقة في الدين وسلامة المقصد الا ان تقليده وتعصبه لمن تقدمه ونظره إلى القضية من وجهة واحدة هما اللذان اقحماه هذا المجال المخيف هو يظن انه احسن صنعا (1). والعجب كل العجب ان هؤلاء المتمحلين قائلون بكفر الذين حاربوا
---
(1) جاء في فتاويه الحديثية سئل فيمن قال صاحب العباب حاطب ليل هل يكفر إذ يفهم منه انه مستهزء به فأجاب به فأجاب بقوله لاكفر ثم قال وانما الذي يلحقه الذم الشديد والوصف المشعر بأنه جبار عنيد أو شيطان مريد انتهى) فليته قال في اعداء علي السابين له باشد مما قيل في صاحب العباب في السؤال نحو قوله في الجواب. (*)
---(1/52)
[ 53 ]
الصديق رضى الله عنه جازمون بحل سبي نسائهم وذراريهم واغتنام أموالهم على ان طوائف منهم كما لك بن نويرة وقومه بني يربوع وغيرهم من قبائل العرب لم يحكم بردتهم الا لانهم امتنعوا عن اداء الزكاة إلى الخليفة وقالوا زكاة اغنيائنا نردها على فقرائنا ولم يجحدوا وجوبها وكانوا يقيمون الصلاة فحق عليهم ما حق بذلك الامتناع ولم يلتمس أحد لهم تأويلا بأنهم ربما كانوا ظانين جواز ذلك لدليل قام عندهم أو لاجتهاد منهم وهذا معاوية لم يمنع الزكاة فقط عن تسليمها إلى الخليفة كما فعلوا بل استولى على أموال بيت مال المسلمين كلها من زكاة وغيرها واصطفى بيضاءها وصفراءها ثم فعل كبائر الافاعيل المنهى عنها وعثا في الارض فسادا ثم تجدهم مع هذا كله يتمحلون له بأنه مجتهد وانه مثاب ايضا قل ابالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ما ضربوه لك الا جدلا بل هم قوم خصمون رب احكم بيننا وبين قومنا بالحق. لعمر الله ان الحيرة لتغلب على رأي الحكيم في افعال هؤلاء القوم وما ينسبون معاوية إليه من صلاح النية والاجتهاد والطلب بدم عثمان ونحو ذلك حتى ان العاقل ليسئ بهم الظن مغلوبا على أمره لا يجد من ذلك مخرجا كيف يتصور صلاح النية وهو يقاتل المهاجرين والانصار وانى يصح الاجتهاد في مقابلة النص على بغيه بقتل عمار واين الطلب بدم عثمان من الفساد في الارض وارسال السرايا والبعوث إلى كل ناحية للقتل والنهب وقتل الاطفال والضعفاء والنساء وارتكاب العظائم مما لم يجوزه النبي صلى الله عليه وآله حتى مع المشركين. نقل أبو الفرج الاصفهاني بسنده وغيره ان معاوية بن أبي سفيان بعث بسر بن ارطاة بعد تحكيم الحكمين وعلي بن أبي طالب رضى الله عنه يومئذ حي وبعث معه جيشا ووجه الضحاك بن قيس الفهري في جيش آخر وضم جيشا آخر إلى رجل من غامد وأمرهم ان يسيروا في البلاد فيقتلوا كل من
---(1/53)
[ 54 ]
وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام واصحابه وان يغيروا على سائر اعماله ويقتلوا اصحابه ولا يكفوا ايديهم عن النساء والصبيان فمر بسر لذلك على وجهه حتى انتهى إلى المدينة فقتل بها اناسا من أصحاب علي عليه السلام وأهل هواه وهدم بها دورا ومضى إلى مكة وقتل نفرا من آل المهلب ثم إلى السراة فقتل بها من وجد من أصحابه واتى نجران وقتل عبدالله بن عبدالمدان الحارث وابنه وكانا من اصهار ابن العباس عامل علي عليه السلام ثم اتى اليمن وعليها عبيدلله ابن العباس رضى الله عنهما عامل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكان غائبا فلم يصادفه بسر ووجد ابنين له صبيين فأخذهما بسر لعنه الله وذبحهما بيده بمدية كانت معه ثم انكفأ راجعا إلى معاوية وفعل مثل ذلك سائر من بعثه معاوية فقصد الغامدي الانبار فقتل ابن حسان البكري وقتل رجالا كثيرين ونساء من الشيعة (انتهى) قلت: اين يفلت معاوية وبسر كلاهما بعد ان فعلا بالمدينة ما فعلا من الوعيد الشديد الذي جاء عن الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله في حق من كاد أهل المدينة أو أرادهم بسوء أو ظلمهم أو اخافهم وانى ينجوان من ذلك وبم يستجنان من غضب الله ولعنته وبأي تأويل يحاول انصارهما تبريرهما من ذلك فقد روي في الصحيحين وغيرهما عن سعد رضى الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لا يكيد أهل المدينة أحد الا انماع كما ينماع الملح في الماء زاد مسلم ولا يريد أحد اهل المدينة بسوء الا إذا به الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء وروى النسائي والطبراني عن السائب بن خلاد رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: اللهم من ظلم اهل المدينة وأخافهم فاخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وفي رواية للطبراني قال من اخاف اهل المدينة اخافه الله يوم القيامة وغضب عليه ولم يقبل منه صرفا ولا عدلا وما فعله بسر في المدينة حال كونه
