[ 47 ]
أحدا من أهل القبلة لبدأت بقتالك وقال فيه حكى في البحر عن العترة جميعا ان جهاد البغاة افضل من جهاد الكفار إذ فعلهم في دار الاسلام كفعل الفاحشة في المسجد (انتهى). قلت يستأنس لقول العترة بما أخرجه الخطيب عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما ألم يكن فيما نقرأ قاتلوا في الله في آخر مرة كما قاتلتم اول مرة قال فمتى ذلك قال إذا كانت بنو امية الامراء وبنو مخزوم الوزاء وبما أخرجه ابن جرير في تفسيره بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وجاهدوا في الله حق جهاده كما جاهدتم اول مرة فقال عمر من الذين أمرنا بجهاده قال: قبيلتان من قريش مخزوم وعبد شمس (انتهى). وأقول أيضا يؤخذ منه ان يكون سبهم للتحذير منهم وبيان حالهم افضل من سب الكافر لان الضرر يخشى منهم اكثر والعامة إلى الاغترار بهم اقرب فينبغي اعلان حالهم لتحذير الامة من الاقتداء بهم والميل إلى اكاذيبهم وتأويلاتهم. فان قال: قائل كل ما لزم معاوية في خروجه على الامام علي ومحاربته يلزم طلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم وكل ما تأولتموه لهم فنحن تنأوله لمعاوية وكل جواب عنهم فهو جواب عنه. قلت اما ما لزم معاوية من كونه مخطئا وان المصيب في جميع حروبه معه ومنازعاته له هو الامام علي المرتضى فلزومه للزبير وطلحه وعائشة رضوان الله عليهم مسلم. فقد اجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي اهل الحديث والرأي ومنهم مالك والشافعي وابو حنيفة واحمد والاوزاعي والجمهور الاعظم من المتكلمين من المسلمين على ان عليا مصيب في قتاله لاهل صفين كما هو مصيب في أهل الجمل وان الذين قاتلوه بغاة ظالمون له لكن لا يكفرون بغيهم كذا ذكره الامام عبد القاهر الجرجاني في كتاب الامامة وزاد الغزالي ولم يقل بتخطئة الامام علي ذو تحصيل (انتهى)
---(1/47)


[ 48 ]
واما ما يلزم معاوية وأعوانه من الفسق ببغيهم ومحاربتهم لله ورسوله واقترافهم العظائم وجواز لعنهم ووجوب بغضهم فلا نسلم ذلك للزبير وطلحة وعائشة رضوان الله عليهم فان الشوط بين الفئتين بطين والمفرق بين الفريقين عظيم بل نقول ان الثلاثة انما خرجوا متأولين مجتهدين وهم من أهل الاجتهاد وكانوا مخطئين في اجتهادهم ولكنهم رجعوا عن ذلك حين ظهر لهم الحق وندموا على ما فعلوا ولم يصروا على ذلك كما اصر معاوية إلى آخر حياته كما يشهد به التواتر. وقد نقل المسعودي في مروج الذهب وغيره من أهل المغازي ان عليا كرم الله وجهه خرج بنفسه حاسرا يوم الجمل على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله لا سلاح عليه فنادى يا زبير اخرج الي فخرج شاكيا في السلاح فقيل لعائشة فقالت واحرباه يا اسماء فقيل لها ان عليا حاسر فاطمأنت واعتنق كل منهما صاحبه فقال له ويحك يا زبير ما الذي اخرجك قال دم عثمان قال: قتل الله أولانا بدم عثمان اما تذكر يوم لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله في بني بياضه وهو راكب حماره فضحك الي رسول الله صلى الله عليه وآله وضحكت انت معه فقلت أنت ما يدع ابن أبي طالب زهوة فقال لك ليس به زهوا تحبه يا زبير ؟ فقلت: والله اني لاحبه فقال لك انك والله ستقاتله وانت له ظالم فقال الزبير استغفر الله لو ذكرتها ما خرجت. فقال يا زبير ارجع فقال وكيف ارجع الآن وقد التقت حلقتا البطان هذا والله العار الذي لا يغسل فقال يا زبير ارجع بالعار قبل ان تجمع العار والنار فرجع الزبير وهو يقول: اخترت عارا على نار مؤججة * ما ان يقوم لها خلق من الطين نادى علي بأمر لست اجهله * عار لعمرك في الدنيا وفي الدين فقلت حسبك من عدل أبا حسن * فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني ثم مضى منصرفا حتى اتى وادي السباع فقتله عمرو ابن جرموز في الصلاة
---(1/48)


