وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أفضل الصدّيقين، المُنْزل منه بمنْزلة هارون من موسى إلا نبوته، وعلى سيدة النساء، وخامسة أهل الكساء، سليلة الرسول وبضعته، وعلى ولديهما الإمامين قاما أو قعدا، سيدي شباب أهل الجنة الشهداء، ولدَي المصطفى وعصبته، وعلى عترته الأطهار، المصطفين الأخيار، سفن النجاة، وقرناء الكتاب وتراجمته.
ورضي اللّه تعالى عن الصحابة الراشدين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، القائمين بما أوجب اللّه عليهم من حق طاعته.(13/2)
[سبب قيام الإمام بالدعوة]
وبعد فلما رأينا قواعد الدين الحنيف قد أشرفت على الإنهدام، ومعالم الشرع الشريف قد أشفت على الإندراس والانعدام، وتعطلت الشرائع والأحكام، واستُحل الحرام، وظهرت البدع والمنكرات، وعمَّت المظالم والبليات، وبدت نواجم الكفر والضلالات من جميع الجهات، واعتورت الإسلام وأهله المصائب والنوائب والآفات، وصار حاله كما قال النبي صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم: (( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء ))، فعند ذلك عوَّل علينا العلماء الأعلام، ومن يرجع إليهم الحل والإبرام، وألزمونا الحجة في القيام بأمر الإمامة العظمى، والتسنم لهذا المنصب الرفيع الأسمى، فلما لم نجد عمَّا راموه منا معدلاً، ولا ألفينا للإعتذار مدخلاً، جرَّدنا العزيمة غيرةً لدين اللّه تبارك وتعالى، وقمنا بهذا الواجب العظيم تعظيماً له وإجلالاً، وكررنا الدعاء إلى كافة العباد، وبعثنا الكتب والرسائل إلى أقطار البلاد، وحرضنا على فريضة الجهاد، والسلوك إلى سبيل الرشاد، فأجابنا بحمد اللّه الجم الغفير، وأهرع إلى دعوتنا الصغير والكبير، ثم لا زلنا نبذل النفوس والنفيس طلباً لإعزاز الدين، والذب عن شريعة سيد المرسلين، وإحياء سنة الجهاد، التي هي طريقة الأنبياء والأئمة الراشدين صلوات اللّه تعالى عليهم، وننتقل لطلب النصرة من بلاد إلى بلاد، ونركب متون الأغوار والأنجاد، ونكرر الوقائع بأهل الزيغ والإلحاد، وأهل البغي والفساد، حتى نعش اللّه تعالى أمور الدين، وعلا نوره، وأشرقت في سماء المجد بدوره، وكشف عن وجه الإسلام ستوره، وانتظمت للمؤمنين الأحوال، وكفى اللّه تعالى بعض تلك الأهوال، ونحن إنشاء اللّه على ذلك المنوال، من غير كلال ولا ملال، بعون اللّه الكبير المتعال.(14/1)
[موضوع هذه الرسالة ]
هذا وإن كانت الدعوة المباركة قد عمت الأقطار، وظهرت ظهور شمس النهار، وسار بها الركبان في الأسفار، لكنّا أردنا أن نخص بهذه الدعوة، ونبعث بهذه الرسالة، إلى أصحابنا وأشياعنا وأعضادنا إنشاء اللّه تعالى وأتباعنا أهل الديار الحجازية، ومن قطن بمحروس الصفراء من الزيدية، وأهل بدر، وخيبر، وأهل وادي الفُرع بجبل الرس الأزهر، مهابط البركات والأنوار ومقر الأئمة السابقين الأخيار، ومن ألمّ بهم من أهل تلك الديار، ممن شملتهم دعوة جدنا المختار، وعترته الأئمة الأطهار صلى اللّه وسلم عليهم أجمعين، وننهي إليكم سلاماً يفوح نشره، ويلوح في أوج المعارف بدره، وندعوكم إلى الدعوة النبوية، والسيرة العلوية، والطريقة المرضية، الجامعة غير المفرقة، والعادلة غير الجائرة، وإلى الدخول في زمرة من قد بايعنا وشايعنا على العمل بكتاب اللّه تعالى وسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، نحيي ما أحييا ونميت ما أماتا، وأن تكون أيديكم مع أيدينا، ولكم ما لنا وعليكم ماعلينا، من إقامة أركان الإسلام التي هي: صومٌ، وصلاةٌ، وحجٌ، وزكاةٌ، وشهادة أن لا إله إلا اللّه [وأن محمداً عبده ورسوله]، وما يتبعها من الإتيان بالواجبات، واجتناب جميع المقبحات، والأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن الفحشاء والمنكر، والتغيير على الظالمين، ومثاغرة الكافرين، والجهاد في سبيل رب العالمين، كل أحد بمستطاعه وما يقدر عليه ?