المسألة الثانية:
أن أفعال العباد حسَنها وقبيحها منهم لا من اللّه تعالى لأنها حاصلة ومنتفية بحسب اختيارهم وذلك معلوم بالضرورة، ولأنها لو كانت من فعله تعالى لما أمرهم بالطاعات ونهاهم عن المعاصي كما أنه لم يأمرهم بنحو الطول والقِصَر والألوان لمّا كانت من فعله تعالى ولكان ذلك قبيحاً، ولأن اللّه تعالى قد نسب أفعالهم إليهم فقال تعالى ? لِمَ تقولون ما لا تفعلون?(الصف: 2)، و?جزاءً بما كانوا يعملون?(الواقعة: 24)، و?وتخلقون إفكاً?(العنكبوت: 17) وغيرها.(61/1)


المسألة الثالثة: أن اللّه لا يقضي بالمعاصي.
[معاني القضاء]
والقضاء يطلق على معانٍ:
1- منها بمعنى الخلق كما قال تعالى ? فقضاهن سبع سماواتٍ في يومين ?(فصلت: 12)
2-وبمعنى الإلزام كما قال تعالى ? وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ?(الإسراء: 23).
3-وبمعنى الإعلام كما قال تعالى ? وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ?(الإسراء: 4).
فيجوز أن يقال الطاعة بقضاء اللّه تعالى بمعنى إلزامه لا بمعنى خلقه لها، لأن صحة الأمر بها والوعيد على تركها ينافي خلقه لها ضرورة.
ولا يجوز أن تكون المعاصي بقضاء اللّه تعالى بمعنى الخلق لها لأنه لو خلقها فيهم لم يحسن نهيهم ولا عقابهم عليها كما أن ألوانهم لما كانت من فعله تعالى لم ينههم ولم يعاقبهم عليها.
ولا يجوز أن يكون من قضائه بمعنى الإلزام لأنها قبيحة وباطل واللّه تعالى لا يأمر بالقبيح والباطل قال تعالى ?واللّه يقضي بالحق?(غافر: 20)، وقال تعالى ? إن اللّه لا يأمر بالفحشاء?(الأعراف: 28)، ?إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان?(النحل: 90) الخ الآية وغيرها.
وإذا كان كذلك فلا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء اللّه تعالى وقدره لما فيه من إيهام الاعتقاد الفاسد.
تنبيهٌ: واعلم أنه يجب الجزم أن اللّه تعالى لا يصدُّ عن طريق الحق، ولا يفعل ما يحول بين المكلف وبينها، وما ورد في ظواهر الآيات الكريمة مما يوهم ذلك فهو من المتشابه فيجب تأويله كما مر ورده إلى قواطع المحكم المطابق لحجة العقل.(62/1)


[معاني الهدى]
فالهدى يطلق على أحد معانٍ:
1-منها الدعاء إلى الخير كما قال تعالى ? وأما ثمود فهديناهم ?(فصلت: 17) .
2-ومنها زيادة البصيرة والتنوير كما قال تعالى ?والذين اهتدوا زادهم هدى ?(محمد: 17) .
3-ومنها الثواب كما قال تعالى ? يهديهم ربهم بإيمانهم?(يونس: 9).
4-وبمعنى الحكم والتسمية كما قال الشاعر:
مازال يهدي قومه ويضلنا جهراً وينسبنا إلى الفجار
فمعنى قوله تعالى ?واللّه لا يهدي القوم الظالمين?(الصف: 7) أي: لا يزيدهم بصيرة بظلمهم، أو لا يُثبتهم، أو لا يحكم لهم بالهدى ولا يسميهم به.
ولا يجوز أن يكون المعنى الأول [من معاني الهدى الذي هو الدعاء إلى الخير] لأنه رد لما علم من ضرورة الدين لدعائه تعالى الكفار وغيرهم.(63/1)


[معاني الضلال]
والضلال يطلق على معانٍ:
1- منها الإغواء عن طريق الحق كما قال تعالى ?وأضلهم السامري?(طه: 85).
2-ومنها الهلاك كما قال تعالى ? أإذا ضللنا في الأرض?(السجدة: 10).
3-ومنها العقاب كما قال تعالى ? إن المجرمين في ضلال وسعر?(القمر: 47)..
4-ومعنى الحكم والتسمية كما في البيت [السابق ذكره]
[ما زال يهدي قومه ويضلنا جهراً وينسبنا إلى الفجار]
فمعنى قوله ? ويضل اللّه الظالمين?(إبراهيم: 27) أي: يهلكهم، أو يعذبهم، أو يحكم عليهم، أو يسميهم به.
ولا يجوز أن يكون المعنى الأول [من معاني الضلال] إذ هو ذم لله تعالى وتزكية لإبليس وجنوده وذلك كفر.(64/1)


والفتنة كذلك [تطلق على معانٍ]
1-[فتأتي] بمعنى المحنة، كقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((ستأتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم فيظن المؤمنون أنهم هالكون، ثم يكشفها اللّه تعالى بنا أهل البيت)).
2-وبمعنى الاختبار كقوله تعالى ? ولقد فتنا الذين من قبلهم ?(العنكبوت: 3).
3-وبمعنى الإضلال كقوله تعالى ? يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان ?(الأعراف: 27).
4-وبمعنى العذاب كقوله تعالى ? يوم هم على النار يفتنون ?(الذاريات: 13).
فيجوز أن يفتن اللّه تعالى المكلفين أي يختبرهم بالتكاليف والشدائد، ويفتن العصاة بمعنى يعذبهم لا بمعنى يضلهم عن طريق الحق لأنها صفة نقص واللّه يتعالى عنها.(65/1)

18 / 29
ع
En
A+
A-