[ 49 ]
غدرا واتي عمرو عليا بسيف الزبير وخاتمه فقال علي: سيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول الله لكنه الحين ومصارع السوء وقاتل ابن صفية في النار ثم نادى علي طلحة رضي الله عنهما حين رجع الزبير يا أبا محمد ما الذي اخرجك قال الطلب بدم عثمان قال علي: قتل الله اولانا بدم عثمان اما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه وانت اول من بايعني ثم نكث وقد قال الله عزوجل فمن نكث فانما ينكث على نفسه فقال استغفر الله ثم رجع فقال: مروان بن الحكم رجع الزبير ويرجع طلحة ما ابالي رميت ها هنا ام هاهنا فرماه في اكحله فمر به علي بعد الوقعة فقال انا الله وانا إليه راجعون والله لكنت كارها لهذا (انتهى بحذف يسير). وأخرج الحاكم في المستدرك عن ثور بن جزاءة قال مررت بطلحة بن عبيدالله يوم الجمل وهو صريع في آخر رمق فوقفت عليه فرفع رأسه فقال اني لارى وجه رجل كأنه القمر فمن انت قلت من اصحاب امير المؤمنين علي فقال ابسط يدك ابايعك له فبسطت يدي فبايعني وفاضت نفسه فأتيت عليا فأخبرته بقول طلحة فقال الله اكبر الله اكبر صدق رسول الله صلى الله عليه وآله ابى الله ان يدخل طلحة الجنة الا وبيعتي في عنقه وذكر المسعودي ان عائشة رضي الله عنها حين رجعت إلى المدينة قالت وددت اني لم اخرج وان اصابني كيت وكيت من أمور ذكرتها وانما قيل لي تخرجين فتصلحين بين الناس فكان ما كان ونقل ابن الاثير انها قالت يوم الجمل والله لوددت اني مت قبل اليوم بعشرين سنة ونقل الملا علي القاري في شرح الفقه الاكبر انها كانت تبكي ندما حتى تبل خمارها وقال ابن عبد البر في الاستيعاب روى اسمعيل بن علية عن أبي سفيان ابن العلاء عن أبي عتيق قال: قالت عائشة إذا مر ابن عمر فأرونيه فلما مر ابن عمر قالوا هذا ابن عمر فقالت يا أبا عبدالرحمن ما منعك ان تنهاني عن مسيري قال: رأيت رجلا قد غلب عليك وظننت لا تخالفينه يعني ابن الزبير قالت:
---(1/49)


