المسألة الأولى:
أن تعلم أن لهذا العالم صانعاً صنعه، وخالقاً دبره وأحكمه.
والدليل على ذلك: أنّا وجدنا عليه ـ أي العالمِ ـ أثر الصنعة الرصينة، المحكمة العظيمة المتقنة والتأليف والتركيب والاتساق والترتيب، ووضع كل شيءٍ في موضعه مع الإحكام والتدبير العجيب، ومِن لازم ذلك كله الحدوث، وكل محدَث لابد له من محدِث ضرورة لاستحالة وجود بناءٍ لا باني له، وأثر من دون مؤثِّر، فعلمنا بذلك أن اللّه تعالى هو الذي أحدث العالم وكوَّنه وأحكمه ودبره ومن العدم أخرجه.
ودليل ثانٍ: وهو أنا علمنا أن في الجسم عَرَضاً غيره، وعلمنا أن ذلك العَرَض مُحدَث، وعلمنا أن ذلك الجسم لم يخْلُ عنه، وعلمنا أن ملازمته إياه تسلتزم حدوثه، فعلمنا أن له محدِثاً وهو اللّه تعالى.
ودليل ثالث: وهو قوله تعالى ? إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل اللّه من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثَّ فيها من كل دابةٍ وتصريف الرياح والسحاب المسخر بينَ السماءِ والأرض لآياتٍ لقومٍ يعقلون ?(البقرة: 164)، وقوله تعالى ? وفي أنفسِكم أفلا تبصرون?(الذاريات: 21)، وغيرها من الآيات المثيرة لدفائن العقول.
فإن قيل كيف تصح الدلالة على إثبات الصانع الحكيم بآيات القرآن الكريم ومعرفة صحته مترتبة على معرفته ؟ قلنا يصح من وجهين:
أحدهما: أن تلك الآيات مثيرة لدفائن العقول، ومعنى ذلك أنها منبهة للعقول على كيفية الاستدلال عليه تعالى لمّا كان من غريزتها وفطرتها الإقرار باللّه تعالى، ومعرفة الطريق الموصلة إليه كشفَ لها ـ إذا تدنست أو تكدرت ـ عن تلك الطريق.(48/1)
وثانيهما: لما تواتر لنا القرآن وعلمنا إعجازَه وخرقه للعادة ـ إذ قد تحدّى به العرب فلم يأتوا بسورةٍ من مثله بل اختاروا على معارضته الحتوف ومعانقة السيوف ـ أوجب ذلك الحكم بصدقه وصدق ما جاء به، وصار كسائر المحدَثات التي لا يقدر عليها البشر، فحينئذ يصح الاستدلال به على إثبات الصانع وتوحيده وعدله ووعده ووعيده وجميع ما أنزل اللّه تعالى فيه بأوضح الدلالات وقد قال تعالى ?هذا بلاغ للناس ولِيُنْذَروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكرَ أولوا الألباب?(إبراهيم: 52).(48/2)
المسألة الثانية:
أن اللّه تعالى قادر، والدليل على ذلك: أنه قد صح منه الفعل، والفعل لا يصح إلا من قادر ضرورة، وقد قال تعالى ? واللّه على كل شيء قدير ?(المائدة: 17).(49/1)
المسألة الثالثة:
أن اللّه تعالى عالم، والدليل على ذلك: انه قد صح منه الفعل المحكم وهو لا يصح إلا من عالم ضرورة، وذلك ظاهر في ملكوت السموات والأرض وما بينهما فإن فيهما من الترتيب والنظام ما يزيد على كل صناعة محكمة في الشاهد. وقد قال تعالى ?واللّه بكل شيءٍ عليم?(البقرة: 282).(50/1)
المسألة الرابعة:
أن اللّه تعالى حي، والدليل على ذلك: أن الجماد لا قدرة له ولا علم ولا حياة ضرورة، وقد ثبتَ أن اللّه تعالى قادر عالم فوجب أن يكون حياً، وقد قال تعالى ? اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم?(البقرة: 255) .(51/1)