يا قومنا أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذابٍ أليم?(الأحقاف: 31) .وقد أردنا أن نذكر في هذه الرسالة المختصرة أبواباً ينفع اللّه تعالى بها في أمور الدين ?وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ?(الذاريات: 55)، ?وما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت وإليه أنيب ?(هود: 88).(15/1)
[الباب الأول] في ذكر شيء من الأدلة فيما يجب للمحقين من الأئمة من وجوب الإجابة والحقوق على كافة الأمة
[أدلة الكتاب على وجوب طاعة داعي اللّه]
قال الله تعالى ? يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن اللّه شديد العقاب?(الأنفال: 24 ـ 25)، دلت (الآية) على وجوب إجابة الإمام الحق إذا دعا إلى سبيل الرشاد، لأن الإمام قائم مقام الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم بالإجماع، ولهذا قال أبو بكر بمحضرٍ من الصحابة الراشدين رضي اللّه عنهم، عند قتال أهل الردة (( واللّه لو منعوني عِقالاً ـ أو قال عَناقاً ـ مما كانوا يُؤدونه إلى رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه )) .
وقال تعالى: ? أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر مِنكم?(النساء: 59) ، وأُولوا الأَمْرِ هُم أئمةُ الحقِّ بالإجماع.
قال صاحب الكشاف رضي اللّه عنه (( والمراد أمراءُ الحقِ، لا أمراءُ الجور، فإن اللّه ورسولَه بريئان منهم، فلا يُعطفون على اللّه ورسوله في وجوب الطاعة لهم )).
وقال الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام في الانتصار: ((واعلم أن الواجب على الأمة هو النصر للإمام، وموازرته، ومعاضدته، وإعانته على ما في وجهه من المكالف، ويُحرم عليهم خذلانه، ويلزمُهم أن يطيعوه فيما أمر اللّه تعالى أن يطيعوه فيه، فينقادوا لأمره، ويمتثلوا طاعته، وينهضوا إذا استنهضهم لقتال أعدائه، ولا يكتموا عنه شيئاً من النصائح، ويحدثوا له النصيحة من أنفسهم سراً وجهراً.
والأصل في هذه الأمور كلها قوله تعالى: ? أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ?(النساء: 59)، وأولوا الأمر هم الأئمة بإجماع الأمة.(16/1)
وروى زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه قال: (( ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجلٌ بايع إماما عادلاًً فإن أعطاه شيئاً من الدنيا وفَى له، وإن لم يعطه لم يفِ له، ورجلٌ له ماءٌ على ظهر الطريق يمنع سابلة الطريق، ورجلٌ حلف بعد العصر، لقد أُعطيَ في سلعته كذا وكذا فأخذها الآخر مصدقاً له بيمينه وهو كاذب )).
وأما من امتنع من بيعة إمام عادل، فقد قال الهادي عليه السلام في الأحكام: (( طُرِحت شهادته، وسقطت عدالته، وحرم نصيبه من الفيء )).
أما وجوب البيعة إذا طلبها الإمام، فلِما فيها من قوة أمره وتوهين أمر من يخالفه ويعاديه، ولِما فيها من انتظام الأمر، وجمع الشمل، وهي من جملة الطاعة، وقد قال تعالى ? أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ?(النساء: 59) فكيف وقد اشتملت البيعة على هذه المصالح الدينية ولأن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم كانت له بيعتان قبل خروجه من مكة: بيعة النساء، وبيعة العقبة، وبايع بعد خروجه من مكة بيعتين: بيعة الرضوان ـ وهي بيعة الشجرةـ والبيعة الثانية يوم الحديبية )).انتهى كلام الانتصار.(16/2)