المسألة الخامسة:
أن شفاعة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تكون لمن يستحق النار من الكفار ولا الفساق بل هي للمؤمنين ليزيدهم اللّه بها تشريفاً.
والدليل على ذلك: قوله تعالى ?ما للظالمين من حميمٍ ولا شفيعٍ يطاع?(غافر: 18)، والفاسق ظالم لنفسه لقوله تعالى ?ومن لم يتب فاؤلئك هم الظالمون?(الحجرات: 11)، وقوله تعالى ?ولا يشفعون إلا لمن ارتضى?(الأنبياء: 28) وغيرها من الآيات، فثبت بذلك أنها للمؤمنين خلافاً للمرجئة، وحجتنا عليهم ما مر، ويقال لهم: ما تقولون؟ هل يحسن من العبد سؤال اللّه تعالى أن يدخله في شفاعة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أم لا؟
فإن قالوا لا، خالفوا الإجماع، وإن قالوا نعم، قلنا: يلزمكم على مذهبكم أن يسأل اللّه تعالى أن يميته فاسقاً، فما بقي إلا أنها للمؤمنين.
فإن قيل : قد قال اللّه تعالى ?خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك?(هود: 107)، وقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)).
قلنا : معنى الاستثناء في الآية الكريمة إلا وقت الوقوف في المحشر، وأما الحديث فيجب طرحه والحكم بعدم صحته لمصادمته البراهين القطعية، وقد عورض بمثل ما رواه الحسن عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال (( ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ))، ولئن صح وجب تأويله بالتائب جمعاً بين الأدلة، ورداً للمظنون إلى المقطوع به، وقد قال تعالى ? ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سؤاً يجز به ولا يجد له من دون اللّه ولياً ولا نصيراً?(النساء: 123) والشفيع ولي ونصير.(80/1)


المسألة السادسة:
أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على قدر الطاقة والإمكان إذا تكاملت شروطهما لقوله تعالى ?ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون?(آل عمران: 104)، وقوله تعالى ?لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون?(المائدة: 78)، وقال تعالى حاكياً ومقرراً ? وأْمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور?(لقمان: 17)، الآيات وغيرها.
ولقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( لتأمرنّ بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن اللّه عليكم سلطاناً جائراً لا يرحم صغيركم، ولا يوقر كبيركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم ))، وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((والذي نفسي بيده ليخرجن أقوام من أمتي من قبورهم يوم القيامة على صورةِ القردة والخنازير بما داهنوا أهل المعاصي وكفوا عن نهيهم وهم يستطيعون ))، وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( لا يحل لعين ترى اللّه يُعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل ))، وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( ما من قوم يكون بين ظهرانيهم من يعمل بالمعاصي فلا يغيروا عليه إلا أصابهم اللّه بعقاب ))، إلى غير ذلك من الكتاب ومن السنة.(81/1)


واعلم أن شروطهما التي يتحتمان عندها سبعة:
أولها: التكليف لرفع القلم عن الصبي والمجنون.
ثانيها: القدرة عليهما لقوله تعالى ? لا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها?(البقرة: 286).
ثالثها: العلم بأن ما يأمر به معروف وما ينهى عنه منكر عند الفاعل، لأنه لا يأمن أن ينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر، ولقوله تعالى ? ولا تقف ما ليس لك به علم?(الإسراء: 36).
ورابعها: أن يظن التأثير، فإن لم يظن حَسُن من باب الدعاء إلى الخير، ولقوله تعالى ?قالوا معذرةٌ إلى ربكم ولعلهم يتقون?(الأعراف: 164)، إلا أن يكون المأمور والمنهي جاهلاً للحكم وجب البيان لأن تبليغ الشرائع واجب ولقوله تعالى ? إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاعنون?(البقرة: 159)، وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( من كتم علماً مما ينتفع به الناس ألجمه اللّه بلجام من نار)).
وخامسها: أن لا يظن أنهما يؤديان إلى مثلهما أو أنكر منهما وإلا لم يَحسُنا إذ يكون كالإغراء ولقوله تعالى ? ولا تسبوا الذين يدعون من دون اللّه فيسبوا اللّه عدواً بغير علم?(الأنعام: 108).
سادسها: أن لا يظن حصول ضررٍ على نفسه بسببهما كقتلٍ أو حبسٍ وإلا سقطا لقوله تعالى ? ولا تُلقوا بأيدكم إلى التهلكة?(البقرة: 195)، ? وما جعل عليكم في الدين من حرج?(الحج: 78)، وفي حسنهما احتمالان وتفصيل.
وتجب المباينة لأهل المعاصي لقوله تعالى ? فلا تقعدوا معهم?(النساء: 140)، ويجب الإنكار بالقلب لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)).
والسابع: أن يظن أنه إن لم يأمر بالواجب تُرك، وإن لم ينه عن المحظور فُعل، وإلا لم يتضيّقا وإن حَسُنَا من باب الوعظ والتذكير قال اللّه تعالى ?وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين?(الذاريات: 55) .(82/1)


((فرع)): ولا يكونان إلا بقول رفيق، فإن لم يَتما به وجبت المدافعة عن فعل المحظور إلى حد القتل لإجماع العترة على وجوب إزالة المنكر بأي وجهٍ، ولا يُخشِّن إن كفى اللين، وأما الحمل على فعل الواجب بالإكراه فيختص بالأئمة إلا في الواجبات العقلية، كرد الوديعة وقضاء الدين.(82/2)


المسألة السابعة: أن الإمام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بلا فصلٍ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه في الجنة.
والدليل على ذلك: الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب : فقوله تعالى ? إنما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويُؤتون الزكاة وهم راكعون?(المائدة: 55)، والمراد بالذين آمنوا في الآية علي عليه السلام لوقوع التواتر بذلك من المفسرين وأهل التواريخ كما ذلك مذكورٌ في الكتب البسيطة، ولإطباق العترة عليهم السلام وشيعتهم رضي اللّه عنهم على أنها نزلت في علي عليه السلام لما تصدق بخاتمِهِ وهو راكعٌ، والقصة مشهورة، والخبر مستفيض بين الأمة.
وإن كان لفظ ولي مشتركاً بين معان فقد غلب في مالك التصرف بعرف الاستعمال وذلك معنى الإمامة، ولو لم يغلب لوجب حمله على جميع معانيه الصالحة لأن خطاب الحكيم لا يخرج عن الإفادة ومن جملة معانيه ملك التصرف.
وقوله تعالى ? إنما أنت منذر ولكل قوم هادٍ?(الرعد: 7)، وقوله تعالى ?ويتلوه شاهد منه?(هود: 17) لِما جاء في التفسير من أنه عليه السلام المراد بالهادي والشاهد وغيرها من الآيات.
وأما السنة : فقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم غدير خم: (( أيها الناس ألستُ أولى بكم من أنفسكم لا أمر لكم معي، قالوا بلى يا رسول اللّه، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم والِ من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله )).
وهذا خبر متواتر مجمع على صحته عند الموالف والمخالف، ومن وقف على طرف من علم الحديث علم صحة تواتره، وقد أورد الإمام المنصور باللّه عبداللّه بن حمزة عليه السلام في الشافي في سند هذا الحديث ما يزيد على مائة طريق في النسائي وأبي داود وابن حنبل ومناقب ابن المغازلي وتفسير الثعلبي وغير ذلك، وهو مفيد لمعنى الإمامة على قواعد كل مذهب لأن القرينة اللفظية في أول الحديث وآخره مفيدة لمعنى الإمامة وملك التصرف.(83/1)

22 / 29
ع
En
A+
A-