[ 50 ]
اما انك نهيتني ما خرجت. وعن جميع بن عمير رضي الله عنه قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: من كان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: فاطمة فقلت: انما سألتك عن الرجال قالت: زوجها وما يمنعه فوالله انه كان لصواما قواما وقد سالت نفس محمد في يده فردها إلى فيه قلت: فما حملك على ما جرى فأرخت خمارها على وجهها وبكت وقالت: امر قضي علي. وجاء بسند رجاله ثقات الا واحدا فضعيف ومع ذلك يكتب حديثه انه ذكر لعائشة يوم الجمل فقالت والناس يقولون يوم الجمل قال نعم قالت: وددت اني كنت جلست كما جلسن صواحبي فكان احب الي من ان اكون ولدت من رسول الله صلى الله عليه وآله بضعة عشر ولدا كلهم مثل عبدالرحمن بن الحرث بن هشام أو مثل عبدالله بن الزبير. وفي ربيع الابرار للزمخشري رحمه الله قال: جزعت عائشة رضى الله عنها حين احتضرت فقيل لها فقالت: اعترض في حلقي يوم الجمل (انتهى) وقد أخرج ابن أبي شيبة بسنده ابن عليا كرم الله وجهه سئل: يوم الجمل الجمل عن أهل الجمل المقاتلين له أمشركون هم ؟ قال: من الشرك فروا فقيل أمنا فقون هم ؟ قال: ان المنافقين لا يذكرون الله الا قليلا فقيل فماهم قال: اخواننا بغوا علينا (انتهى) ولم يقل هذا لاهل صفين وقد اختلف فعله كرم الله وجهه في الواقعتين قانه يوم الجمل لم يتبع موليا ولم يجهز على جريح ولم يطلب مدبرا ومن القى سلاحه أو دخل داره كان امنا وأستغفر لطلحة والزبير وعائشة وترحم عليهم وارضى عائشة وابلغها إلى المدينة مأمنها وقد قتلهم في صفين مقبلين ومدبرين واجهز على جرحاهم لان لهم رئيسا باغيا يرجعون إليه وهم مصرون على فعلهم وعصيانهم فلعن رئيسهم وأعوانه ودعا عليهم فلقد عامل كرم الله وجهه كلا بما يستحق.
---(1/50)


[ 51 ]
ثم ان سوابق هؤلاء في الاسلام ونصحهم لله ورسوله وفقههم في الدين وحسن بلائهم في الجهاد مع نبي الله وشهادته لهم بالجنة تدل دلالة قوية على سلامة مقصدهم واشتباه الامر عليهم حتى إذا أتضح رجعوا إليه وتابوا واستغفروا والله غفور رحيم وليس كذلك معاوية وأعوانه في صفين وغيرها فأنهم خرجوا أشرا وبطرا وطعما في الدنيا وفيما لاحق لهم فيه من الخلافة متسترين بالطلب بدم عثمان على ان سوابقهم في الاسلام سوابق سوء تشهد بها الاخبار والسيرومع ذلك فقد أصروا على بغيهم وعنادهم وحينئذ فلا يلزم الزبير وطلحة وعائشة ما يلزم معاوية مما جوزه أهل الحق من لعنه ووجوب بغضه لاجعلنا الله من انصاره ولا من المشوهين وجه الدين بالمغالطة في شأنه آمين. ولعلك تقول متجاسرا كما ان طلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم مجتهدون في اعمالهم ولهم أجر من اجتهد فأخطأ فكذلك معاوية فنقول: هذه مقالة قد سبقك بها كثير من انصاره وقد نفخت بها ابواق ودقت بها طبول ولكن الحق فيها ابلج واضح اما كونه من أهل الاجتهاد فمسلم لان له من الذكاء والدهاء والحذق والعلم بالعربية واساليب الكلام مالا يدانيه فيه كثير من المجتهدين ولكنه مجتهد عرف ان الحق من كل الوجوه مع علي عليه السلام ثم خالفه عنادا وبغيا وحبا للجاه والمال ولو كان خروجه لرسيس من شبهة أو وميض من طلب حق لما أصر على بغيه بعد قتل عمارو لرجع كمن رجعوا. وان مما يقرب من المستحيل ان يؤديه ذكاؤه الخارق ودهاؤه العظيم وحذقه الثاقب إلى أعتقاد انه احق شئ من الامر من علي كرم الله وجهه وممن مع علي من المهاجرين ذوي السوابق الحسنة كيف وقد اجمع على تخطئته فيما فعل الخاص والعام من المسلمين اللهم الا نفرا استغواهم هو
---(1/51)

10 / 54
ع
En
A+
A-