وقول ابن عباس : كنا نقول هي قراءة الأعراب.
قلنا: إن صحت هذه الأخبار فتحمل على:
الصلاة السرية جمعاً بين الأدلة.
أو أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يجهر بها كجهر القراءة بل دونه.
أو على أنه لم يحصل في الفاتحة كلية السماع لمخالطتها تكبير المؤتمين.
ثم أحاديثنا أرجح:
لتضمنها الزيادة والإثبات ولم ينكر.
ولإنكار المهاجرين والأنصار على معاوية ترك البسملة مع السورة.
ولإجماع العترة وإجماعهم حجة كما مر.
ولأنه قد أجمع المسلمون على إثباتها في كل سورة وعلى أنها بعض آية من كتاب اللّه تعالى في "طس".
وعلى أنه يجوز أن يقرأ المصلي في صلاته ما شاء مع فاتحة الكتاب.
فثبت بذلك ما قلناه والحمد لله رب العالمين.(90/3)


ومنها مسألة تكبير الجنازة
المختار عندنا أنها خمس تكبيرات، وهو مذهب العترة جميعاً، وأبي ذر، وزيد بن أرقم، وحذيفة، وربيعة، ومحمد بن الحنفية، وابن أبي ليلى، لفعله صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد قال: (( صلوا كما رأيتموني أصلي )).
وعن حذيفة بن اليمان أنه كبّر على جنازة خمساً، ثم التفت إلينا وقال: ما وهِمْتُ ولا نسيت، ولكن كبّرت كما كبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وعن زيد بن أرقم: أنه صلى على جنازة فكبّر خمساً فسُئل عن ذلك فقال: هذه سنة نبيكم.
ومثله في أصول الأحكام للإمام المتوكل على اللّه عليه السلام من طريق جابر بن عبداللّه الحضرمي.
وفيه عن يحيى بن عبداللّه التيمي قال: صليت مع عيسى مولى حذيفة على جنازة فكبر عليها خمساً، ثم التفت إلينا فقال: ما وهمتُ ولا نسيت لكن كبرت كما كبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم .
وفيه عن حصين بن عامر قال: قال لي أبو ذر: إذا أنا مِتُّ فاستر عورتي، وأنقِ غَسلي، وكفنّي في وترٍ، وكبر عليّ خمساً، وسِلَّني سلاً، وربِّع قبري تربيعاً .
وفيه عن علي عليه السلام قال في الصلاة على الميت: يبدأ في التكبيرة الأولى بالحمد والثناء على اللّه تعالى، وفي الثانية بالصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وفي الثالثة بالدعاء لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، وفي الرابعة بالدعاء للميت والاستغفار له، وفي الخامسة يكبّر ثم يسلّم .
دلّت هذه الأخبار على أن التكبيرات خمسٌ، وما رواه مخالفونا من الأحاديث الدالة أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم كبر أربعاً فالمراد به غير تكبيرة الافتتاح جمعاً بين الأخبار ولأن أخبارنا أشهر.(91/1)


ومنها مسألة ولاية الإمام في الواجبات على من لم تنفذ أوامره عليه
وقد جعل فيها إمام زماننا سيدي المولى أمير المؤمنين المتوكل على اللّه رب العالمين المحسن بن أحمد بن أمير المؤمنين رحمه اللّه في كل حين رسالة متقدمة جواباً على حي السيد العلامة محمد بن عبد اللّه المرتضى رحمه اللّه، وكان حاكماً له في سودة شظب فقال عليه السلام:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، اللّهم وفقنا وإخواننا وأشياعنا إلى ما يرضيك، وزحزحنا عن سلوك جادّة ما يسخطك وامتِطاء كاهل معاصيك، اللّهم إنا نعوذ بك من هفوات المزالق والمداحض، ونسألك اللطف يا ذا الجلال حتى يكون لنفثات الهفوات وكثيف أدرانها راحض.
والصلاة والسلام على من بُعث بأكمل الأديان وواضح التبيان، وعلى آله الكرام الكاشفين كل معضل قرناء القرآن.
وبعد: فقد سألت أيّها الأخ أرشدك اللّه ورفع قدرك عن مسألة جليلة القدر عظيمة الخطر، أجلّ حق من حقوق الإمام المفترضة على الأنام وهي تسليم الزكوات إليه، وصيرورة قليلها وكثيرها وظاهرها وباطنها بيديه، ورمتَ حاصلاً نافعاً جامعاً للأقوال والأدلة، رافعاً للضعيف منها، نافياً لكل شبهةٍ وتعلّة، ينتفع به السائل، ويقر به الناظر، ويطيب به الخاطر، ويحسم بحسامه مادة المفتي، ويقطع به لجاج الناظر فنقول:
اتفقت الأئمة الأعلام، والفحول من علماء الإسلام، أن ولاية الزكاة إلى الإمام.(92/1)


