[الفصل الثالث في الوعد والوعيد]
وفيه عشر مسائل:(76/1)


المسألة الأولى والثانية:
المسألة الأولى:
أن من وعَدَه اللّه تعالى بالثواب من المؤمنين فإنه متى مات على إيمانه صائرٌ إلى الجنة لا محالة ومُخلَّد فيها دائماً في ثواب لا ينقطع إجماعاً.
المسألة الثانية:
أن من توعده اللّه تعالى بالعقاب من الكفار فإنه متى مات مُصِراً على كفره صائر إلى النار لا محالة ومُخلدٌ فيها دائماً في عقاب لا ينقطع إجماعاً.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه في هاتين المسألتين: أن من المعلوم ضرورة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يَدينُ بذلك ويُخبر به، وهو لا يَدين إلا بالحق ولا يخبر إلا بالصدق، وقد قال تعالى ? إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البريّة إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاءُهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً?(البينة: 6-8) وغيرها.(77/1)


المسألة الثالثة:
أن من توعده اللّه تعالى من الفساق بالنار ومات مصراً على فسقه غير تائب فإنه صائر إلى النار ومخلدٌ فيها دائماً.
والدليل على ذلك قوله تعالى ?ومن يعصِ اللّه ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً?(الجن: 23)، وقوله تعالى ? إنَّ الأبرار لفي نعيم وإنَّ الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين?(الإنفطار: 13-15)، وغيرها من الآيات العامة والخاصة بفساق أهل القبلة، فيجب القطع بصدق ما تناوله الوعد والوعيد لقوله تعالى ? ما يُبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد?(ق: 29).
فإن قيل : قد خصصت عمومات الوعيد بأهل الصغائر وبالتائبين قطعاً لقوله تعالى?إن تجتنبوا كبائر ما تُنهون عنه نكفرْ عنكم سيئاتكم?(النساء: 31) الآية ونحوها، وقوله تعالى ?وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى?(طه: 82) الآية ونحوها.
قلت :صحيح فيجب العمل بالخاص فيما تناوله وبالعام فيما بقي.
فإن قيل : دلالة العموم بعد التخصيص ظنية.
قُلنا : لا نُسلّم وهلم الدليل وليس إليه من سبيل، ولنا التبرع ببيان مستند المنع وهو أن يقال: الأصل القطع في كلما جاءنا عن اللّه تعالى ورسولِه لقوله تعالى ? وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا?(الحشر: 7)، وقوله تعالى ? فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبَهم فتنةٌ أو يُصيبَهم عذابٌ أليمٌ?(النور: 63)، ولم يُفَصِّل بين عامٍ وخاصٍ، وإنما خصَّص العمومات في مسائل الفروع الإجماعُ ومسائلُ الأُصولِ باقيةٌ على حكمِها.
ودليلٌ آخر: وهو إجماع أهلِ البيت عليهم السلام على القول بخلود أهل الكبائر، وإجماعهم حجة قطعيّة كما هو مذكور في مواضعه بل هو حجة الإجماع.
فإن قيل: قد قال الله تعالى ? قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إن اللّه يغفر الذنوب جميعاً?(الزمر: 53) الآية وغيرها؟(78/1)


قلت: مجملةٌ وآية التوبة مُبَيِّنَة، والواجب الرجوع إلى المبين، أو مطلقة مقيّدة بها والواجب حمل المطلق على المقيد، أو عامة مخصصة والواجب بناء العام على الخاص، وقد قال تعالى ? وأنيبوا إلى ربكم وأسلمُوا له من قبل أن يأْتِيَكم العذاب?(الزمر: 54)، وقال تعالى ?ورحمتي وسعتْ كل شيء فسأكتُبُها للذين يتقون?(الأعراف: 156)، وكذلك سائر الآيات الكريمة.(78/2)


المسألة الرابعة:
أن أهل الكبائر من هذه الأمة كشارب الخمر والزاني ونحوهما يسمون فُسّاقاً، ولا يُسمون كفاراً خلافاً للخوارج، ولا يُسمون مؤمنين خِلافاً للمرجئَة.
حجّتنا على الخوارج تحريم مناكحة الكفار والموارثة والدفن في مقابر المسلمين بخِلاف الفساق.
وحجتنا على المرجئة أنَّ المؤمنَ يستحقُّ الثواب والتعظيم بخِلاف الفاسق، وقد قال تعالى ? إنما المؤمنون الَّذين إذا ذكِر اللّه وَجِلَتْ قلوبهم وإذا تُليتْ عليهم آياتهُ زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون?(الأنفال: 2) الآية ونحوها، وهذه ليست بصفات الكفار ولا الفساق.(79/1)

21 / 29
ع
En
A+
A-