---(1/54)
[ 55 ]
عامل معاوية من القتل والتهديد والحلف على المنبر انه لو لم يمنع لما ترك بالمدينة محتلما " مشهورا مذكور لانطيل به وروى أهل السير ومنهم ابن الاثير ان عمارا قال لعمرو بن العاص يا عمرو لقد بعت دينك بمصر فقال لا ولكن اطلب بدم عثمان فال انا أشهد على علمي فيك انك لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله (وأنا اشهد ان أبا اليقظان صادق ولعنة الله على الكاذب) وانك ان لم تقتل اليوم تمت غدا فأنظر إذا اعطي الناس على قدر نياتهم مانيتك لقد قاتلت صاحب هذه الراية (يعني عليا) ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه الرابعة (انتهى). وما لزم عمروا من كلام عمار فهو لمعاوية الزم لانه شر منه وهو الراشي له بوعده تولية مصر والمستعين به في الحيل على الله وعلى المؤمنين فقوم هذا حالهم وهذا كلام عمار وامثاله فيهم يقال عنهم انهم مجتهدون لا والله ثم لا والله ليسوا بطالبي حق بل لم يزل أمرهم على ما كانوا عليه في الجاهلية من محادتهم لله ورسوله لا يحبهم من خامر الايمان قلبه ولا يناضل عنهم من أخلص لله تعالى اسلامه لانهم خانوا الله ورسوله والمؤمنين ولا تكن للخائنين خصيما اخرج البزار بسند معتمد عن زيد بن وهب قال: كناعند حذيفة رضى الله عنه كيف انتم وقد خرج اهل دينكم يضرب بعضهم رقاب بعض قالوا فما تأمرنا قال: انظروا الفرقة التي تدعوا إلى أمر علي فألزموها فانها على الحق. (ولابن أبي شيبة) بسند صحيح على شرط الائمة الستة عن أبي الرضى سمعت عمارا يوم صفين يقول من سره ان تكتنفه الحور العين فليتقدم بين الصفين محتسبا. وله بسند معتمد انه كان يقول بين الصفين باعلى صوته روحوا إلى الجنة قد تزينت الحور العين فأني لارى صفا ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفنا أنا على الحق وهم على الضلال وقد روى ابن الاثير حديث " عمار تقتله الفئة الباغية "
---(1/55)
[ 56 ]
وزاد فيه ما لفظه: الناكبة عن الحق (انتهى) وقال: ولما روى عمرو بن العاص هذا الحديث لذى الكلاع قال ذو الكلاع ماهذا ويحك (وكان ذو الكلاع وعامة اهل الشام قد غرهم معاوية ووزراؤه وكذبوا عليهم واستغووهم) فيقول عمرو أنه سيرجع الينا فقتل ذو الكلاع قبل عمار (مع الفئة الباغية) وقتل عمار رحمه الله بعد. قال ابن الاثير فقال عمرو لمعاوية ما أدري بقتل أيهما انا أشد فرحا بقتل عمار أو بقتل ذي الكلاع والله لو بقى ذو الكلاع بعد قتل عمار لمال بعامة أهل الشام إلى علي (انتهى بحروفه). فأنظر ايها المنصف إلى هؤلاء المدلسين المغررين الفرحين بما يسئ رسول الله صلى الله عليه وآله ويسئ كل صادق في ايمانه فقد فرحوا قدما بقتل عبيدة وحمزة ثم بقتل عمار وانصار اهل البيت والدين وسمموا الحسن بن علي عليهما السلام وكبروا شماتة لموته وهكذا اعمالهم فحالتهم في الجاهلية والاسلام متشابهة ولاقوة الا بالله لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا وواعجبا من أقوام بين ظهرانينا الآن يدخلون المساءة على النبي صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته وصالحي امته في قبورهم بمدح من يلعنهم ويوصل إليهم كل اذى ويشاركون بذلك معاوية في قبائحه التي يتمنى هو الخروج منها مع انهم لا ينالون الآن من معاوية وذويه ذرة من دنياه هذا والله هو الخسران المبين أنها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ولكنه استحكم فيهم داء التقليد المحض وحسن الظن الظار ففترت حواسهم واصابهم تخدير مهلك فهم لا يحسون ولا يشعرون وإذا ذكروا لا يذكرون ويعتقدون أن كل ما خالف ما جمدا عليه باطل فهان عليهم مشاركة طاغية هذه الامة بنصرهم له ومدحه وتعظيمه وتسويده وستر فواقره يكابرون في الحق ويصمون اسماعهم عنه ويعرضون عن الحجج الواضحة ان دعوتهم إلى سماع ادلة كلام الله ورسوله لا يسمعون اما قراؤا قول الله تعالى: انهم الفوا آبائهم ضالين فهم
---(1/56)