[الأدلة على أن ولاية الزكاة إلى الإمام]
والحجة على ذلك والدليل على ما هنالك قوله تعالى ?خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها?(التوبة: 103) الآية.
وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( أُمرت أن آخذها من أغنيائكم وأردها في فقرائِكم.))، والإمام قائم مقامه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الأحكام وحفظ بيضة الإسلام.
وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لمعاذ حين أرسله إلى اليمن: (( أعلمهم أن في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم )).
وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( ادفعوا صدقاتكم إلى من ولاه اللّه أمركم))، رواه ابن عمر.
وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( أربعة إلى الأئمة: الحد والجمعة والفيء والصدقات)).
وعلى ذلك جرت عادة السلف الراشدين والأئمة الهادين، بل ذلك معلوم لديهم ضرورة ـ كما ستعرفه - إن نفذت أوامره وبعد الطلب مطلقاً حيث كان مذهبه وجوب عموم الطاعة.
واختلف السيدان مع عدم نفوذ الأوامر، وما المراد بها؟
فاعلم وفقك اللّه أن ثمة أصلاً يرجع إليه وهو أن يقال: هل شرعت الزكاة في المال تعبداً أو في مقابل الحماية والأمان؟.
شاهد الأول: الأدلة الواضحة والبراهين الراسخة اللائحة وستأتي، ولا سبيل إلى الثاني إذاً لأشبهت الجزية، ولسقطت مع عدم ذلك مطلقاً وجد الإمام أم لا ولا قائل بذلك، ولَمَا جاز للإمام قتال أربابها عليها أبداً والحكمُ ببغيهم حيث قاتلوهم على ما ليس عليهم.
فإن قلت: إنما جاز للإمام قتالهم لوجوب الطاعة فهي فرع عن ثبوت الولاية.
قلنا : يرد سؤال الاستفسار: فيقال: ما المراد بالطاعة؟هل مجرد القول فقط؟
أو الامتثال للأوامر والنواهي وتسليم الحقوق والإذعان؟ أو الطاعة في بعض الأوامر والحقوق دون بعض؟.
الأول باطل وليس الدين قولاً بلا عمل.
وإن كان الثاني فهي من جملة ذلك بل أعظمها.(93/1)


وإن كان الثالث فهلمّ المخصص والفارق أن وجوب طاعة الأئمة والولاية في بعض الحقوق دون بعض ولا يجب [أن يكون المخصص] إلا كون الزكاة مما يخضم ويقضم.
فإن قلت: إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يأخذ من أهل مكة.
قلنا: إن صح فلعدم القدرة لما سنذكره من بثه صلى اللّه عليه وآله وسلم السعاة.
ولأن القول بعدم ولاية الإمام لعدم نفوذ الأوامر يؤدي إلى بطلان الإمامة ونكسها على الهامة، ويلزم التمانع والدور، ألا ترى أن الإمام في أول أوامره ومبتدأ أحواله وقيامه إذا كان لا يجب تأدية حق من حقوق اللّه إليه إلا بالقهر والإجبار ولا يتمكن من القهر والإجبار إلا بتأدية حقوق اللّه إليه فقد توقف كل من الطرفين على الآخر ودار، وكل رأي يلزم منه الدور فهو رأي أعمى وركوب دهماء، هذا دليل عقلي واضح جلي.
وإنما الإمام واحد من المسلمين يجب عليه الدعاء وعليهم الإجابة لا يُكلَّفه اللّه فوق وسعه وطاقته، فهل يجوز لمسلم أن يحقر جانبه أو يثبط عن طاعته وإجابته؟.
مع أنَّا نقول: المراد بنفوذ الأوامر "نفوذ الدعوة وبلوغها بنحو الرسل والرسائل" كما نقله عن الأئمة السيد العلامة الشرفي في كتابه المسمى (( ضياء ذوي الأبصار )) ، وإن تفسيره بغير ذلك سهو من أبي طالب عليه السلام مأخوذ من كلام مصنف سيرة الهادي عليه السلام لا غير، بل ذكر الإمام الهادي عزالدين بن الحسن عن بعض الأئمة أن ذلك غلط محض من أبي طالب عليه السلام وأن عموم كلام الهادي عليه السلام يقضي بخلافه.
قال عليه السلام في الأحكام ما لفظه: فإن كان في الزمان إمام حق فإليه استيفاء الزكاة كلها من أصناف الأموال الظاهرة والباطنة وإلى من يلي من قِبله، وله أن يجبر أرباب الأموال على حملها ويستحْلف من يُتهم بإخفائها ، انتهى كلامه من الأحكام.(93/2)

26 / 29
ع
En
A+
A-