[بيان اللّه تعالى للفرقة الناجية]
وقد بين اللّه تعالى ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم الفرقة الناجية، بآية المودة والتطهير، وآية المباهلة وغيرها من الآيات الدَّالة على أنها العترة الطاهرة الزكية، ومن تابعها في دينها من سائر البرية، وبما ورد في الأربعة المعصومين خاصة، وبما ورد فيهم وفي سائر العترة عليهم السلام عامةً.(25/1)
[الأدلة على أن العترة هي الفرقة الناجية]
[خبر الثقلين]
من ذلك قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ))، وهذا الخبر متواتر، مجمع على صحته.
وقد ذكره الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام في حقائق المعرفة متصلاً بما قبله، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( أمة أخي موسى افترقت إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت أمة أخي عيسى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي من بعدي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة واحدة، فلمّا سُمِع ذلك منه، ضاق به المسلمون ذرعاً، وضجُّوا بالبكاء، وأقبلوا عليه، وقالوا: يا رسول اللّه كيف لنا بطريق النجاة ؟ وكيف لنا بمعرفة الفرقة الناجية حتى نعتمد عليها ؟ فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبَّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ))، قال والأمة مجمعة على صحة هذا الخبر، وكل فرقة من فرق الإسلام تتلقاه بالقبول ، انتهى.
فبيّن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قد ترك في أمته خليفتين، وحبلين ممدودين، وثقلين عظيمين، باقيين ما بقيت هذه الدار، لا يفارق أحدهما صاحبه حتى يردا على النبي المختار صلى اللّه وسلم عليه وآله الأخيار، فهما عصمة اللائذين، ونجاة الطالبين، وعمدة الموحدين، وأمان المسلمين:(26/1)
أحدُهما ـ وهو الأكبر ـ كتاب اللّه تعالى، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، طرفه بيد اللّه تعالى وطرفه بأيدينا، كما جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث، وهو المعجزة لنبينا صلى اللّه عليه وآله وسلم، الباقية إلى انقطاع التكليف، المحفوظ عن الزيادة والنقصان والتحريف، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنْزيل من حكيم حميد، وكما قال تعالى: ? إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?(الحجر: 9)، وقال تعالى: ? ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين?(البقرة: 1-2) .(26/2)
والثِّقل الآخر ـ وهو الأصغر ـ عترةُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأهل بيته، قد جعلهم اللّه تعالى تراجمة الكتاب، وخلفاء رسول اللّه، وبدلاً عنه في حمل الشريعة إلى أمته، وحراستها عن التغيير من سنته، وأقامهم مقامه فيما تحتاج إليه في أمر دينها إلى يوم القيامة، وفي الذب عنها باللسان والسنان، والدعاء إلى دين الملك الديان، فهم سفن النجاة، وباب حطة، وباب السّلم، وأمان أهل الأرض، رَزقهم اللّه تعالى عِلم جدِّهم ـ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ـ وفَهْمَه، وخلقهم من لحمِهِ ودمِهِ، وأذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً، ونوّه بفضلهم وتقديمهم، وأوجب على عباده جميعاً مودتهم واتباعهم، وتقديمهم، ونصرتهم، والتعلم منهم، والكون في حزبهم، والاهتداء بهديهم، فإليهم في الفزع الانتماء، وبهم في الأصول الإقتداء، وأعدّ لمن ناواهم أنواع العقوبات، وأصناف الجوائح المؤلمات، كما جاء ذلك كله في الآيات البينات والأحاديث المتكاثرات، منها ما نُقل وبلغ حد التواتر، ومنها ما هو متلقىً بالقبول كما هو ظاهرٌ، ومنها ما اشتهر في الدواوين الكبار بطرق أَئمتنا عليهم السلام وغيرهم من علماء الأمصار، ومنها ما روي بالآحاد مسلسلة الإسناد بالأسانيد الجياد، ولابد أن نشير إلى طرفٍ يسيرٍ في هذه الأوراق لِقَصْدِ التنبيه والإدّكار، إذ حَصْر فضائلهم وخصائصهم تستغرق الأسفار، ويستوعب المجلدات الكبار، ومن أحب الإطلاع على ذلك فليراجع مؤلفاتهم، ومؤلفات شيعتهم، ومؤلفات سائر علماء الإسلام في فضائلهم، يجد شفاء الأوام وغاية المرام، فمنها هذا حديث الثقلين.(26/3)
[خبر السفينة]
ومنها قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى، ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجّال )) وهذا الحديث أيضاً مجمع على صحته عند علماء الآل وشيعتهم، وأهل التحقيق من غيرهم، وقد روي بطرق عديدة من جهة الموالف والمخالف، وهو وأمثاله صريح في نجاة المتبع لهم وهلكة المخالف لهم.(27/1)