نقولُ: إنَّ الهدايةَ والضلالَ من الله تعالى تكونُ نتائجَ لأسبابٍ ومقدماتٍ يَعْمَلُهَا الإنسانُ، فالهدايةُ هي من نتائجِ الأعمالِ الصالحةِ، والإضلالُ هو من نتائجِ الأعمالِ القبيحةِ، وهذا هو ما نَجدهُ واضحاً في قوله تعالى: }وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ{ [الرعد/27]، }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا{ [الروم/69]، }وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى{ [محمد/17]، }يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ{ [البقرة/26-27]، }كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ{ [غافر/35]، }فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{ [الصف/5]، }كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [المطففين/14]، }بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً{ [النساء/155].(1/41)
نعم! الإضلالُ والطبعُ والزيغُ الذي ذكره الله تعالى هنا فإنه وإنْ حصلَ بسببٍ من الإنسانِ فليس معنى ذلك أنَّ الله تعالى أدخلهم بسببِ معاصيهم في الضلالِ والزيغِ، فهم داخلون في ذلك، بل المعنى أنَّ الله تعالى حَجَبَ عنهم ألطافَهُ، ومَنَعَهُم من توفيقه، ووَكَلَهُم إلى أنفسهم، وعند ذلك تُسَيِّطِرُ عليهم الأهواءُ، وتستولي عليهم شياطينُ الإنسِ والجنِ.
[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
يَجبُ الأمرُ بالمعروفِ، والنهيُّ عن المنكر لقوله تعالى }وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [آل عمران/104].
وإنما يجب ذلك: بشرطِ القُدْرَةِ والتَّمَكُّنِ على ذلك لقوله تعالى }لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا{ [البقرة/286]، وبشرطِ المعرفةِ بأنَّ ما يأمرُ به واجبٌ، وما ينهى عنه مُحَرَّمٌ، وذلك لأنَّ مَنْ لَم يكنْ كذلك قد يأمرُ بالمنكرِ، وينهى عن المعروفِ، وبشرطِ ألاَّ يُؤدي الأمرُ والنهيُّ إلى زيادةِ المنكرِ؛ لأنه حينئذٍ يكونُ كالإغراءِ بالقبيحِ، وذلك لا يجوز.
ويجبُ أن تكونَ الدعوةُ إلى الله، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُّ عن المنكرِ: باللينِ والرِّفْقِ، وحُسْنِ القولِ لقوله تعالى }ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{ [الإسراء/125].(1/42)
ولا يجوزُ ذلك بالمخاشنةِ والمغالظةِ والذَّمِّ، وقد قال الله تعالى لموسى وهارون ـ عليهما السلام ـ حين أرسلهما إلى فرعون: }فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى{ [طه/44].
[الإيمان باليوم الآخر]
يَجبُ الإيمانُ والتصديقُ والاعتقادُ بالبعثِ مِنْ بعدِ الموتِ بعث الروحِ والبدنِ، وذلك ليجزيَ الله كلَّ نفسٍ بِمَا كسبتْ، فمن كان من أهل الإيمانِ والتقوى فسينالُ الرحمةَ من الله، والرضوان والمغفرة والإحسان، وسَيُدْخِلُهُ الله تعالى برحمته جناتِ النعيمِ المشتملةِ على ما تشتهيه الأنفسُ، وتَلَذُّ الأعينُ، وأنتم فيها خالدون، وفيها من النعيمِ ما لا يَخْطُرُ على قلبِ بشرٍ.
وقد اشتملَ القرآنُ على كثيرٍ مِمَّا أعدهُ الله تعالى لعبادهِ المؤمنين التائبين، وكلُّ ذلك حقٌّ لا بُدَّ من وقوعه }مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ{ [ق/29]، }إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ{، }وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا{ [النساء/87].
وكذلك يَجبُ التصديقُ والاعتقادُ: أنَّ مَنْ مات مُصِّرَاً على العصيانِ والكفرانِ فإنَّ له جهنمَ خالداً فيها مُخَلداً في العذاب الأليم، وشرابِ الحميمِ، ومُقَطّعَاتِ النيرانِ، كلما نَضجتْ جلودُهُم بَدَّلَهُم الله جلوداً غيرَها ليذوقوا العذابَ، وكلُّ ما قدمنا مِمَّا لا خلاف فيه.(1/43)
[المؤمن، والفاسق، والمنافق، والكافر]
المؤمن: هو من أتى بالواجباتِ، واجتنبَ المُقَبَّحَاتِ.
والفاسق: هو الذي يَرْتِكِبُ معصيةً كبيرةً، أو يتركُ فريضةً قطعيةً جراءةً وتعمداً.
وحكمُهُ: أنه لا يَخْرجُ من الإسلامِ، فَيُسَمَّى مسلماً، ولا يسمى مؤمناً، بل يُسَمَّى فاسقاً، وظالماً، ومُجْرِماً، وآثماً، وغاشماً، وقد قال الله تعالى: }أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ{ [السجدة/18].
هذا وإن كان يُظْهِرُ الإيمانَ ويُبْطِنُ الكفرَ جاز أن نُسَمِّيَهُ مُنافقاً.
والكافر: هو من يُنْكِرُ الصانعَ الحكيمَ، أو يُنْكِرُ شيئاً من أسمائِهِ الحسنى، أو من يُشَبِّهُهُ بِخَلْقِهِ، أو أنَّه يَفْعَلُ المعاصي أو يُريدُها، أو أنَّ له شريكاً، أو يُنْكِرُ الرسولَ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، أو شيئاً مما عُلِمَ أنَّه من الدينِ قطعاً.(1/44)
[فِعلُ الله، وفعلُ العبدِ]
أفعالُ الله تعالى هي: أجسامٌ، وما يَلْحَقُها من الأعراض.
وأفعالُ العبيدِ هي: حَرَكاتٌ وسكونٌ لا غير، فالإنسانُ يَجْمَعُ أشياءَ موجودةً، ويَضُمُّ بَعْضَهَا إلى بعضٍ، أو يُفَرِّقُ بينها، ونَحو ذلك مما لا عَمَلَ له سوى الحركاتِ والسَّكَنَاتِ، ثَمَّ يَلْحَقُ الإنسانَ في عَمَلِهِ من التَّعَبِ والنَّصَبِ ما يَلْحَقُهُ، وذلك على حَسَبِ قلةِ العمل وكَثْرَتِهِ، وعلى حَسَبِ أحوالِ الفاعلِ.
أمَّا أَفْعَالُ الله تعالى: فإنها على خلافِ أفعالِ العبدِ، فليس في أفعاله تعالى لا حركة ولا سكون، ولا يَلْحَقُهُ تعبٌ ولا نَصَبٌ، ولا يَحْتاجُ سبحانه إلى آلةٍ ولا أعوان }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{ [الشورى/11].
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *
وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ *
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
تحريراً في العشر الأواخر من ذي الحجة سنة 1420 هـ(1/45)