[آية المباهلة]
وأما آية المباهلة وهي قوله تعالى ? فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين?(آل عمران: 61) فإنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لما لم يخرُج لمباهلة نصارى نجران إلا بعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام علمنا أنهم المرادون بالأبناء والنساء والأنفس، وقد قرنهم صلى اللّه عليه وآله وسلم بنفسه فكان حكمهم في هذه الرتبة الجليلة وهي الابتهال والدعاء إلى اللّه سبحانه بهلاك الكاذب حكمه، وهو صلى اللّه عليه وآله وسلم رأس الناجين يوم القيامة.
وقد روي حديث المباهلة عن ابن عباس، والحسن، والشعبي، والسُّدي، وابن اسحق، وغيرهم.(40/1)


[فضائل الإمام علي صلوات اللّه عليه]
ورُوي أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم سُئل عن بعض أصحابه فذكرهم بخير))، فقال له قائل: فعلي، فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((إنما تسألني عن الناس ولم تسألني عن نفسي ))، حكاه الحاكم رحمه اللّه في كتابه ( تنبيه الغافلين).
قلت: وكفى بهذا القول النبوي فخراً للوصي أمير المؤمنين عليه السلام،ولقد خصه اللّه تعالى من الفضائل والفواضل ما لم يخص به أحداً غيره من أمة نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وشاركهم في سائرها، حتى قال ابن عباس رضي اللّه عنهما ما أنزل اللّه تعالى ? يا أيها الذين آمنوا ? إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب اللّه أصحاب محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم في غير آية وما ذُكِر علي إلا بخير.
وقال الحاكم أبو سعيد المحسَّن بن كُرَّامة الجشمي رحمه اللّه في كتابه ( تنبيه الغافلين ) بعدما ذكر حديث الثقلين قال:
هذا غير ما أشار صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين آخذاً بيده مشيراً إليه بعينه مبيناً حاله بغاية الإجلال والإعظام ومميزاً له بين الخاص والعام، فمرةً يقول تمسكوا به فإنه مع الحق والحق معه، وتارة يقول من كنت مولاه فعلي مولاه، ويقول علي مني وأنا منه، إلى غير ذلك مما يطول ذكره، وكما نص على فضله خاصة وفضل أهل البيت عامة فقد نطق القرآن بمفاخرهم ونزلت الآيات في مآثرهم وبين صلى اللّه عليه وآله وسلم بقوله وفعله وميزه بين أمته.(41/1)


أما القول فكثير منها ما قاله يوم الغدير بأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة، ومنها ما جعله منه كهارون من موسى، ومنها ما رواه حذيفة أنه قال في علي إنه خير البشر، ومنها ما رواه أبو ذر وعمار رحمهما اللّه تعالى عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: ((من أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني ))، وكقوله: (( علي مني وأنا منه )) وكقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( أوحيَ إلي في علي أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين )) إلى غير ذلك مما يطول تقصيه.
وأما الفعل فإنه لم يؤمِّر عليه أحداً قط، وما بعثه في جيشٍ ولا سريةٍ إلا أمَّره عليهم وأمرهم بطاعته وحذرهم عن مخالفته، وكان صاحب لوائه في غزواته حتى سأله جابر بن سمرة يا رسول اللّه من يحمل رايتك يوم القيامة فقال: ((ومن عسى أن يحملها إلا من يحملها، علي بن أبي طالب))، وأخذ براءة من أبي بكر ودفعها إليه وقال: ((لا يبلغها عني إلا أنا أو رجل مني)) وأخرجه عند المباهلة، وأجراه مجرى نفسه دون غيره من أمته، وآخا بينه وبين نفسه لما آخا بين أصحابه وقال: ((هو أخي في الدنيا والآخرة))، وزوّجه ابنته سيدة نساء العالمين مع كثرة خطَّابها من سادة العرب، وقال: ((زوجتُكِ أعلمهم علماً وأقدمهم سلماً))، ولا نَقَم منه طول صحبته، ولا أنكر عليه شيئاً من قوله وفعله بل أنكر على من شكاه معرضاً عنه قائلاً له: ((ما لكم ولعلي، علي مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن ومؤمنة))، هذا سوى ما كان عليه من صغره إلى كبره، فإنه غسَّله عند ولادته وسماه، وفي حِجْرِه المبارك ربَّاه، ولما بُعث كان أول من أجابه وصلى معه، وكان كشَّاف الكُرب عن وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وذابّاً عن الدين ابتغاء رضاء اللّه، وكان جامعاً لكل الخصال من العلم والزهد والشجاعة والسخاوة، وما كان عليه من أخلاقه المعروفة، وفضائله المشهورة صلى اللّه عليه وآله وسلم . انتهى كلام الحاكم رحمه اللّه.(41/2)


وكما قيل شعراً :
إذ كان فضلاً مستطيلاً شاملا
وصفات ضوء الشمس تَذهبُ باطلا
وتركت مدحي للوصي تعمّداً
وإذا استطال الشيء قام بذاته

ولنقصر عنان القلم في هذا الكتاب لتعذر الاستيعاب والقصد التنبيه والتذكير لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.(41/3)


[الباب الثالث] في أمهات مسائل أصول الدين لا يعذر في جهلها أحدٌ من المكلفين على سبيل الجملة والاختصار
[وجوب معرفة اللّه تعالى]
اعلم أنه يجب على كل مكلف أن يعرف اللّه تعالى حق معرفته، ويعرف توحيده، وعدله وحكمته، وصدق وعده ووعيده، وما يتبع ذلك من النبوة والإمامة ونحو ذلك، والأصل في وجوبه العقل والشرع.(42/1)

13 / 29
ع
En
A+
A-