منها مسألة الآذان بحي على خير العمل
اعلم أن التأذين بحي على خير العمل مذهب العترة عليهم السلام قاطبة.
والحجة على اتباعه ما روي عن علي عليه السلام قال: (( سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: (( اعلموا أن اللّه تعالى جعل خير أعمالكم الصلاة ، وأمر بلالاً أن يُؤذِّن بحي على خير العمل )).
وروى القاسم عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( أنه أمر بالتأذين بحي على خير العمل )).
وروى محمد بن منصور في كتابه الجامع بإسناده عن رجال مرضيين عن أبي محذورة قال: أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أقول في الآذان ((حي على خير العمل.)).
وروى نافع عن ابن عمر: أنه زاد في أذانه ((حي على خير العمل )).
وروى أبو بكر ابن أبي شيبة عن علي بن الحسين عليهما السلام:أنه كان يُؤذِّن فإذا بلغ حي على الفلاح قال: حي على خير العمل .
وروى زيد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام: أنه كان يقول في أذانه حي على خير العمل .
قال الهادي عليه السلام: وقد صح لنا أن الأذان بحي على خير العمل كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يُؤذن بها، ولم تطرح إلا في زمن عمر بن الخطاب، وأنه أمر بطرحها وقال: إني أخاف أن يتكل الناس على ذلك، قال: فإنه صلى اللّه عليه وآله وسلم عُلِّمَه ليلة الإسراء لا كما يقول الجُهَّال أنه رؤيا رآها بعض الأنصار فلا يقبله العقل .
ومن الروايات ما في كتاب الشفاء ما لفظه:الصحيح أن الأذان الشرعي شرع بحي على خير العمل لأنه اتفق على الأذان به يوم الخندق، ولأنه دعاء إلى الصلاة خير أعمالكم الصلاة.
قال صاحب فتوح مكة: أجمع أهل هذه المذاهب على التعصب في ترك الأذان بحي على خير العمل .انتهى.(89/1)
ومن ذلك ما أخبر به أبو بكر المقري ( قال في تذكرة الحفاظ ): هو ثقة علامة، قال: حدثنا الطحاوي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن داود البغدادي ( قال فيه الذهبي في تذكرة الحفاظ: حسن الحديث) قال: حدثنا أبوعاصم قال: حدثنا ابن جريج قال أخبرني عثمان بن السائب ( وقد وثقه الذهبي في الكاشف ) قال :أخبرني أبي عن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة الصحابي الجليل قال: علمني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الأذان كما تؤذنون الآن ، وذكر تلك الكلمات ومنها حي على خير العمل. وذكر نحو هذا المحب الطبري في كتاب الأحكام الكبير عن أبي أمامة ابن سهل البدري، وذكره عنه سعد بن منصور في سننه.
وقد ذكره الحافظ البيهقي صاحب التصانيف الجليلة عن محمد بن سيرين عن ابن عمر: أنه كان يقول ذلك في أذانه ، وذكر رواياتٍ أُخَر عن ابن عمر قريباً من هذا، ورواه أيضاً عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه كان يقول في أذانه إذا قال حي على الفلاح قال: حي على خير العمل، ويقول: هو الأذان الأول.
ومن ذلك ما رواه أبو بكر ابن أبي شيبة، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل (وهو ثقة من رجال البخاري ومسلم) عن جعفر بن محمد عن أبيه الباقر ومسلم بن يسار المزني (وهو ثقة من رجال البخاري) أن علي بن الحسين كان يُؤذن فإذا بلغ حي على الفلاح قال: حي على خير العمل، ويقول: هو الأذان الأول، وأنه أذان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وغير ذلك من الروايات.
وقد روى سعد الدين التفتازاني في حاشية شرح العضد أن حي على خير العمل كان ثابتاً على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وأن عمر هو الذي أمر أن يكف الناسُ عن ذلك مخافة أن يُثبِّط الناس عن الجهاد ويتكلُوا على الصلاة وهذا اجتهاد منه لا حجة فيه مع أنها ما كانت تنبغي هذه الرواية عن عمر لأن الاجتهاد لا ترفع به شريعة.(89/2)
وأما قول البيهقي في السنن في بابٍ آخر بعد ذكره لما تقدم أن بلالاً كان يُؤذِّن بها ثم أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم فقد قال في شرح كتاب السنة لشيخ الإسلام محمد بن الحسن بن مسعود روايات التثويب عن أبي محذورة وحكى ما روى بلال حتى قال: وإسناده ضعيف.
وفيما ذكرناه كفاية في ثبوت التأذين بحي على خير العمل ورواياته في كتب أهل البيت عليهم السلام ومن تبعهم شاهرة ظاهرة.
