[معنى الختم والطبع]
والختم والطبع [يأتيان] بمعنى التغطية وبمعنى العلامة.
ولا يجوز أن يقال: إن اللّه طبع على قلوب الكفار بمعنى غطى عليها.
[وقال] بعض العدلية: ويجوز بمعنى جعل علامة.
والمختار أن الطبع والختم والغشاوة والحجاب في مثل قوله تعالى ? طبع اللّه على قلوبهم?(محمد: 16)، و?وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ?(الجاثية: 23)، و? وفي آذاننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجاب?(فصلت: 5)، عبارة عن سلب تنوير القلب الزائد على العقل الكافي، شبّه تعالى سلب التنوير بالختم والطبع، وشبّه حالهم حيث لم يعملوا بمقتضى ما سمعوا وأبصروا بمن في أذنيه وقر وفي بصره غشاوة ومن بينه وبين الناصح حجاب لا يبلغ إليه نصيحته، والتزيين: التحسين، زين لهم الشيطان أعمالهم أي المعاصي، وكذلك زين لكل أمة عملهم أي الطاعات زينها تعالى بما وعد عليها من الثواب والسلامة من العقاب.
والقضاء قد مر معناه في صدر المسألة.(66/1)


[معاني القدر]
والقدر على أحد معانٍ:
1- منها القدْر والإحكام كقوله تعالى ? إنا كل شيء خلقناه بقدر?(القمر: 49)، أي: كل شيء مخلوق لنا فهو بقدْرٍ منا.
2 -وبمعنى العلم كقوله تعالى ? ينَزل بقدر ما يشاء?(الشورى: 27).
3 -وبمعنى القدْر كقوله تعالى ? فسالت أودية بقدَرها?(الرعد: 17).
4 -وبمعنى الإعلام كقول العجاج:
واعلم بأن ذا الجلال قد قدر في الصحف الأولى التي كان سطر
5 -وبمعنى الأجل كقوله تعالى ? إلى قدر معلوم?(المرسلات: 22).
6 -وبمعنى الحتم كقوله تعالى ? وكان أمر اللّه قدراً مقدوراً?(الأحزاب: 38).
فيجوز أن يقال الواجبات بقدَر اللّه تعالى بمعنى حتمه لا بمعنى خلقه.
ولا يجوز أن يقال المعاصي بقدر اللّه تعالى بمعنى خلقها أو حتمها خلافاً للمجبرة.
وقدّر (مشدداً) على معانٍ أيضاً:
1 - بمعنى خلق كما في قوله تعالى ? وقدر فيها أقواتها?(فصلت: 10) .
2 - وبمعنى أحكم كقوله تعالى ? وخلق كل شيء فقدره تقديراً ?(الفرقان: 2).
3 - وبمعنى بيّن تقول: قدر القاضي نفقة الزوجة.
4 - وبمعنى قاس تقول: قدرت ذا على ذاك.
5 - وبمعنى فرض يقال: قدِّر ما شئتَ.
فيجوز أن يقال: أن اللّه تعالى قدَّر الواجبات بمعنى فرضها، وقدَّر الطاعة والمعصية بمعنى بيّنها، مقيداً، لا بمعنى خلقها خلافاً للمجبرة.
قالوا: قال اللّه تعالى ? واللّه خلقكم وما تعملون?(الصافات: 96).
قلت: يعني خلقكم والحجارة التي تعملونها أصناماً.(67/1)


[معنى الإيمان بالقضاء والقدر]
نعم وكل ما كان من فعله تعالى فهو بقضائه وقدره، وعليه يحمل الحديث (( لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ))، سمي شراً مجازاً لنفرة النفوس عنه كالأمراض والنقائص، والإيمان به اعتقاد أنه من اللّه تعالى بحكمةٍ ومصلحةٍ يعلمها.
واعلم أن المجبرة هم: القدرية لقولهم إن المعاصي بقدر اللّه تعالى، ونحن ننفي ذلك، والنسبة في لغة العرب من الإثبات لا من النفي كما يقال ثنوي، ولكثرة لهجتهم به.
وقد صح عند أهل الإسلام قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( القدرية مجوس هذه الأمة.)).
وفي الحديث (( وهم خصماء الرحمن وشهود الزور وجنود إبليس )).
وهذه الأوصاف صادقة عليهم:
أما خصومة الرحمن فإذا احتج [اللّه] على العصاة قالوا أنت الذي خلقت فيهم العصيان.
وأما شهادة الزور فإذا خاطب اللّه الشياطين بما أضلوا عباده قالوا أنت الذي أضللتهم فلا يجدون شاهداً إلا هذه الفرقة ومن شابه قولها من المجوس.
وأما كونهم جنود إبليس فلأنهم الذين يتعصبون له في قوله بما أغويتني.
وقد قال صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي لعنهما اللّه على لسان سبعين نبيئاً القدرية والمرجئة، قيل: ومن القدرية، قال: قوم يعملون المعاصي ويقولون إن اللّه قدرها عليهم، قيل: ومن المرجئة، قال: الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل.))، وهذا صريح في أنهم هم القدرية، وقد روي غيره في هذا المعنى جنبنا اللّه الوبال ومراتع الضلال.(68/1)


المسألة الرابعة:
أن اللّه تعالى لا يكلف أحداً من عباده ما لا يطيقه لأنه قبيح وقد ثبت أن اللّه تعالى لا يفعل القبيح. وقد قال تعالى ? لا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها?(البقرة: 286)، والوسع دون الطاقة.(69/1)


المسألة الخامسة:
أن اللّه تعالى لا يثيب أحداً إلا بعمله ولا يعذبه إلا بذنبه، لأن إثابة من لا يستحق الثواب تعظيم له وهو قبيح لا يجوز على اللّه، وتعذيب من لا ذنب له قبيح أيضاً لأنه ظلم واللّه تعالى لا يجوز عليه القبيح والظلم بحال.
وقد قال تعالى ? وأن ليس للإنسان إلا ما سعى?(النجم: 39)، وقال تعالى ? ولا تزر وازرة وزر أخرى?(الأنعام: 164) وغيرها.
(( تنبيه )): وحقيقة الثواب هي المنافع المستحقة على وجه الإجلال والتعظيم، فيخرج عنه الأعواض والتفضل فإنها حسنة عند كل عاقل وإن كانت لا تسمى ثواباً.
وحقيقة العقاب هي المضار المستحقة على وجه الإهانة، فيخرج عنه المضار النازلة على أولياء اللّه تعالى وعلى غير المكلف، فإنها لحكمةٍ ومصالح علِمها اللّه تعالى ولا تسمى عقاباً.(70/1)

19 / 29
ع
En
A+
A-