[من هم أهل البيت في الآية الكريمة؟]
[حديث الكساء]
ولا يصح أن يكون المراد بأهل البيت أزواجه، لأنَّ الأهل إذا أضيف إلى البيت لم يتبادر منه الأزواج، ولأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بيَّن المراد به في أحاديث كثيرة بالغة حد التواتر، ويؤيد ذلك أنّ سؤال أم سلمة رضي اللّه عنها لم يقع إلا بعد أن انقضى دعاؤه لأهل الكساء عليهم السلام في جميع الأخبار، وقولها بعد ما قضى دعاءه صريحٌ في خروجها عنهم، إذْ قد حصل البيان بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم (( اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ))، ونحوه كما في الروايات.(37/1)
[سبب اختلاف روايات الحديث]
وأما اختلاف روايات هذا الحديث فيجب أن يقال كما قال الشيخ محب الدين الطبري الشافعي في ذخائر العقبى: الظاهر أن هذا الفعل تكرر منه صلى اللّه عليه وآله وسلم، يدل عليه اختلاف هيئة اجتماعهم، وما جلَّلهُم به، ودعاؤه لهم وجواب أم سلمة.
ويُحَقِّق ما رواه في الذخائر بروايته عن عائشة وزينب، ولا يلزم التنافر في الآية الكريمة، لأن أكثر المفسرين والرواة على أن الآية لم تنْزل في نساء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولاشك في حسن تخصيصهن بالذكر وتمييزهن بخِطابِهِ تعالى بما يرفع قدرَهن وتعليل ذلك باتصالهن برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وبأولاده الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، مع أن التفسير المرفوع إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هو الذي يجب الرجوع إليه لقوله تعالى ? لتبين للناس ما نزل إليهم ?(النحل: 44)، فكيف وقد روي حديث الكساء بطرق متكاثرة يحصل التواتر بدونها، ونقله الجم الغفير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من حُفَّاظ المحدثين؟ ولفظه على روايةٍ لأبي طالب عليه السلام في أماليه بالإسناد إلى أم سلمة رضي اللّه عنها أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أخذ ثوباً فجلله على علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ثم قرأ هذه الآية ? إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيراً ?، فجئت لأدخل معهم فقال: (( مكانك يا أم سلمة إنك على خير ))، وفي رواية أخرى: ((أنت ممن أنت منه وأنت على خير ))، وفي رواية: (( أنت إلى خير، أنت من أزواج النبي )) [صلى اللّه عليه وآله وسلم].(38/1)
وروى حديث الكساء في كتاب ( المحيط بالإمامة ) من طريقين، وأخرجه مسلم والترمذي بطرق كثيرة، ورواه في شواهد التنْزيل للحاكم الحسكاني المحدث رحمه اللّه من طرق عديدة، والحاكم الجشمي رحمه اللّه في كتاب ( تنبيه الغافلين ) من ثلاث طرق، وفي كتاب ( درر السّمطين ) للزرندي الشافعي،والواحدي في كتاب ( أسباب النُزول ) من طريقين، وفي ( مجمع الزوائد ) للهيثمي الشافعي، ورواه الطبراني، وفي ( الشفاء ) للقاضي عياض، وفي ( ذخائر العقبى ) كذلك بطرق متعددة، وأحمد في ( المناقب )، وفي كتاب (المصابيح ) لأبي محمد البغوي وغيرهم.
ففي بعضها بلفظ الأمالي كما ذكرنا، وفي بعضها عن أبي سعيد نزلت هذه الآية ? إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً? في نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فجلَّلهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بكساءٍ وقال: (( اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ))، قال وأم سلمة على باب البيت فقالت ( يا رسول اللّه وأنا )، فقال: (( وأنت إلى خير ))، وفي بعضها قال: (( أنت من صالحي نسائي))، فلو كان قال نعم كان أحب إليّ مما تطلع عليه الشمس. وفي بعضها عنها رضي اللّه عنها قالت: (نزلت هذه الآية في بيتي وفي البيت سبعة جبريل وميكائيل ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وأنا على باب البيت، وساق الحديث.
وفي بعضها عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أربعين صباحاً إلى باب علي بعدما دخل بفاطمة فقال: (( السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته، الصلاة يرحمكم اللّه ? إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ? أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم)).(38/2)
وفي بعضها نحوه عن أنس، وفي بعضها نحوه عن أبي سعيد رضي اللّه عنه قال: لما نزلت هذه الآية ? وأْمر أهلك بالصلاة?(طه: 132) كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يجيء إلى باب علي صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: ((الصلاة يرحمكم اللّه ? إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً?))، إلى غير ذلك، ولو استقصينا ما في هذا المعنى من الأحاديث النبوية لخرجنا عن المقصود، وفيما ذكرناه إرشاد إلى ما أغفلناه.(38/3)
[دخول ذرية الحسنين (ع) في الآية]
فإن قيل: التنصيص على علي وفاطمة والحسن والحسين يخرج من يوجد من أولاد الحسنين.
قلنا: ليس المراد بالتنصيص إلا إخراج من يُتوهم دخوله في أهل البيت من الأزواج والأقارب وتخصيصهم ببيانِ كونهم أهل البيت لأنه لم يوجد من أهل البيت وقت نزول الآية غيرهم، وإلا فشمول أهل البيت لمن سيوجد كشمول الأمة، ويوضح ذلك قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعِترتي أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يَردَا علي الحوض))، وغيره مما سبق في صدر الباب، وقد روي عن زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال لرجل من أهل الشام: ( أما قرأت الأحزاب ? إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ? )) فقال: ولأنتم ، قال: نعم ).
فإن قيل: قد ثبت كون علي عليه السلام من أهل الكساء فدل أن يكون أولاده من غير فاطمة كأولاد الحسنين داخلين في معنى الأهل والعترة.
قلنا: إنما كان أولاد فاطمة عترة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله: ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما)) ونحوه، وليس كذلك أولاد علي من غير فاطمة عليها السلام.(39/1)