واحتج مخالفونا: بأنه لم يذكر في ابتداء الأذان، وبقول علي بن الحسين عليهما السلام: هو الأذان الأول، فأفاد أنه منسوخ، وبأمر عمر بتركه.
قلت: قد ثبت في الروايات الصحيحة روايات العترة عليهم السلام وشيعتهم وغيرهم، وإن سُلم أنه لم يذكر ابتداء فقد ذكره صلى اللّه عليه وآله وسلم بعد،
لا يقال لو كان منهما لما أُهمل في مقام التعليم، لأنا نقول: قد صح ثبوته إما ابتداءً أو زيادةً من جهة الشارع ويجب قبولها كالزيادة في صلاة الحضر وغير ذلك.
وأما قول علي بن الحسين فيعني بالأول قبل أمر عمر بتركه، ولو أراد أنه قد نسخ لما أَذَّنَ به.
وأما أمر عمر فإنما كان استصلاحاً وذلك ليس بحجة ولا ينسخ حكم شرعي بقول صحابي.
وأما إجماع العترة عليهم السلام فهو حجة كما ثبت بالقواطع من الأدلة ولا يتأتى إجماعهم على خلاف المشروع، بل هم أعرف بما كان عليه جدهم المختار صلى اللّه عليه وسلم وعلى آله الأخيار ،وصاحب البيت أدرى بالذي فيه فلا يسع المتمسكَ بهم مخالفتُهم واللّه ولي التوفيق.(89/3)
ومنها مسألة الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في الصلاة الجهرية
أجمع العترة عليهم السلام على شرعيتها لِما رَوى النعمان بن بشير عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: (( أمني جبريل عليه السلام عند باب الكعبة فجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ))، حكاه في الانتصار.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: (( أمني جبريل عليه السلام عند البيت فجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم )).
وعن عمار بن ياسر قال: صليتُ خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم.
وروى ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم.
وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( كل صلاة لا يجهر فيها ببسم اللّه الرحمن الرحيم فهي آية اختلسها الشيطان )). حكاه في الشفاء.
وروى الإمام المتوكل على اللّه أحمد بن سليمان عن الإمام الهادي إلى الحق عليهم السلام يرفعه بإسناده إلى علي عليه السلام قال: (( من لم يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم فقد أخدج صلاته )).
وروى محمد بن منصور بإسناده عن أمير المؤمنين وعن محمد بن علي وزيد بن علي وجعفر بن محمد ومحمد وإبراهيم ابني عبداللّه وأبيهما عبداللّه بن الحسن وعبد اللّه بن موسى بن عبداللّه وعن أحمد بن عيسى عليهم السلام: الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم فيما يجهر فيه من القرآن، حكاه الإمام المتوكل على اللّه في أصول الأحكام.(90/1)
وفيه عن جابر بن حيان وجابر بن زيد قال: دخلنا على ابن عمر وصلّى بنا الظهر والعصر، ثم صلّى بنا المغرب فجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في كلتا السورتين، فقلنا: قد صليت بنا صلاة ما تُعرف بالبصرة ، فقال ابن عمر: صليت خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في كلتا السورتين حتى قبض، وصليت خلف أبي بكر فلم يزل يجهر به في كلتا السورتين، وصليت خلف عمر فلم يزل يجهر به حتى هلك، وأنا أجهر به فلن أدعه حتى أموت .
وفيه عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( كيف تقول إذا قمت إلى الصلاة )) قال:أقول: الحمد لله رب العالمين ، قال: (( قل بسم اللّه الرحمن الرحيم )).
وفيه عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: كم الحمد آيةً؟
قال سبع آيات.
قلت: فأين السابعة.
قال: بسم اللّه الرحمن الرحيم.
وفيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:ولقد آتيناك سبعاً من المثاني، قال:فاتحة الكتاب ، ثم قرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم وقال: هي الآية السابعة. ورُوي الجهر عنه وعن ابن الزبير وعامة الصحابة.
وروى الدارقطني عن ابن عمر قال: صليت خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم، وفي رواية الحاكم عن أنس بنحوه وزاد وخلف عثمان.
ورُويَ عن أنس أن معاوية قدم المدينة فصلى صلاة فقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم في أول الفاتحة ثم تركها لما قرأ السورة الثانية، فلما فرغ نادى المهاجرون والأنصار من كل مكان أسرقت الصلاة يا معاوية أم نسيت بسم اللّه الرحمن الرحيم، قال الترمذي في شرح المنهاج وروى الدارقطني والحاكم وحكى ما ذكرها هنا وزاد فلما صلى بعد ذلك قرأ بها.
واحتج المخالفون: بما روي عن أنس: كانوا لا يجهرون ببسم اللّه الرحمن الرحيم.
ورواية عبداللّه بن المغفل : لم أسمع أحداً يقولها.
وخبر ابن مسعود: ما جهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في مكتوبةٍ.(90/2)