وقوله تعالى ? والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم?(الطور: 21)، وقوله تعالى ? وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه?(الأنفال: 75)، وغيرها من الآيات.
ومن السنة فمثل خبري السفينة، وإني تارك فيكم، وكقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال ))، (( من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبه اللّه على منخريه في نار جهنم ))، (( من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة اللّه وخليفة كتابه وخليفة رسوله ))، (( إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين))(( قدموهم ولا تَقدموا عليهم )).
وقد سبقت الإشارة إليها وغيرها من رواية الموالف والمخالف مما تواتر معنىً وأفاد الإمامة قطعاً.
وأما الإجماع فقد انعقد إجماع طوائف الأُمة على صحة الإمامة في العترة فثبت لهم.
وما يدعيه بعض الطوائف من صحتها في غيرهم باطل مردود:
أما أولاً: فلأنها لا تكون إلا بدليل شرعي وإذن من اللّه تعالى لمن يقوم بها ولم يأذن بها لغير العترة، وما لا دليل عليه باطل مردود وقد قال تعالى ? ولا تقف ما ليس لك به علم?(الإسراء: 36)، وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( كلما ليس عليه أمرنا فهو رد ))، أو كما قال.
فإن قيل : قد قال صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( الأئمة من قريش )).
قلنا: هذا الحديث غير صحيح لقول عمر بمحضر من الصحابة: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً ما شككت فيه، وسالم غير قرشي، مع أنه أحادي والمسألة قطعية، وإن سُلِّم فمجمل بينته الأدلة القاطعة القاضية بحصرها في العترة إذْ هم الخيار من قريش، يزيده بياناً قول الوصي عليه السلام: ((الأئمة من قريش في هذا البطن من هاشم))، وقوله حجة.(85/2)
وأما ثانياً: فلأن من ثمرة الإمامة إقامة الحدود، والإكراه على أخذ الحقوق، وغير ذلك مما حظرته الأدلة على غير الأئمة، فكانت تلك الأدلة مانعة عن اقتحام منصبها إلا بمن قام الدليل القاطع على صحتها فيه.
وأما ثالثاً: فلإجماع العترة المعلوم على حصر الإمامة فيهم دون غيرهم وإجماعهم حجة قطعية كما تكرر ذلك مؤيداً بالأدلة الشرعية.
وأما حجة العقل فهي أن اللّه تعالى بعث الرسل لحاجة الخلق إليهم، والإمامة فرع النبوة، فلا يجوز أن يكون بعث النبوة إلا في موضع مخصوص معروف للخلق وإلا فسد التدبير وضاع الخلق، وكما أن النبوة لا تكون إلا في أرفع المواضع وأشرفها فكذلك الإمامة لا تكون إلا في أرفع المواضع وأشرفها، وهو معدن الرسالة ليكون أقطع للحجة، وأبلغ في المعذرة، ولا أقرب إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من أولاده وذريته مع ما خصهم اللّه من الشرف والفضل، فكانوا أحق بالإمامة من غيرهم، وفي هذا القدر كفاية والأدلة على ذلك كثيرة مذكورة في الكتب البسيطة.
وأما خلاف ابن الراوندي أنها تستحق بالميراث فلا يعتد به:
لما اشتهر عنه من الزندقة.
ولأنه قول حادث قد سبقه الإجماع.
ولأن العباس رضي اللّه عنه لم يدَّعِها بل قال للوصي عليه السلام: امدد يدك أبايعك.
وأما دعوى الإمامية اختصاصها بالمعينين من أولاد الحسين فباطلة:
إذْ لا نص فيما عدا الثلاثة المعصومين وإلا لوجب اشتهاره لأنه مما تعم به البلوى علماً وعملاً، والإجماع على وجوب اشتهار ما شأنه كذلك كالصلاة.
ولأن المدعى لهم بالنص من أولاد الحسين عليه السلام لم يدعوا ذلك.
ولأنه مذهب موضوع في أيام المأمون وقد سبقه الإجماع فلا يلتفت إليه.(85/3)
[شروط القائم بالإمامة]
فصل وشروط صاحبها أربعة عشر شرطاً:
وهي أن يكون: 1. بالغاً، 2. عاقلا ، 3. ذكراً ، 4. حراً ، 5.علوياً 6.فاطمياً لِما مر.
7. عالماً مجتهداً لقوله تعالى ? أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبعَ أمّن لا يهدي?(يونس: 35)، ولإجماع الصدر الأول على ذلك.
8. ورعاً لقوله تعالى ? لا ينال عهدي الظالمين?[124،البقرة] ولإجماع من يعتد به على اشتراطه.
9. فاضلاً لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( من ولّى رجلاً وهو يعلم أن غيره أفضل منه فقد خان اللّه في أرضه ))، ولإجماع الصحابة فإن من عرف ما وقع في بيعة أبي بكر وعمر وعثمان وحديث المناشدة علم ذلك قطعاً.
10. شجاعاً ليتمكن من تدبير الحروب عند فشل الجموع لئلا يُحطِّم جيوش المسلمين.
11. قوياً على تدبير الحروب بحيث يكون أكثر رأيه الإصابة لئلا تنتثر أمور المسلمين.
12. سخياً بوضع الحقوق في مواضعها لأن خلاف ذلك حيف وسقوط عدالة.
13. سليم الحواس والأطراف التي يختل القيام بثمرة الإمامة عند فقدها وعن المنفرات بحيث يتمكن من مخالطة الناس.
14. لم يتقدمه إمام مجاب كامل في عصره لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخِرَ منهما)) .(86/1)
[الطريق إلى الإمامة]
واعلم أنه لا طريق إلى من يقوم بها إلا الشرع.
قال أئمة الزيدية وشيعتهم هو النص التفصيلي في علي وولديه عليهم السلام والنص الجملي في أولادهم، وإجماعهم أيضاً حجة على أن من دعا الناس إلى نصرته والجهاد معه وهو جامع لشروط الإمامة صار إماماً تجبُ طاعتُه، وقد أجمعت الأمة أيضاً على اعتبار معنى الدعوة التي ذكرناها في حق الإمام إلا أصحاب النص وقد بطل قولهم فتعين الحق في قول من عداهم.
ولا دليل يدل على اعتبار أمرٍ زائد على الدعوة من العقد والاختيار والإرث والجزاء والقهر والغلبة، وما لم يقم عليه دليلٌ لم يجز إثباته لما مر، ولأنه يفتحُ باب الجهالات.
فهذه ثلاثون مسألةً في أُصول الدين على قواعد آبائنا أهل البيت الأكرمين وشيعتهم الأرشدين فيجب المصير فيها إلى العلم اليقين، ولا يجوز التقليد فيها لأحد من المكلفين.
وسبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم.(87/1)
[الباب الرابع]
في ذكر شيءٍ من مسائل الفقه معتمدة عند أئمتنا عليهم السلام ومختارة عندنا(88/1)