المسألة الخامسة:
أن اللّه سميع بصير، والسميع والبصير في حقه تعالى بمعنى عالم بالمسموع والمبصر لاستحالة آلة السمع في حقه تعالى لِما يأتي من أنه ليس كمثله شيء، قال تعالى ?وهو السميع البصير?(الشورى: 11).(52/1)


المسألة السادسة:
أن اللّه تعالى قديم لا أول لوجوده، والدليل على ذلك: ما ثبت من أنه تعالى الصانع الحكيم، والصانع الحكيم لابد من أن يكون قديماً وأَوَّلاً للمصنوع ضرورة، وقد قال تعالى ? هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ?(الحديد: 3) .
تنبيه: وصفات اللّه تعالى الذاتية هي ذاته لا غيرها، بمعنى أن اللّه تعالى عالم بذاته، قادر بذاته، ونحو ذلك، لأنها لو كانت زائدة على الذات:
للزم أن يكون مع اللّه قديم، وهو باطل.
وللزم أيضا أن يشبه المُحدَثات لأن صفاتها زائدة على ذواتها، فالحياة فينا مثلاً غير الحي لانتفاء الصفة مع بقاء الذات، واللّه تعالى ليس كذلك وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.(53/1)


المسألة السابعة:
أن اللّه تعالى لا يشبه الأشياء، لأنه لو أشبهها للزم أن يكون مُحدثاً مثلها، وقد ثبت أنه قديم فيجب أن لا يشبهه شيءٌ لأن المثلين لا يصح أن يكون أحدهما قديماً والآخر مُحدثاً، وقد قال تعالى ? ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ?(الشورى: 11) .(54/1)


[نفي صفات المخلوقات عن الباري جل وعلا]
تنبيه: وإذا تقرر أن اللّه تعالى ليس كمثله شيء فيجب أن ينفى عنه جميع صفات الأجسام والأعراض، مثل الحدوث، والفناء، والجوارح، والأعضاء، والتحيُّز، والاستقرار، والرؤية، والنُزول والصعود، والكون في جهة، والغم والسرور، والألم واللذة، وأن يكون حالاً أو محلاً، وغير ذلك، لأن تلك جميعها من صفات الأجسام والأعراض واللّه بخلافها ويتعالى عنها.
وما ورد في بعض الآيات الكريمة مما يوهم ظاهرها التشبيه فهو من المتشابه، والواجب تأويله بما يصح معناه ورده إلى الأدلة القطعية من العقل والمحكم من السمع، وقد قال تعالى ? هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب ? ـ أي أصله الذي يُرَد إليه ـ ?وأُخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذّكر إلا أولوا الألباب?(الحديد: 3).
فالوجه في قوله تعالى ?ويبقى وجه ربك?(الرحمن: 27) أي: ذاته، و?يداه مبسوطتان?(المائدة: 64) أي: نعمته،? والسموات مطويات بيمينه ?(الزمر: 67) أي: قدرته وقوته، ?ولتصنع على عيني?(طه: 39) أي: بعلمي، و? في جنب اللّه ?(الزمر: 56) أي: في الجانب الذي لِله وهو الطاعة، و? على العرش استوى ?(طه: 5) أي: استولى، و?إلا هو رابعهم ?(المجادلة: 7) أي: علمه وسلطانه، و?وهو اللّه في السموات وفي الأرض ?(الأنعام: 3) أي: حافظ عالم مدبر، و? يخافون ربهم من فوقهم ?(النحل: 50) أي: قوته وقهره، و?وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة?(القيامة: 22-23) أي: منتظرة لرحمته، وقوله تعالى ?وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ?(الزخرف: 84) أي: إله من في السماء وإله من في الأرض، ونحوذلك.(55/1)


وهذه المعاني كلها شائعة في لسان العرب بل معدودة من البلاغة فيجب الحمل عليها لما قضت به حجج العقل والآيات المحكمة التي لا احتمال فيها مثل قوله تعالى ?ليس كمثله شيء ?(الشورى: 11)، ? لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد?(الصمد: 3-4)، ? فلا تجعلوا لله أنداداً ?(البقرة: 22)، ? لا تدركه الأبصار?(الأنعام: 103)، وإذا وجب الحمل على المجاز في مثل ? جناح الذل?(الإسراء: 24) بقرينة العقل وجب هنا.
فإن قيل: إذا نفيتم عن اللّه تعالى صفات خلقه فما تقولون في مثل موجود حي قادر عالم؟ وهل هذه مما تطلق عليه تعالى وعلى غيره أم لا؟
قلنا: قد بينا أن صفات اللّه تعالى ذاته، وذاته تعالى مخالفة لسائر الذوات، فلا اشتراك بينها في ماهيةٍ ولا حقيقة، ولأن المخلوق موجود بإيجاد فهو موجَد، وقادر بإقدار فهو مُقدَر ونحو ذلك، وهذه عين المخالفة بين المخلوقين والخالق.
وأما الوقوف على حقيقة كنه ذاته تعالى فمستحيل كما قال تعالى ?ولا يُحيطون به علماً ?(طه: 110)، وكما قال الوصي صلوات اللّه عليه : ( بايَنَهُم بصفته رباً كما باينوه بحدوثهم خلقاً )، وقوله عليه السلام: (من فكر في المخلوقات وحّد ومن فكر في الخالق ألحد ) أوكما قال.(55/2)

16 / 29
ع
En
A+
A-